القائمة الرئيسية

الصفحات

من كتاب حقلئق ورقائق في حياة السيدة رقية عليها السلام




المحبة المتبادلة الكاملة

 

الحبّ ليس كلمات تنمق ولا عبارات تزين ولا أحرفاً تكتب

الحب الحقيقي هو أن يحترق القلب ثمّ يحترق حتّى يذوب في هوى محبوبه. الحب لا تسعه الكلمات ولا تحيط به الحروف ولا تستوعبه العبارات، فهو احساس وشعور واحتراق وذبول وسهر الليل وفكر النهار وشخوص البصر بانتظار رؤية الحبيب وذهاب الفكر سعياً لرضاه وخوض المخاطر في سبيل لقياه. الحب هو حزن القلب وابتسامة الثغر، هو أنين الكتوم وصَرخة الموتور، الحب هو تتبع حركات المحبوب وسكناته والأنس بألم الفراق على أمل اللقاء. ما أروع صورة الحب وهي تتجلى في زيارة (آل ياسين) حيث تلتهب عواطف المحب وتجيش لواعج عشقه فيبعث بسلامه ليس إلى شخص الحبيب فحسب بل لكل سكناته ولحظات حياته وخفقات قلبه، فتراه يقول: (السَّلامُ عَلَيْكَ فِي آنَاءِ لَيْلِكَ وَأَطْرَافِ نَهَارِكَ ... السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقُومُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْعُدُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْرَأُ وَتُبَيِّنُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تُصَلِّي وَتَقْنُتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تُهَلِّلُ وَتُكَبِّرُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَحْمَدُ وَتَسْتَغْفِرُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تُصْبِحُ وَتُمْسِي، السَّلامُ عَلَيْكَ فِي اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ... ). نعم هذا هو كنه الحب ومعدنه وأصله وفرعه ومبدأه ومنتهاه.}([1]).

 

قاعدة:  ان الافراط في كل شيء مذموم إلّا في الحب

ان الحب عبارة عن الميل إلى الشيء الملذّ، وكلما كان الملذّ أقوى في اللذاذة كان الميل أقوى إلى أن يصل حدّ الافراط فيسمى عشقاً، ولذا قيل ان الافراط في كل شيء مذموم إلّا في الحب وهذا الميل إنما يحصل بعد المعرفة بذلك الشيء الملذ الجميل، وهذه المعرفة إما بالحواس الظاهرة أو بالعقل، وكلما كان الدرك والمعرفة أقوى كان الحب أقوى والبصيرة الباطنة أقوى من البصر الظاهري لأن القلب أشد إدراكاً من العين كما لا يخفى ولذا كانت المعاني الجميلة المدركة بالعقل أعظم من جمال الصور الظاهرة فلا محالة تكون لذة القلوب بما تدركه من الأُمور الشريفة الجميلة الإلهية التي تجل عن ان تدركها الحواس أتم وأبلغ ولذا نرى أن الطباع السليمة والعقول الصحيحة أكثر ميلاً إلى مدركات العقل.

 

 

الرقيقة الأولى : احب الله من احب حسينا

قاعدة للمحبة أصل وفرع، أما أصلها فهو المعرفة كما قال الإمام الصادق ×  "الحب فرع المعرفة" فلا يمكن للإنسان أن يحب شيئاً مجهولاً، وأما فرعها فإيثار المحبوب على ما سواه كما قال عليه السَّلام: "ودليل المحبة إيثار المحبوب على ما سواه". فقد ورد عن النبي |  أنه سأل شخصاً: تحبني أكثر من أبيك أو تحب أباك أكثر مني، فقال: أحبك أكثر من أبي فقال له النبي: تحبني أكثر من الله؟ قال: إنما أحبك لله. فاستحسنه الرسول | .

 قال رسول الله (| ): «حسين (× ) مني و أنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط».

اقول ان الله عزوجل احب من احب حسين ولكن سوال هنا فكيف بمن احبه الحسين × كما هو الحال مع مولاتنا السيدة رقية ÷.

 

الرقيقة الثانية: يحبها وتحبه تبكي لفراق أبيها ليلها ونهارها

الحائري في معاليه: كانت للحسين (× ) بنت صغيرة يحبها وتحبه، وقيل كانت تسمى رقية، وكان لها من العمر ثلاث سنين، وكانت مع الأسرى في الشام، تبكي لفراق أبيها ليلها ونهارها وكانوا يقولون لها هو في السفر([2]).

 

الرقيقة الثالثة: الله يسقيك فإنّه وكيلي عليكم

قالت :أبتاه انظر إليّ فإنّي عطشانة وما أن سمع سيّد الشهداء عليه السلام هذه الكلمات المشجية من عزيزة قلبه رقيّة ÷ إذا به ينقلب حاله ويجهش بالبكاء فخاطبها بدموع جارية وقال: الله يسقيك فإنّه وكيلي عليكم([3]).

 

 

الرقيقة الرابعة: إذن لن أشرب الماء أبداً

لمّا وصل الساقي إلى السيّدة رقيّة ÷وناولها قدح الماء أخذته وهرولت نحو الميدان، فتساءل منها الرجل وقال: إلى أين تذهبين؟ فقالت: أمضي إلى والدي لأسقيه الماء. فأجابها اللعين: دعي عنك هذا واشربي الماء فقد قتل أباك ظمآناً.

وبمجرّد أن سمعت منه هذا الكلام التفت إليه بدموع جارية وقالت: إذن لن أشرب الماء أبداً ( [4]).

 

الرقيقة الخامسة: إذا بصوت والدي يتهادى إلى سمعي قائلاً: بنيّة إليّ إليّ

 

التفت السيّدة سكينة إلى السيّدة رقيّة عليها السلام وقالت: كيف وجدت جسد أبي؟ فأجابتها السيّدة رقية: بينما كنت أصيح في البيداء أبتاه.. أبتاه.. إذا بصوت والدي يتهادى إلى سمعي قائلاً: بنيّة إليّ إليّ.. ([5] ).

في كتاب «مبكي العيون» أنّ السيّدة زينب عليها السلام في ليلة الحادي عشر من محرّم جمعت العيال في خيمة قد احترق نصفها، وبقيت تحرس النساء والأطفال طيلة تلك الليلة وبينما هي كذلك أخذتها غفوة فرأت والدتها الصدّيقة الزهراء عليها السلام وقالت لها: أُمّاه أما تدرين بما جرى علينا؟

فأجابتها الصدّيقة الزهراء عليها السلام: لا تحرقي قلبي بعتابك يابنية، قالت العقيلة زينب: إذن لمن أشكو شجوني؟

فتأوّهت الصدّيقة الزهراء عليها السلام وقالت: لقد كنت حاضرة عندما حزّ اللعين رأس ولدي وفصل رأسه عن بدنه، ثمّ أنّها عليها السلام قالت: والآن ابحثي عن عزيزة الحسين رقيّة.

فاستيقظت السيّدة زينب عليها السلام من النوم وأخذت تدعو السيّدة رقيّة عليها السلام فلم تجبها، فخرجت مع السيّدة أُمّ كلثوم تبكيان يبحثن عنها، وبينما هما كذلك صوت السيّدة رقيّة عليها السلام بين القتلى.

فتوجّهنا نحو القتلى وإذا بالسيّدة رقيّة عليها السلام قد ألقت بنفسها على جسد أبيها وهي تشكو إليه ما جرى عليهم.

فهدّأتها السيّدة زينب عليها السلام ورفعتها عن جسد والدها.

ولم تمض لحظات إذا بالسيّدة سكينة تأتي فرجعوا معاً، وفي أثناء الطريق التفت السيّدة سكينة إلى السيّدة رقيّة عليها السلام وقالت: كيف وجدت جسد أبي؟ فأجابتها السيّدة رقية: بينما كنت أصيح في البيداء أبتاه.. أبتاه.. إذا بصوت والدي يتهادى إلى سمعي قائلاً: بنيّة إليّ إليّ.. ([6]).

 

 

الرقيقة السادسة: قلّ له يسمّيه حسيناً

بعث سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمود شريعة زاده الخراساني رسالة إلى مكتب الإمام الحسين كتبها في تاريخ 2 جمادي الآخرة 1418 ه وجاء فيها: دخلت في أحد الأيّام حرم السيّدة رقيّة عليها السلام فرأيت مجموعة من الناس كانوا واقفين مقابل الضريح المقدّس يقرؤون الزيارة الشريفة بينما كان مدّاح أهل البيت عليهم السلام الحاج نيكوئي يقرأ لهم المصيبة وقد ذكر القضية التالية فقال: فيما كان مسؤولوا حرم السيّدة رقيّة عليها السلام يشترون المنازل المجاورة لتوسعة المرقد الشريف رفض أحد اليهود أو النصارى المجاورين للحرم أن يبيع منزله وبقي يصرّ على ذلك علماً أنّهم عرضوا عليه أكثر من ضعفي قيمة منزله إلّا أنّه رفض وبقي يعاند بكلّ إصرار. وبعد مدّة من الزمن حملت زوجة الرجل، وقبل ولادتها أخذها إلى بعض الدكاترة لمعاينة حالتها فأخبروه أنّ الأُمّ والطفل معرّضان للخطر ولذا من اللازم أن يبقيا تحت إشرافنا هذه المدّة. يقول الرجل: عندما أخذ الطلق من زوجتي مأخذة أخذتها إلى المستشفى ورجعت إلى حرم السيّدة رقيّة عليها السلام وبقيت أتوسّل بها وقد عاهدتها بأنّها إذا تشفّعت لي في سلامة زوجتي وطفلي فإنّني أهدي المنزل إليها.

بقيت فترة أتوسّل بها ثمّ ذهبت إلى المستشفى فوجدت زوجتي جالسة على «سرير» وفي حجرها طفل وهما في أحسن حال وهي تقول: أين ذهبت؟ قلت: لقد كان لدي أمر مهمّ ذهبت لأدائه، فقالت: لا، لقد ذهبت وتوسّلت بابنة الإمام الحسين عليه السلام، قلت: من أين عرفتي؟ قالت: عندما كنت أُعاني آلام الطلق أُغمي عليَّ وإذا بطفلة صغيرة دخلت الغرفة وقالت: لا تقلقي، لقد طلبت من الله تعالى سلامتك أنت وطفلك وهو ولد.

 

ثمّ أنّها قالت: أبلغي سلامي إلى زوجك وقولي له يسمّيه حسيناً، فقلت لها: من أنت؟ قالت: أنا رقيّة بنت الإمام الحسين عليه السلام.

ولمّا فرغ المدّاح المذكور «الحاج نيكوئي» من قراءة المصيبة سألت منه: من أين لك هذه القصّة؟ قال: سمعتها من خادم حرم السيّدة رقيّة عليها السلام وهو من أهل السنّة وكان يفتخر بهذه الخدمة، وكان أبوه أيضاً يخدم معه في حرم السيّدة رقيّة عليها السلام([7]).

 

 

 

 

 



[1] /ثقافة الانتظار السيد محمد القمبجي

[2]) معالي السبطين ص 579.

[3]) الوقائع والحوادث لمحمّد باقر مليوبي ج 3 ص 192.

[4]) ثمرات الحياة ج 2 ص 38.

[5]) حضرة رقيّه عليها السلام ص 27.

[6]) حضرة رقيّه عليها السلام ص 27.

[7]/ السيّدة رقيّة بنت الإمام الحسين عليه السلام للخلخالي ص192

تعليقات