رسائل
الإمام الجواد Aالى المنتظرين
الحديث
قال الامام الجواد A:{اَلْقَصْدُ إِلَى اللهِ تَعالى بِالْقُلُوبِ أَبْلَغُ مِنْ
إِتْعابِ الْجَوارِحِ بِالْأَعْمالِ}([1]).
وفيه مسائل
في بيان المفردات
المنزلة بين القلب والبدن
و
مَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ اليكُم
العلاقة القلبية بالأمام
في بيان المفردات
القصد : هو توجّه الى عمل و إقدام في عمل، فهو مرحلة أخيرة من الإرادة قريبة
من العمل.
القلوب : مبدأ الحياة والقوّة الّتي تتوقّف عليها الحياة.الإنسان في كل ابعاده.
الجوارح : الأركان البدنيّة و الأعضاء الجسمانيّة المادية و جوارح الإنسان:
أعضاؤه الّتي يكسب بها.
البلوغ: الانتهاء الى أقصى المقصد و المنتهى، مكانا كان أو زمانا أو أمرا من
الأمور مقدّرا.
المنزلة بين القلب والبدن
عن الإمام الصادق A: "إنّ منزلة القلب من الجسد بمنزلة الإمام من الناس الواجب
الطاعة عليهم، ألا ترى أنّ جميع جوارح الجسد شرط للقلب وتراجمة له([2]).
أقول وانت ترى الامام A اين وضع القلب من الجسد بالمنزلة في ارفع مكان وهو مكان الامام من
حيث وجوب الطاعة على الجسد وجعل الجسد مترجم له وهذه منزلة عظيمة.
والمعنى الدقيق كما ان الامام خليفة
الله وتراجمان وحيه كذلك القلب والجسد.
والمراد بالقلب في القرآن الكريم هو
حقيقة الإنسان، بمعنى النفس والروح.
فالقلب هو تلك اللطيفة الربّانيّة
الروحيّة التي أودعها الله تعالى في الإنسان وفطره عليها مشتملة على خصائص ثلاث،
هي:
للقلب خصائص
التعقُّل والإدراك للأشياء
التعقُّل والإدراك للأشياء، من خلال
التفكّر والتدبّر والنظر والتحليل والتركيب والتجزئة والاستنتاج ... ، وهذا هو
الجانب المعرفيّ والإدراكيّ في القلْب، وهو نفسه المراد بالعقل، وهو مانع للإنسان
ورادع له عن تعدّي الحدود: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ}
([3]) {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ
يَفْقَهُونَ بِهَا} ([4]) {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى
الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} ([5]).
الشعور والوجدان
- الشعور والوجدان، من خلال الحبّ
والبغض، والفرح والحزن، والأمل واليأس، والخوف والرجاء ... ، وهذا هو الجانب
العاطفيّ والانفعاليّ في القلب، وهو الذي يدفع الإنسان نحو إرادة الأشياء أو إرادة
تجنّبها: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ
وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} ([6]).
العزم والسلوك
العزم والسلوك، من خلال التحرّك نحو
الأشياء والسلوك إليها، أو الابتعاد عنها وتجنّبها. فبعد إدراك الأشياء بالتعقّل،
وتولّد الإرادة بالشعور والوجدان، يصدر القلب الأوامر بالعزم على السلوك والتحرّك
إلى الأشياء أو تجنّبها، وهذا هو الجانب السلوكيّ في القلب، وهو الذي يدفع الإنسان
إلى سلوك منهج ما: {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ
وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} ([7]).
للقلب حالات
ما يتعلّق بالجانب الانفعاليّ
والوجدانيّ من القلب: وهي ما ذكره القرآن الكريم من خواصّ القلوب لجهة الانفعال
والوجدان، منها:
الغِلْظة:
{وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} ([8]).
الإنابة:
{مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ
وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} ([9]).
التقلُّب:
{يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ
فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} ([10]).
الاشمئزاز:
{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ
قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} ([11]).
الرأفة والرحمة:
{وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ
رَأْفَةً وَرَحْمَةً} ([12]).
{قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} (12).
الصَغْو : (الميل والانحراف):
{إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ
قُلُوبُكُمَا} ([13]).
السلامة: {إِلَّا
مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} ([14]).
الإثم: {وَلاَ
تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} ([15]).
الاطمئنان:
{إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} ([16]).
المرض: {فِي
قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا
كَانُوا يَكْذِبُونَ} ([17]).
التقوى: {ذَلِكَ
وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} ([18]).
السكينة: {هُوَ
الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا
مَّعَ إِيمَانِهِمْ} ([19]).
القسوة: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن
بَعْدِ ذَلِكَ} ([20]).
الكسب: {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا
كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} ([21]).
الطُّهر:
{ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} ([22]).
أقول كل حالة ووصف للقلب هو يحتاج
الى دراسة خاصة في الأسباب والنتائج والعلاج وقد بحثت في كتب الاخلاق بعضها وتحتاج
الى دراسة موسعة لأنها ذات أهمية قصوى فهو البناء الحقيقي للإنسان الذي انزله
الامام الصادق A في الحديث المتقدم بمنزلة الامام .
ومن خلا ما تقدم انت تعرف القيمة والقومية
للقلب على البدن .
(و مَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ
اليكُم)
هذه الجملة من زيارة الجامعة الكبيرة
هي من أمهات المسائل المعرفية المرتبطة بمعارف التوحيد
والولاية ولا ابالغ اذا قلت فهمها يفتح الف باب في مسائل التوحيد والولاية وهو بحث
دقيق يحتاج الى مدارسه ومن اجمل ما قيل في بيانها بيان الشيخ جواد الكربلائي قدس
سره وانا انقل بعض ما قال لأنه توسع في الكلام لعله يكون مفتاح يفتح بعض مسائلها .
قال قدس سره
أقول: اعلم أن هذه الجمل من جوامع الكلم في هذه
الزيارة الشريفة خصوصا الأخيرة منها، فنقول في شرحها: إنّ المستفاد من خطب أمير
المؤمنين و أحاديث كثيرة أنه تعالى لا يمكن المعرفة بكنه ذاته و لا الإحاطة بشي ء
من صفاته.
ففي توحيد الصدوق ، بإسناده عن أبي
جعفر A قال: «إنّ اللّه تبارك و تعالى خلو من خلقه، و خلقه خلو منه، و كل ما
وقع عليه اسم شي ء ما خلا اللّه عز و جل فهو مخلوق، و اللّه تعالى خالق كل شي ء»([23]).
و فيه بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي
نجران، قال: سألت أبا جعفر الثاني A عن التوحيد فقلت: أ توهّم شيئا؟ فقال: «نعم غير معقول و لا محدود، فما
وقع وهمك عليه من شي ء فهو خلافه، لا يشبهه شي ء و لا تدركه الأوهام، كيف تدركه
الأوهام و هو خلاف ما يعقل، و خلاف ما يتصوّر في الأوهام، إنما يتوهّم شي ء غير
معقول و لا محدود».
و في الكافي، في باب المصافحة
بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر Aقال: سمعته يقول: «إن اللّه عز و جل لا يوصف، و كيف يوصف و قال في
كتابه: ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ «[24]» فلا يوصف إلاّ كان أعظم
من ذلك، و إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لا يوصف و كيف يوصف عبد احتجب اللّه عز
و جل بسبع، و جعل طاعته في الأرض كطاعته في السماء فقال: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «[25]» و من أطاع هذا فقد
أطاعني، و من عصاه فقد عصاني و فوّض إليه و إنا لا نوصف، و كيف يوصف قوم رفع اللّه
عنهم الرجس و هو الشكّ؟! و المؤمن لا يوصف، و إنّ المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه فلا
يزال اللّه ينظر إليهما و الذنوب تتحاتّ عن وجوههما كما يتحاتّ الورق عن الشجر»([26]).
و في بعض خطب أمير المؤمنين عليه
السّلام: «فتبارك اللّه الذي لا يبلغه بعد الهمم، و لا يناله غوص الفطن».
و في توحيد الصدوق عن أمير المؤمنين A في خطبة الوسيلة: «الحمد للّه الذي أعجز الأوهام أن تنال إلاّ وجوده، و
حجب العقول عن أن تتخيل ذاته في امتناعها من الشبه و الشكل». أقول: و السرّ في ذلك
أنه تعالى لو عرف، فلا بد و أن يكون بعد تحديده، لأن المعرفة بحقيقة الشي ء و كنهه
هي تبيين الشي ء و تمييزه عن غيره بحيث لا يشتبه بغيره، و هي لا يمكن إلاّ باحاطة
العارف بتمام مشخصات المعروف و مميزاته، و إذا كان كذلك فيكون المعروف لا محالة
محدودا للعارف، و إذا كان محدودا كان معدودا، و إذا صار معدودا فيبطل أزليّته
تبارك و تعالى، لأنه حينئذ يكون الذي حدّه أولى بالألوهيّة منه و أقدم عليه.
و بعبارة أخرى: أنه سبحانه لا يعرف
بالكنه، لأنّ الشي ء لا يدرك إلاّ ما هو من جنسه و في رتبته و حينئذ يحيط به، فإذا
أحاط به كان أعلى منه و أكبر. ما قال الباقر A في
بصائر الدرجات «[27]»،
و قال المفضّل: قال أبو جعفر A «إنّ حديثنا صعب مستصعب ذكوان أجرد، لا يحتمله ملك مقرب و لا نبي مرسل
و لا عبد امتحن اللّه قلبه للإيمان»، أما الصعب فهو الذي لم يركب بعد، و أما المستصعب
فهو الذي يهرب منه إذا رأى، و أما الذكوان فهو ذكاء المؤمنين، و أما الأجرد فهو
الذي لا يتعلق به شي ء من بين يديه و لا من خلفه و هو قول اللّه اللَّهُ نَزَّلَ
أَحْسَنَ الْحَدِيثِ «[28]» فأحسن الحديث حديثنا، لا
يحتمله أحد من الخلائق أمره بكماله حتى يحدّه، لأنه من حدّ شيئا فهو أكبر منه
الحديث.
فهذا أمر كلّي فلو أن أحدا حدّ اللّه
و عرفه بكنهه فهو أكبر منه تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.
ثمّ إنّ المستفاد من هذا الحديث و
حديث المصافحة أنّ أمرهم و حقيقتهم بل و حقيقة المؤمن لا يحدّ، فكيف بمن أعطاهم
هذا الأمر و المنزلة و هو اللّه تعالى فهو لا يدرك بالكنه بطريق أولى. ثمّ بعد ما
ثبت عدم إمكان المعرفة بكنهه تعالى فإنه قال: أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ
مُحِيطٌ «[29]»
فالمحيط المطلق لا يحاط و إلاّ لم يكن محيطا بقول مطلق، و مع ذلك قد أمرنا بمعرفته
تعالى، قال تعالى: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «[30]» أي ليعرفون.
ففي تفسير نور الثقلين «[31]»، عن كتاب علل الشرائع
بإسناده إلى أبي عبد اللّه A قال: «خرج الحسين بن علي على أصحابه فقال: أيها الناس إنّ اللّه عز و
جل ذكره ما خلق العباد إلاّ ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته
عن عبادة من سواه.
فقال له رجل: يا بن رسول اللّه بأبي
أنت و أمي فما معرفة اللّه؟ قال: معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي تجب عليهم
طاعته».
فهذا الحديث صريح في أنه لا يمكن
عبادته تعالى إلاّ بعد معرفته، و حينئذ فكيف التوفيق بينهما؟
فنقول:في تفسير نور الثقلين «[32]»، عن أصول الكافي بإسناده
إلى معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه Aفي قول اللّه عز و جل: وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ
بِها «[33]» قال: «نحن و اللّه
الأسماء الحسني، التي لا يقبل اللّه من العباد عملا إلاّ بمعرفتنا».
و فيه علي بن إبراهيم بإسناده عن الفتح
بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن A أنه قال: «إنّ الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه، و أنّى يوصف الذي
تعجز الحواس أن تدركه، و الأوهام أن تناله، و الخطرات أن تحدّه، و الأبصار عن
الإحاطة به، جلّ عمّا يصفه الواصفون، و تعالى عما ينعته الناعتون ...» الحديث. و في
توحيد الصدوق «[34]»،
بإسناده عن ابن سنان قال: سألت أبا الحسن الرضا A هل
كان اللّه عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق؟ قال: «نعم، قلت يراها و يسمعها؟ قال: ما
كان اللّه محتاجا إلى ذلك، لأنه لم يكن يسألها و لا يطلب منها، هو نفسه و نفسه هو،
قدرته نافذة و ليس يحتاج أن يسمي نفسه، و لكن اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها،
لأنه إذا لم يدع باسمه لم يعرف، فأوّل ما اختار لنفسه العلي العظيم، لأنّه أعلى
الأشياء كلها، فمعناه اللّه، و اسمه العلي العظيم، هو أول أسمائه، لأنه علا على
كلّ شي ء»
. ثمّ إنه تقدم عن الرضا A من أنّ الاسم صفة المسمى.
و في توحيد الصدوق بإسناده عن هارون
بن عبد الملك قال: سئل أبو عبد اللّه A عن التوحيد، فقال: «هو عز و جل مثبت موجود، لا مبطل و لا معدود، و لا
في شي ء من صفة المخلوقين، و له عز و جل نعوت و صفات، فالصفات له، و أسماؤها جارية
على المخلوقين مثل السميع و البصير و الرؤوف و الرحيم و أشباه ذلك، و النعوت نعوت
الذات لا تليق إلاّ باللّه تبارك و تعالى، و اللّه نور لا ظلام فيه، و حي لا موت
فيه، و عالم لا جهل فيه، و صمد لا مدخل فيه، ربنا نوري الذات، حي الذات، عالم
الذات، صمدي الذات».
و فيه عن أبي عبد اللّه A.. إلى أن قال A: «و اللّه يسمى بأسمائه و هو غير أسمائه و الأسماء غيره». و فيه
بإسناده عن غير واحد عن أبي عبد اللّه Aقال: «من عبد اللّه بالتوهّم فقد كفر، و من عبد الاسم و لم يعبد المعنى
فقد كفر، و من عبد الاسم و المعنى فقد أشرك، و من عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه
بصفاته التي وصف بها نفسه فعقد عليه قلبه، و نطق به لسانه في سرائره و علانية،
فأولئك أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام»
و في حديث أولئك هم المؤمنون حقا.
أقول: المستفاد من هذه الأحاديث و
نظائرها أمور:
الأول: أنه تعالى لا يوصف بوصف يعرف
به إلاّ بما وصف به نفسه، فغيره لا يقدر عليه توصيفه كيف و التوصيف فرع درك
الموصوف، و هو تعالى غير مدرك لغيره
لقوله A:
«الذي تعجز الحواس أن تدركه و الأوهام أن تناله ...» الحديث.
و قوله تعالى: أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ
شَيْ ءٍ مُحِيطٌ «[35]» و المحيط المطلق لا يحاط
كما لا يخفى؟
الثاني: أن ما تقتضيه الذات المقدسة
إذا قيس بالنسبة إليها بما هي مقتضية له و تستحقّه يسمى صفة، و إذا قيست بالنسبة
إلى أنفسها باعتبار فاقة الخلق إليها، و باعتبار تحققها و ظهورها في الخارج من حيث
إنها مقتضيات لما تقتضيه الذات، و انها مخلوقة و منعكسة عما تقتضيه الذات يسمى
اسما. فقول الرضا عليه السّلام: «الاسم صفة لمسمى»
يعني الاسم هو مقتضى الصفة التي هي
للمسمى، و لهذا إن صفات الباري أي ما تقتضيه الذات لا يمكن لأحد التعبير عنها و التعريف
لها، لعدم العلم بها كما تقتضيها الذات، فبيانها موقوف على بيانه تعالى.
و إليه يشير قوله A: «إن الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه»، ثمّ علله بأنه «أنى
يوصف أي من غيره الذي تعجز الحواس أن تدركه ... إلخ». و الحاصل: أنّ الصفات هي ما
تقتضيه الذات، و الأسماء ما هو مخلوقة و مقتضى تلك الصفات.
و إليه يشير
قوله A:
«فالصفات له و أسماؤها جارية على المخلوقين»، و لذا يقال: الصفات عين الذات أي ما
تقتضيه الذات عينها و الأسماء غيره.
و إليه يشير قوله A: «و اللّه يسمى بأسمائه و هو غير أسمائه و الأسماء غيره».
و أما ما ورد من قوله A: «لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف»، يراد من الصفة الاسم لا الصفة
بما هي مقتضى الذات الربوبي جل و علا كما لا يخفى.
و كذا ما قيل: إن الأسماء عين المسمى
يراد منه الصفات التي تقتضيه الذات لا الأسماء المخلوقة. و لهذا الكلام بيان تقدم
في طيّ الشرح و لعله سيجي ء فيما بعد أيضا.
الثالث: أنه تعالى لما لم يكن العلم
و الإحاطة به إلاّ بالتوهم، و أنه موجود غير معقول و لا محدود كما في ذيل حديث عبد
الرحمن بن أبي نجران من قوله عليه السّلام: «إنما يتوهم شي ء غير معقول و لا
محدود»، و هذا التوهم ليس إلاّ اعتقادا بوجوده كما هو هو، لا كما هو معقول لنا كما
قال عليه السّلام في خطبة الوسيلة: «الحمد للّه الذي أعجز الأوهام أن تنال إلاّ
وجوده»
أي أنّ الأوهام عاجزة عن دركه كما
هو، و لا يمكنها إلاّ أن تعتقد بوجوده تعالى، و أما أنه كيف يكون وجوده فلا يمكن
لأحد دركه.
قال A في
دعاء المشلول: «يا هو يا من لا يعلم ما هو، و لا كيف هو، و لا أين هو و لا حيث هو
إلاّ هو». فكيفية وجوده تعالى لا يعلمها أحد إلاّ هو. فمعنى إنما يتوهم شي ء أي
يعتقد بوجوده كما قال × : «إنه مثبت موجود فقط، و حينئذ لا طريق إلى عبادة الذات
الشريفة لأحد إلاّ من حيث ما وصف هو تعالى نفسه الشريفة بأسمائه»، و قال: وَ
لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها «[36]» و الأسماء التي هي انعكاس
الصفات التي هي للذات، و مقتضيات لما يقتضيه الذات الربوبي هي المعرف للذات
الشريفة، و هي الوسيلة لأن يتوجه الإنسان بها إليه تعالى و إلى ذاته الشريفة.
الرابع: إذا ثبت أنه لا طريق إلى
معرفة الذات، و إلى عبادتها و دعائها إلاّ بالصفات التي وصف بها نفسه، و هي تلك
الأسماء المخلوقة الجارية على المخلوقين، فلا بد من عبادته تعالى من طريقها و بها،
هذا و قد تقدم قول الصادق عليه السّلام: «نحن و اللّه الأسماء الحسني التي لا يقبل
اللّه من العباد عملا إلاّ بمعرفتنا».
و بعبارة أخرى: أنه بعد ما لا يمكن
لأحد عبادة الذات المقدسة بالاكتناه و الدرك، لعدم إمكان دركها لأحد إلاّ من طريق
ما وصف تعالى به نفسه لعبادته، فحينئذ يحصل الجمع بين عدم درك الذات و بين الأمر
بتحصيل معرفته تعالى و عبادته، فإنه يرجع الأمر حينئذ إلى وجوب تحصيل معرفة
الصفات، فإنه بمعرفتها تحصل معرفة الذات الممكنة للبشر تحصيلها، و حيثإنهم عليهم
السّلام قالوا: «نحن و اللّه الأسماء الحسني ... إلخ»
فلا بد من تحصيل معرفتهم عليهم
السّلام بما هم أسماؤه تعالى و صفاته و هي معرفتهم بالنورانية كما تقدم ذكره.
و إليه يشير قولهم فيما تقدم في
الشرح: «السلام على محالّ معرفة اللّه»، و قولهم في الزيارة الجامعة الصغيرة، «و
من عرفهم فقد عرف اللّه»، و قولهم «بنا عرف اللّه» كما تقدم مرارا.
و حينئذ لا بد من بيان أنه ما المراد
من أنه لا يقبل اللّه عملا من أحد إلاّ بمعرفتهم؟ وما المراد من قوله تعالى:
فادعوه بها بعد ما تبيّن أنهم تلك الأسماء الحسني؟ و إذا تبيّن المراد يظهر معنى قوله
عليه السّلام: «و من قصده توجه بكم».
فنقول: لا ريب في أن المراد من
الأسماء التي يدعى اللّه تعالى بها ليس هو الأسماء اللفظية، بل المراد منها
الأسماء المعنوية .
الى ان يقول قدس سره
فتحصّل من الجميع أن «من قصده توجه
بكم» أن قصده تعالى على وجوه، و التوجه بهم عليهم السّلام أيضا على وجوه كل
بمناسبة ما يقصده، فمن قصد اللّه في شي ء من الأشياء من الحوائج الدنيوية أو
الأخروية توجه بهم أي استشفع بهم، و من قصده أي قصد معرفته تعالى ليجده في قلبه
توجه بهم أي استشفع بهم، و من قصده أي قصده معرفته تعالى ليجده في قلبه توجه بهم
أي سلك طريقهم و جعلهم عليهم السّلام أدلاّء عليه تعالى علما و عملا و حالا و
سلوكا بنحو تقدم من أنه لما كانوا عليهم السّلام وجهه فلا محالة من قصده يتوجه
إليه تعالى بقلبه و عمله و لأنه بوجهه تعالى، و حيث إنهم وجهه تعالى فلا محالة
يتوجه بهم حيث إنهم وجهه و جهته، و هذه الجهة الإلهية التي هي حقيقتهم، يكون
التوجه بها إليه تعالى هو السلوك إليه و المشي في سبيله لما تقدم من أنهم سبيله و
طريقه و صراطه، فمعناها هو الاتّجاه بوجههم إليه تعالى و الاستضاءة في طريقه تعالى
بأنوارهم المعنوية التي هي حقيقتهم، و قد علمت فيما سبق أنهم النور في الآيات
القرآنية، و أنّ معرفتهم بالنورانية هي معرفة اللّه، و أنّ التوجه بهم و الاستشفاع
بهم في قضاء الحوائج و في الوصول إلى معرفته أمر مسلم لكل أحد، أي أنه لا يختصّ
التوجه بهم لتلك الأمور بنا، بل الملائكة و الأنبياء كلهم محتاجون إليهم عليهم
السّلام في ذلك، و من أراد الاطلاع عليه فليراجع البحار في باب توسل الأنبياء عليهم
السّلام بهم، و ناهيك في ذلك قوله عليه السّلام في تلك الأحاديث كما مرّ مرارا.
أجمل الأمر: ما استأهل خلق النظر من
اللّه إليه إلاّ بالعبودية لنا، أي بالخضوع و الخشوع لنا، ثمّ إن الناس في معرفتهم
على مراتب كثيرة. قال الصادق × : «لو يعلم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله أو
لكفره»، و نحوه غيره كما لا يخفى.
ثمّ إنه لا يمكن لأحد معرفتهم معرفته
كما هو حقها إلاّ من شاءوا كما تقدم من قولهم عليهم السّلام «إلاّ من شئنا» و هذا
لكبر أمرهم و عظم شأنهم و علوّ مقامهم، فمن أرادوا أن يعرّفوه أنفسهم الشريفة
منحوه ما به يقدر عليها، و ليس للخلق فيها حيلة و وسيلة إلاّ بلطفهم و عنايتهم،
رزقنا اللّه ذلك بمحمد و آله([37]).
العلاقة القلبية بالأمام
الحديث لا يريد ابعاد الانسان عن
الاعمال البدنية والتكاليف الظاهرية وانما يوجهنا الى إيجاد الجوهر وهي العبادات
القلبية التي هي اس العبادات واصلها وهي التي تشكل الحقيقة لهذه العبادات الظاهرية
والاعمال الجوارحية وهذه الاعمال الجوارحية يشترك فيه الجاهل والمنافق والعبادات
القلبية التي يتفرد بها المؤمن المخلص.
ومن اعظم العبادات القلبية هي
المعرفة وكما تبين مما تقدم ان معرفة الله عزوجل هي معرفة الامام والنصوص مبينة
لذلك (من عرفكم فقد عرف الله) .
ومن ثم تأتي العبادت القلبية الأخرى
كالحب والشوق وغيرها من العبادات التابعة للمعرفة .
يقول الشيخ الخنيزي دامت بركاته
أولئك المشغولون بإصلاح القلب! عرفوا
بأن القلب هو إمام البدن لذلك يعلمون أنه إذا أصلح القلب سوف تصلح كل الأعضاء
والجوارح. وفي النتيجة يراعون ويحافظون على قلوبهم حتى لا تدخلها الرذائل
الأخلاقية والخيالات والخَطَرات الفاسدة. يقول الإمام محمد الجواد × في رواية:
{اَلْقَصْدُ إِلَى اللهِ تَعالى
بِالْقُلُوبِ أَبْلَغُ مِنْ إِتْعابِ الْجَوارِحِ بِالْأَعْمالِ}.
سلوك الإنسان إلى الله بالقلب وصوله
أسرع إلى المقصد من كثرة العبادة البدنية.
كان المرحوم الشيخ حامد + يقرأ هذه
الرواية وهكذا كان يفسِّرها: أيّ شخص يجلس في بيت القلب ويراعي أن لا تدخله خيالات
الذنوب والباطل وأفكار الإضطراب المادي، ما إن يريد الخيال الباطل أن يدخل إلى
القلب يقلب وجهه عنها ويستغفر الله. بعد مدَّة من الزمان يكون لقلبه حارساً
ممتازاً ولا تستطيع الوسوسة أن تضلِّله([38]).
أقول ومن هنا يجب على المنتظر ان
يتابع موضوع قلبه مع امام زمانه # فانه ابلغ بالوصول اليه.
[1] / بحار الانوار ج75 ص364
[2] / بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٧ -
الصفحة ٥٣
[3] / سورة ق، الآية 37.
[4] / سورة الأعراف، الآية 179.
[5] / سورة الحج، الآية 46.
[6] / سورة الحجرات، الآية 7.
[7] / سورة البقرة، الآية 225.
[8] / سورة آل عمران، الآية 159.
[9] / سورة ق، الآية 33.
[10] / سورة النور، الآية 37.
[11] / سورة الزمر، الآية 45.
[12] / سورة الحديد، الآية 27.
[13] / سورة النازعات، الآية 8.
[14] / سورة الشعراء، الآية 89.
[15] / سورة البقرة، الآية 283.
[16] / سورة النحل، الآية 106.
[17] / سورة البقرة، الآية 10.
[18] / سورة الحج، الآية 32.
[19] / سورة الفتح، الآية 4.
[20] / سورة البقرة، الآية 74.
[21] / سورة البقرة، الآية 225.
[22] / سورة الأحزاب، الآية 53.
[23] / توحيد الصدوق ص 105
[24] / الحجّ: 74.
[25] / الحشر: 7.
[26] / الكافي ج 2 ص 183.
[27] / بصائر الدرجات ص 24.
[28] / الزمر: 23.
[29] / فصلت: 54.
[30] / الذاريات: 56.
[31] / تفسير نور الثقلين ج 5 ص 132.
[32] / تفسير نور الثقلين ج 2 ص 103
[33] / الأعراف: 18.
[34] / توحيد الصدوق ص 191.
[35] / فصّلت: 54.
[36] / الأعراف: 180.
[37] / الأنوار الساطعة في شرح الزيارة الجامعة ،ج
5،ص:169
[38] / ملكوت الحسين صلوات الله عليه ص87
تعليقات
إرسال تعليق