القائمة الرئيسية

الصفحات

أصحابُ الكهفِ أَعوانُ المهديِّ عجل الله فرجه

 




 من كتاب رسائل سيد المرسلين صلى الله عليه واله الى المنتظرين

الرسالة الثانية

أصحابُ الكهفِ أَعوانُ المهديِّ

 

 

 

 




 

 

 

الرسالة الثانية

أصحابُ الكهفِ أَعوانُ المهديّ 

 

الحديث

عن رسول الله (d) أنّه قال:«أصحَابُ الكَهْفِ أَعْوانُ المهديِّ»([1]).

وروي عن أبي عبد الله الصادق ×  قال: (إذا قام قائم آل محمّد استخرج من ظهر الكعبة سبعة وعشرين رجلًا خمسة عشر من قوم موسى الذين يقضون بالحقّ وبه يعدلون، وسبعة من أصحاب الكهف، ويوشع وصىّ موسى، ومؤمن آل فرعون، وسلمان الفارسي، وأبا دجانة الأنصاري، ومالك الأشتر)([2]).

أقول ان الاحاديث من الخاصة والعامة تصرح بصحبة أصحاب الكهف لصاحب العصروالزمان # ونحاول  ان نبحث و نستكشف الخصائص والمقومات التي رفعتهم الى هذه الدرجة الكبرى والمرتبة العليا.

كل قصة قرآنية تحتوي على ثلاثة مضامين

الاول: هو وصف لحادثة سابقة في الأزمان البعيدة أي قبل نزول القرآن على قلب الخاتم !.

الثاني: هو أن لكل قصة قرآنية عبرة وغاية تنزل من الله عز وجل للإشارة الى مفهوم ما او درس معين، أو حادثة حدثت في زمان رسول الله ! وهي ما يعرف بسبب النزول.

الثالث: هو ما يكون له تطبيق في المستقبل أي بعد زمن النزول، لأن القرآن يخاطب العقول في كل زمان ومكان ولا يقتصر على زمن ومكان نزوله وبالتالي فإن هذه القصص القرآنية أيضاً لها تعلق في حياتنا اليوم وما يجري فيها من الاحداث.

 

 

العبادة فى الغيبة افضل منها فى الظهور

 

عن عمار الساباطي قال: قلت لابي عبد الله × : أيما أفضل: العبادة في السر مع الامام منكم المستتر في دولة الباطل أو العبادة في ظهور الحق و دولته مع الامام منكم الظاهر؟ فقال: ياعمار! الصدقة في السر و الله أفضل من الصدقة في العلانية و كذلك و الله عبادتكم في السر مع امامكم المستتر في دولة الباطل و تخوفكم من عدوكم في دولة الباطل و حال الهدنة أفضل ممن يعبد الله عزوجل ذكره في ظهور الحق مع امام الحق الظاهر في دولة الحق و ليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة و الأمن في دولة الحق، و اعلموا ان من صلى منكم اليوم صلاة فريضة في جماعة مستترأ بها من عدوه في وقتها فأتمها، كتب الله له خمسين صلاة فريضة في جماعة و من صلى منكم صلاة فريضة وحده مستتر أبها من عدوه في وقتها فأتمها، كتب الله عزوجل بها له خمساً و عشرين صلاة فريضة و حدانية و من صلى منكم صلاة نافلة لوقتها فأتمها، كتب الله له بها عشر صلوات نوافل، و من عمل منكم حسنة، كتب الله عزوجل له بها عشرين حسنة و يضاعف الله عزوجل حسنات المؤمن منكم اذا أحسن أعماله و دان بالتقية على دينه و امامه و نفسه و أمسك من لسانه أضعافاً مضاعفة ان الله عزوجل كريم.

قلت: جعلت فداك قد و الله رغبتني في العمل و حثثتني عليه و لكن أحب أن دولة أعلم كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالا من أصحاب الامام الظاهر منكم في دولة الحق و نحن على دين واحد؟ فقال: انكم سبقتموهم الى الدخول في دين الله عزوجل و الى الصلاة و الصوم و الحج و الى كل خير وفقه و الى عبادة الله عز ذكره سر أمن عدوكم مع امامكم المستتر، مطيعين له صابرين معه منتظرين لدولة الحق خائفين على امامكم و أنفسكم من الملوك الظالمة تنظرون الى حق امامكم و حقوقكم في أيدي الظلمة، قد منعوكم ذلك و اضطروكم الى حرث الدنيا و طلب المعاش مع الصبر على دينكم و عبادتكم و طاعة امامكم و الخوف من عدوكم، فبذلك ضاعف الله عزوجل لكم الاعمال، فهنيئاً لكم، قلت: جعلت فداك فما ترى اذا ان نكون من أصحاب القائم و يظهر الحق و نحن اليوم في امامتك و طاعتك أفضل اعمالا من أصحاب دولة الحق و العدل؟ فقال: سبحان الله اما تحبون ان يظهر الله تبارك و تعالى الحق و العدل في البلاد و يجمع الله الكلمة و يؤلف الله بين قلوب مختلفة و لا يعصون الله عزوجل في ارضه و تقام حدوده في خلقه و يرد الله الحق الى أهله فيظهر حتى لا يستخفى بشاء من الحق مخافة احد من الخلق أما و الله ياعمار لا يموت منكم ميت على الحال التى انتم عليها الا كان أفضل عند الله عند الله من كثير من شهداء بدر واحد فابشروا» ([3]).

فذكر عليه السلام في هذه الرواية الشريفة من أسباب الأفضلية.

ثمانية أمور:

الأوّل: سبقكم إلى الإيمان بالله وبرسوله والدخول في دين الله تعالى والإقرار به.

الثاني: سبقكم إلى العمل بالأحكام مثل الصلاة والصوم والحج وغيرها من الخيرات.

الثالث: عبادتكم سراً مع الإمام المستتر وطاعته كذلك خوفاً من الأعداء.

الرابع: صبركم مع الإمام المستتر في الشدائد.

الخامس: انتظاركم لظهور دولة الحق وهو عبادة.

السادس: خوفكم على إمامكم وأنفسكم من الملوك الظلمة وتغلبهم.

السابع: نظركم نظر تأسفٍ وتحسّر إلى حقّ إمامكم وهو الإمامة والفئ وحقوقكم التي هي الأموال في أيدي الظلمة الغاصبين الذين منعوكم عن التصرف فيها واضطروكم إلى حرث الدنيا وكسبها وطلب المعاش من وجوه شاقة.

الثامن: صبركم مع تلك البلايا والمصائب على دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف من عدوكم قتلاً وأسراً ونهباً وعِرضاً، وليس لأصحاب المهدي عليه السلام بعد ظهوره شيء من هذه الأمور فلذلك ضاعف الله تعالى لكم الأعمال.

قال المولى صالح المازندراني  : « ...  المراد بالإمام المستتر من لا يقدر على إظهار الدين كما ينبغي خوفاً من الأعداء والظّلَمة سواء كان ظاهراً بين الخلق أو كان غائباً عنهم فكلُّ إمامٍ إلى زمان ظهور صاحب الزمان فهو مستترٌ بهذا المعنى، والمراد بالإمام الظّاهر من قدرَ على ذلك وكان حكمُه جارياً على الخلق وهو صاحب الزمان بعد ظهوره ... »([4]).

عن أمية بن عليّ عن رجل قال: قلت لأبي عبد الله × : أيهما أفضل نحن أو أصحاب القائم # ؟

قال: فقال لي: (أنتم أفضل من أصحاب القائم، وذلك أنكم تمسون وتصبحون خائفين على إمامكم وعلى أنفسكم من أئمّة الجور، إن صليتم فصلاتكم في تقية، وإن صمتم فصيامكم في تقية، وإن حججتم فحجكم في تقية، وإن شهدتم لم تقبل شهادتكم ... )، وعدّد أشياء من نحو هذا مثل هذه.

فقلت: فما نتمنى القائم × إذا كان على هذا؟

قال: فقال لي: (سبحان الله أما تحب أن يظهر العدل ويأمن السبل وينصف المظلوم).

أقول المقصود بالامام القائم الامام الظاهر المبوسط اليد .

 

ربط القلوب بالتوحيد

إن أصحاب الكهف كانوا أصحاب قضية التوحيد الحق لله عز وجل، قال تعالى: (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا)([5])، كما إن من أهم ما يميز هؤلاء الجماعة أنهم فتية كما في قوله تعالى: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)([6])، فالظاهر من هاتين الآيتين أن هؤلاء كانوا أصحاب موقف حق قوي دفعهم للقيام ضد صوت الكفر والإلحاد، وكان هذا الموقف نابع من الإيمان بالله وعدم المبالاة بأي شيء سواه، مصحوبا بالفتوة وهي دلالة على القوة والنشاط تمكنهم من الاستعداد للدفاع عن الحق ورفضهم كل صور الباطل، ومن خلال هذه الصفات والسمات لأصحاب الكهف وهذا يدلل دلالة واضحة من أن أصحاب الدعوة الحقة لا يشترط فيهم العمر الكبير والسن الطاعنة بل ربما تقوم هذه الدعوة على أيدي فتية آمنوا بربهم أو على يد صبي لم يَبْلغ الحلم كالنبي عيسى # الذي اتاه الحكم وهو في المهد صبيا.

 

 

 

 

مرحلة الغربة بين أفراد مجتمعهم

إن أصحاب الكهف كانوا هم الوحيدون بين مجتمعهم من يحملون في عقولهم وقلوبهم حقيقة الدين وروح التوحيد لله تعالى والإخلاص له بكل ما أوتوا من قوة وعلى العكس من هذه العصبة فقد كان المجتمع المحيط بهم مليئا بالكفر والضلال والابتعاد عن روح الإيمان والتوحيد لله بدءً من ملكهم (دقيانوس) وانتهاءً إلى آخر فرد منهم، لذلك كانوا يعيشون مرحلة الغربة بين أفراد مجتمعهم والوحشة من الناس لأن المؤمن بالله لا يجد الأنس والراحة إلا من كان من صنفه وعقيدتهِ الموافقة له.

روي عن أمير المؤمنين # قوله: (لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله،) ([7]). فنجد أن أصحاب الكهف كانوا على هذه الحال فمع أنهم كانوا من أصحاب المقامات الرفيعة في الدولة أو أنهم كانوا وزراء للملك على بعض الروايات ويتمتعون بالنفوذ السياسي إلا أن هذه المغريات والمصالح الدنيوية لم تكن لهم بديلاً عن سعادة الإيمان والراحة النفسية في التصديق بربوبية الخالق الحقيقي لهذا الكون وهذا الوجود، فاختاروا الكهف الذي يخلو من كل ملذات الدنيا وزينتها ويفتقد لأبسط سبل الراحة، لكنهم اختاروه لانهم استوحشوا من تلك الدنيا وأهلها المليئة بالكفر والفسوق والعصيان.

كانوا عصبة قليلة أمام الكثرة الغالبة

أن أهم ما نلاحظه في قصة أصحاب الكهف أنهم كانوا عصبة قليلة أمام الكثرة الغالبة، لم يتجاوز عددهم السبعة انفار مع ان المقابل لهم من اهل الشرك والضلال مدينة كاملة وعلى رأسهم ملكها (دقيانوس) فنجد من الملاحظ في تأريخ الامم السابقة ان اصحاب الدعوة الحقة والعقيدة الصحيحة والفطرة السليمة أنهم قلة قليلة تجابه كثرة مجتمعة على الكفر والشرك والظلال، ومنهم أصحاب الكهف ولذلك نجد ان الباري عز وجل أشار الى هذه الحقيقة في قرآنه الكريم حيث قال ( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)([8])وذلك أن مسألة الحق والانضمام الى جانبه تحتاج دائماً أو في الأعم الأغلب الى التضحية من أجل قضيته وهذهِ التضحية قد تكون بالمال أو الاولاد وقد يصل الامر الى التضحية بالروح والنفس لأجل إحقاق الحق ورفع رايته ونصرة أصحابه، فنجد أن اكثر الناس على مرّ العصور ليس لديهم هذا الاستعداد وهذه القوة الناضجة من أجل الحق ونصرته فيركنون الى الدنيا وزبرجها وملذاتها تاركين وراء ظهورهم الحق بعدم الانضمام الى ركبه او الانظواء تحت رايته.

 

العاقبة للمتّقين

أنَّ الله عز وجل ضرب مثلًا في أصحاب الكهف والرقيم أنَّهم كانوا مستضعفين وكانوا يعيشون في حالة من التقيّة والوجل والخوف ولا يظهرون دين التوحيد أمام ذلك الملك (دقيانوس) الذي كانوا يعيشون في وزارته، وكانوا وزراء له في القصر الملكي، وكانوا موحّدين ولكن لم يكونوا يجرؤون ليظهروا التوحيد، فكانوا مستضعفين إلى حدّ ألجأهم الأمر إلى أن يفرّوا من ديوان الملك إلى الصحراء وآووا إلى الكهف بعد أن فُضح أمرهم وكُشف، وبعد أن ذهب شرّ (دقيانوس) واندثرت مملكته واندثر زمانه عاود الله إحياءهم ليثبت الباري تعالى للبشرية: (وَ كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) ([9]).

فإحياء الله لأصحاب الكهف والرقيم بعد اندثار (دقيانوس) وتفشّي التوحيد ليدلّل الله عز وجل على أنَّ العاقبة للمتّقين، وأنَّ المستضعفين.

الثبات والصمود

ثبات أصحاب الكهف والرقيم الفتية المؤمنة رغم قلّتهم في مجتمع الضلال، إلَّا أنَّهم مع ذلك ثبتوا على نهج الحقّ، وهذه عظة للأمّة الإسلاميّة.

ان الروايات الشريفة تؤكد على ان الكثير من الناس يرتدون وينحرفون في زمن الغيبة وتؤكد على لزوم الثبات والاستقامة وعلى ان ذلك محنة وابتلاء فقد ورد في غيبة الشيخ عن الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) ((اذا فقد الخامس من ولد السابع من الائمة فالله الله في اديانكم لايزيلنَّكم عنها احد , يابني انه لابد لصاحب هذا الامر من غيبة , حتى يرجع عن هذا الامر (أي التشيع) من كان يقول به (أي كثير ممن يقول به) , انما هي محنة من الله امتحن الله تعالى بها خلقه "([10]).

 

الثبات على الإيمان والفيض الإلهي:

الثبات على الإيمان أوجد من قبل الباري زيادةَ فيض الهدى منه تعالى على الفتية المؤمنة والثلّة المؤمنة، رغم عيشها في غربة، بلحاظ الأكثرية المخالفة لهم من أهل الضلال، ولكن ثباتهم ورباطة جأشهم، وإن لم يلتقوا بنبيّ زمانهم أو برسول زمانهم أو بخليفة الله في الأرض، ولم يتعرَّفوا عليه، ولم يرتبطوا به، إلَّا أنَّه كان على علم بهم، فإنَّ لله عز وجل خليفة في الأرض في كلّ زمان، وهذا درس لأهل الإيمان، أنَّهم رغم احتجاب معرفتهم وشعورهم بشخص ومصداق من يعتقدونه بحقائق القرآن وحقائق السُنّة القطعية بأنَّه إمام للبشرية ومنصوب من قبل الله وهو الإمام المهدي الثاني عشر من خلفاء خاتم الأنبياء، هذا لا يزلزلهم عن ثباتهم. ولا يزلزلهم عن الاستقامة في طريق الحقّ. اتّعاظاً بما يذكره لنا

 

 

الاعتزال عن المجتمع الظالم

 (وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ)([11])، الاعتزال هنا اعتزال المسار واعتزال المنهاج، وقد كان نهج التقيّة واضحاً فيهم، والتقيّة تعني البرنامج الأمني لأهل الحقّ لأن يحافظوا على أنفسهم في قِبال أهل الضلال، فسُنّة التقيّة هي سُنّة إخفاء، والمسايرة في الظاهر مع أهل الضلال، هذه سُنّة قرآنية يستعرضها لنا القرآن الكريم في أصحاب الكهف، وهو عبارة عن البرنامج الأمني للحفاظ على إيمانهم وثباتهم على الحقّ، فالتقيّة في الواقع على طرف النقيض مع النفاق، النفاق هو إضمار الباطل وإظهار الحقّ، وأمَّا التقيّة فهي إضمار الحقّ خوفاً من الظالمين والمفسدين والعتاة، وإظهار مسايرتهم ومداهنتهم مع ما عليه الظالمون من الباطل.

 

غائبين عن معرفة البشر

في أصحاب الكهف والرقيم أنَّ القرآن الكريم يستعرض لنا ظاهرة غيابهم وغيبتهم عن البشرية التي هي ليست غيبة زوال عن وجه الأرض، ولكن هي نوع من الغيبة كانت مدّتها مئات السنين ثلاثمائة. لأنَّه لم يحدّد لنا القرآن الكريم هنا العدد المرصود لغيبة أصحاب الكهف، هذه الظاهرة من غيبة أصحاب الكهف ثمّ بعث الله عز وجل لهم وإظهارهم للبشر، رغم وجود تلك الثلّة البشرية بين أيدي وظهراني المجتمع، ولم يزايلوا موقعهم من مواقع قريبة من مجتمعهم في الكهف الذي أووا إليه، لكن رغم ذلك كانوا غائبين عن معرفة البشر لهم وعن الشعور بهم.

التقيّة ودورها في الحفاظ على أولياء الله

 

الكاهلي: سمعت أبا عبد الله (× ) يقول: صلوا في مساجدهم واتبعوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وقولوا لقومكم ما يعرفون ولا تقولوا لهم مالا يعرفون، إنما كلفوكم من الأمر اليسير، فكيف لو كلفوكم ما كلف أصحاب الكهف قومهم، كلفوهم الشرك بالله العظيم، فأظهروا لهم الشرك وأسروا الإيمان، حتى جاءهم الفرج. وأنتم لاتكلفون هذا)([12]).

-قال أبو عبداللّه (× ):ما بغلت تقية أحد تقية أصحاب الكهف، إن كانوا يشهدون الأعياد، ويشدّون الزنانير، فأعطاهم اللّه أجرهم مرّتين. ([13]).

قد كان نهج التقيّة واضحاً فيهم، والتقيّة تعني البرنامج الأمني لأهل الحقّ لأن يحافظوا على أنفسهم في قِبال أهل الضلال، فسُنّة التقيّة هي سُنّة إخفاء، والمسايرة في الظاهر مع أهل الضلال، هذه سُنّة قرآنية يستعرضها لنا القرآن الكريم في أصحاب الكهف، وهو عبارة عن البرنامج الأمني للحفاظ على إيمانهم وثباتهم على الحقّ، فالتقيّة في الواقع على طرف النقيض مع النفاق، النفاق هو إضمار الباطل وإظهار الحقّ، وأمَّا التقيّة فهي إضمار الحقّ خوفاً من الظالمين والمفسدين والعتاة، وإظهار مسايرتهم ومداهنتهم مع ما عليه الظالمون من الباطل.

 

الهجرة من المجتمع الفاسد

مجموعة أهل الكهف-الذين كانوا على مستوى من العقل والصِّدق- أحسُّوا بالفساد وقرَّروا القيام ضدَّ هذا المجتمع، وفي حال عدم تمكُّنهم من المواجهة والتغيير فإنَّهم سيهجرون هذا المجتمع والمحيط الفاسد.

وهكذا اضطروا للهجرة لإنقاذ أنفسهم والحصول على محيط أكثر استعدادًا وقد تشاوروا فيما بينهم عن المكان الذي سيذهبون إليه ثمَّ كان قرارهم: ﴿...فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقً﴾.

 

كانوا شيوخا فسماهم الله فتية بإيمانهم

فتية في الكافي عن الصادق عليه السلام إنه قال لرجل ما الفتى عندكم فقال له الشاب فقال لا الفتى المؤمن إن أصحاب الكهف كانوا شيوخا فسماهم الله فتية بإيمانهم.

والعياشي عنه عليه السلام مثله إلا أنه قال كانوا كلهم كهولا وزاد من آمن بالله واتقى فهو الفتى آمنوا بربهم وزدنهم هدى بالتوفيق والتثبيت.

العناية الإلهية في الحفاظ على حجج الله

 وفيها تفاصيل مكث أصحاب الكهف في خفائهم، وكيف أنَّ الله عز وجل يبيّن ويهيّئ ويمكّن لهم من أسباب العيش مدّة طويلة في خفاء من شعور الناس وعدم معرفتهم بموضعهم، لماذا؟ ما هو المغزى وما هي الحكمة من هذه التفاصيل؟ ليبيّن الله عز وجل أنَّ تغيّب ثُلّة بشرية عن معرفة البشر وعن الشعور بهم، هذا من سنن الله الجارية، فإذا كان أهل الصلاح يغيّبهم الله عن الشعور البشري بهم، فكيف بك بالحجج المنصوبين من قبله ليكونوا في فسحة وأمان وسعة نشاط، وحيوية في الحركة من دون أن يحول بين قيامهم بالأدوار والمسؤولية، فالذي يحول بينهم وبين تلك الأدوار والمسؤولية هم قوى الظلم وقوى الظلام والشرّ، فهذا إذن أمر معهود في القرآن وهو سُنّة إلهية وليس بدعاً.

 

 

ظاهرة أصحاب الكهف ودورها في حفظ الدين

دأبت السُنّة الإلهية على إخفاء أولياء الله ومجموعاتهم المجهولة عدَّتُهم، هؤلاء الذين يخفي الله عز وجل عن شعور البشر أشخاصهم أو معرفة شخصياتهم ومعرفتهم بالهوية، تلك المجاميع والمجموعات البشرية التي تعدّ للقيام بمسؤوليات إلهية خفيّة في العدد والعدّة، فهذه سُنّة من الله عز وجل، ولا يوجب ذلك اللحود والإنكار والاستهزاء بسنن الله تعالى في أوليائه، لاسيّما المصلحين، وفي هذه الآية الكريمة تعبير رائع جدَّاً وذو مغزى عميق، حيث تقول الآية: (رَجْماً بِالْغَيْبِ)، أطلق عليهم القرآن الغيب، ممَّا يدلّل على أنَّ المراد من كلمة الغيب في استعمال القرآن.

تركوا الدنيا الملوثة الواسعة

هؤلاء الفتية الموحدون تركوا الدنيا الملوثة الواسعة والتي كان سجناً لأرواحهم وذهبوا إلى غارٍ مظلم جاف. وفعلهم هذا يشبه فعل النبي يوسف عليه السلام حين أصروا عليه أن يستسلم لشهوة امرأة العزيز الجميلة، وإلا فالسجن الموحش المظلم سيكون في انتظاره، لكن هذا الضغط زاد في صموده وقال متوجهاً إلى ربه العظيم: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ﴾.

 

إنَّ نوم أصحاب الكهف لم يكن نوماَ عادياً: ﴿...وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ...﴾ وهذا يدل على أن أجفانهم كانت مفتوحة بالضبط مثل الإنسان اليقظ، وقد تكون هذه الحالة الاستثنائية لكي لا تقترب منهم الحيوانات المؤذية التي تخاف الإنسان اليقظ. أو لكي يكون شكلهم مرعباً كي لا يتجرأ إنسان على الاقتراب منهم. وهذا بنفسه أسلوب للحفاظ.

 

 

وأن الأبواب غير مغلقة  وزراء أو راعياً، بل وحتى كلبه؟!

في صفٍ جديد يقول تعالى: ﴿...وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيد...﴾. برغم أن الآيات القرآنية لم تتحدث حتى الآن عن كلب أصحاب الكهف، إلاّ أن القرآن هنا يذكر تعابير خاصة تتضح من خلالها بعض المسائل، فمثلاً ذكر حالة كلب أصحاب الكهف يفيد أنّه كان معهم كلب يتبعهم أينما ذهبوا ويقوم بحراستهم. أمّا متى التحق هذا الكلب بهم، وهل كان كلب صيدهم، أو أنّه كلب ذلك الراعي الذي التقى بهم في منتصف الطريق، وعندما عرف حقيقتهم أرسل حيواناته إلى القرية والتحق بهم، لأنّه كان يبحث عن الحقيقة مثلهم وقد رفض هذا الكلب أن يتركهم واستمرّ معهم. ألا يعني هذا الكلام أن جميع المحبّين لأجل الوصول إلى الحق- يستطيعون سلوك هذا الطريق، وأن الأبواب غير مغلقة أمام أحد سواء كانوا وزراء عند الملك الظالم ثمّ تابوا، أو كان راعياً، بل وحتى كلبه؟! ألم يؤكّد القرآن أنّ جميع ذرات الوجود في الأرض والسماء، وجميع الأشجار والأحياء تذكر الله، وتحبّ الله في قلوبها وصميم وجودها؟

يحفظ الله المؤمنين بهذه الطريقة الجميلة والهادئة

((فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا))

يقول: كما أن للأمهات حناناً خاصاً في نوم أطفالهن، كذلك قمنا بمداعبة آذانهم ببطء حتى يناموا، كان نومهم نوماً هادئاً كما تضع الأم طفلها في النوم. يحفظ الله المؤمنين بهذه الطريقة الجميلة والهادئة، يحمي المؤمنين من شر أحداث الزمان حتى أنهم لا يدركون أن تاريخًا جديدًا قد ظهر.

إذا عشت حياة دينية فإن الكون في خدمتك

وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا

وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا

في عرض قصة هؤلاء الشباب، تريد سورة الكهف أن تقول إنك إذا عشت حياة دينية فإن الكون في خدمتك، إذا عشت حياة دينية فإن خالق الكون سيساعدك في أصعب الأمور. مواقف. وعند الفلاسفة: أن الخلق - أي نظام الوجود - لا يغفل عن التشريع - أي الاعتقاد والعمل. ليس الأمر كما لو كنت تستطيع العيش بشكل مريح في هذا العالم بأي معتقد، لأن هذا العالم هو مهد المعتقدات والأفعال الصحيحة. والحياة الصحيحة في الدنيا كالطفل تنمو وتنمو، والاعتقاد الخاطئ والعمل الكافر في الدنيا يصبح عقيماً. ومن الأمثلة على الحياة الصحيحة الحياة التوحيدية لأصحاب الكهف الذين تم إنقاذهم في أصعب الظروف، حيث كان احتمال الهلاك ظاهريا 100%. لأن الله ليس مجرد مراقب في مشهد حياة هؤلاء الناس، فهو يسيطر ويزيل إمكانية هلاكهم، حتى لو أرادهم في ذلك.

 

 

خلاصة رسالة الرسول d الى المنتظرين

التقية والتقوي وربط القلب بالتوحيد والهجرة الى الله الثبات على الإيمان والصمود وعدم الاستيحاش من القلة والغربة والاعتزال عن المجتمع الظالم والتوكل على الله عزوجل مقومات  وركائز في صحبة صاحب الزمان #


[1] / الدر المنثور: ج٤، ص٢١٥ وذكر الكوراني في المعجم الموضوعي و محمودبن مهدي الموسوي الده سرخي الاصفهاني في معجم الملاحم و الفتن وغيرهم .

[2] / تفسير العياشي 32: 2.

[3] / أصول الكافى / ج1/ص333.

[4] / شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٦ - الصفحة ٢٤٠.

[5] / سورة الكهف - الآية 14.

[6] / سورة الكهف - الآية 13.

[7] / نهج البلاغة: 442، الخطبة 199.

[8] / سورة البقرة - الآية 249.

[9] / الكهف: 21.

[10] / كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني - ج ١ - الصفحة ١٥٤.

[11] / سورة الكهف - الآية 16.

[12] / وفي الأصول الستة عشر / 114.

[13] / الكافي - الشيخ الكليني - ج ٢ - الصفحة ٢١٨.


تعليقات