رسالة امير المؤمنين عليه
السلام الى المنتظرين
((وأومأ بيده إلى صدره شوقا إلى رؤيته))
بحار الأنوار ج 51 ص 115
الحديث
الشريف
عن
سليمان بن هلال قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن الحسين بن علي عليهم
السلام قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: يا أمير المؤمنين
نبئنا بمهديكم هذا؟ فقال: إذا درج الدارجون، وقل المؤمنون، وذهب المجلبون، فهناك،
فقال: يا أمير المؤمنين عليك السلام ممن الرجل؟ فقال: من بني هاشم من ذروة طود
العرب وبحر مغيضها إذا وردت، ومجفو أهلها إذا أتت، ومعدن صوفتها إذا اكتدرت لا يجبن
إذا المنايا هلعت، ولا يحور إذا المؤمنون اكتنفت ولا ينكل إذا الكماة اصطرعت مشمر
مغلولب طفر ضرغامة حصد مخدش ذكر سيف من سيوف الله رأس قثم نشق رأسه في باذخ
السؤدد، وغارز مجده في أكرم المحتد، فلا يصرفنك عن تبعته صارف عارض ينوص إلى
الفتنة كل مناص إن قال فشر قائل وإن سكت فذو دعاير.
ثم
رجع إلى صفة المهدي عليه السلام فقال: أوسعكم كهفا، وأكثركم علما و أوصلكم رحما
اللهم فاجعل بيعته خروجا من الغمة واجمع به شمل الامة فأنى جاز لك فاعزم ولا تنثن
عنه إن وفقت له ولا تجيزن عنه إن هديت إليه هاه وأومأ بيده إلى صدره شوقا إلى
رؤيته([1]).
موضع الشاهد (وأومأ بيده إلى
صدره شوقا إلى رؤيته)
اقول في الرواية عبارات واشارات
وحقائق ودقائق تحتاج الى تخصص وفوق التخصص
المسألة الاولى :( (كلمة
((آه))))
(اه
وأومأ بيده إلى صدره شوقا إلى رؤيته)
(آه
)كلمة تقال باللسان في مقام الشوق، على أن أمير المؤمنين Aأبو الأئمة × وأبو الإمام صاحب الزمان #أيضا يتأوه ويقول:
"آه بأي قدر أنا مشتاق ومحب لرؤيته! "، هذه علامة المحب.
المحبون
للإمام صاحب الزمان #هكذا حالات لديهم، في حالة عدم الاستقرار لانتظار لقاء الإمام
ولي العصر #
لا
يشخصون الليل من النهار، والنهار من الليل! هذا وحده همهم وغمهم أن يصلوا إلى لقاء
الإمام صاحب الزمان #.
دعاء الندبة يعطي درساً في
الشوق
هكذا
يعلمنا الدعاء الشريف دعاء الندبة، من بداية الدعاء إلى نهايته، يعلمنا درس الشوق
والانجذاب للإمام وعدم الاستقرار بدون لقائه. يعطي درساً بأن:
{الْمُشْتَاقُ
لا يَشْتَهِي طَعَاماً، ولا يَلْتَذُّ بشرَاب، ... وَلا يَأوَي دَاراً، وَلا
يَسْكُنُ عِمْرَاناً، ...، ولا يَقِرُّ قَرَاراً} ([2]).
نقرأ
في دعاء الندبة:
{لَيْتَ
شِعْرِي أَيْنَ اسْتَقَرَّتْ بِكَ النَّوى!}.
يا
ليتني أعرف أين آخر مكان استقر بكم.
هل
هذه الكلمة: {لَيْتَ ...} بصرف الكلام وصرف التلفظ أو حكاية التألم والشوق القلبي
لفرد يقول أنا مشتاق؟!
أو
عندما نقول:
{عَزِيزٌ
عَلَيَّ أَنْ أَرَى الْخَلْقَ وَلا ترُى}. يا سيدي الحبيب! صعب عليّ أن أرى كل
الوجود وأرى كل الناس وأنت لا ترى بهذه العين!
هذا
درس الإمام جعفر الصادق عليه السلام في الشوق وعدم الاستقرار بدون
المحبوب.
يريد
منا الإمام جعفر الصادق عليه السلام أن نكون بالنسبة للإمام صاحب الزمان عليه
السلام هكذا، بل إن عاشق الإمام صاحب الزمان عليه السلام هكذا.
حقاً
إنه لعزيز وصعب على المنتظِر والناصر الحقيقي أن يرى العالَم بدون الإمام صاحب
الزمان عليه السلام مثل هذا العالم بالنسبة له سجن ليس بستاناً! وتكون الدنيا
بستاناً بالنسبة للإنسان عندما يرى صاحب البستان، ويكون بينه وبين صاحب البستان
لقاءات! انتهى كلامه اعلى الله مقامه.
المسألة الثانية :(إلى صدره)
لماذا أومأ بيده إلى صدره ونقول هنا في مقام الاجابة
على سبيل الاحتمال امور
الامر الاول:
لعله صلوات الله عليه يشير الى موضع
الشوق وهو القلب فان القلب هو المركز والمحور.
ومن هنا يقول الميرزا ملكي تبريزي
قدس سره
إن
جميع حركات الإنسان وسكناته الاختيارية منشأها عزمه وإرادته وحبه وبغضه واستشعار
السعادة والشقاوة، وبالجملة جميع حركات الأعضاء وسكناته ناشئة من أثر أحوال القلب.
وصفاته واحوال القلب أيضا منشأها إما ما يؤثر فيه من الظاهر من أعمال الجوارح لا
سيما الحواس أو من الباطن فالخيال والشهوة والغضب والأخلاق المركبة من مزاج
الانسان، فإنه إذا أدرك بحواسه شيئا حصل منه أثر في القلب إن خيرا فنور وصفاء، وإن
شرا فظلمة وكدر، وكذا إذا هاجت الشهوة مثلا بكثرة الأكل وبقوة المزاج فان لها أثرا
في القلب، وهذه الآثار تبقى وتؤثر في انتقال الخيال من شيء الى شيء، وبحسب
انتقالها ينتقل القلب من حال الى حال، والقلب دائما في التغير والتأثر مما يرد
عليه من آثار الأسباب المذكورة، وأخص الآثار الحاصلة فيه هي الخواطر، وأعني
بالخواطر ما يعرض فيه من الأخطار والأذكار، إما على سبيل التجدد أو التذكر، ومنها
يحصل الشوق والنفور، ومنها ينبعث إرادة الجلب والدفع، فان النية والارادة والعزم
انما تحصل بتأثير الخواطر، فمبدأ الأفعال الخواطر، وهي تحرك الرغبة، والرغبة تحرك
النية والعزم، والعزم يحرك العضلات، وهي تحرك الأعضاء، فيحصل منها الأفعال([3]).
الامر الثاني:
ولعله اراد ان يبث الشوق ويعبر عن
حبه حينما مر ذكره وهذا حال العاشق فكيف بأمير المؤمنين عليه السلام الذي هو امير
في كل شيء.
وهنا انقل لك قصة في غاية الروعة
فعن موسى بن مسلم، عن مسعدة قال: كنت
عند الصادق عليه السلام إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى متكئا على عصاه، فسلم فرد أبو
عبد الله عليه السلام الجواب، ثم قال: يا ابن رسول الله ناولني يدك اقبلها، فأعطاه
يده فقبلها، ثم بكى، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما يبكيك يا شيخ؟ قال: جعلت
فداك يا ابن رسول الله أقمت على قائمكم منذ مئة سنة أقول: هذا الشهر وهذه السنة،
وقد كبرت سني ودق عظمي واقترب أجلي، ولا أرى فيكم ما أحب أراكم مقتلين مشردين،
وأرى عدوكم يطيرون بالأجنحة، فكيف لا أبكي؟ فدمعت عينا أبي عبد الله عليه السلام
ثم قال: يا شيخ إن الله أبقاك حتى ترى قائمنا كنت معنا في السنام الاعلى، وإن حلت
بك المنية جئت يوم القيامة مع ثقل محمد صلى الله عليه واله ونحن ثقله، فقد قال صلى
الله عليه واله : إني مخلف فيكم الثقلين
فتمسكوا بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فقال الشيخ: لا ابالي بعد ما
سمعت هذا الخبر. ثم قال: يا شيخ اعلم أن قائمنا يخرج من صلب الحسن، والحسن يخرج من
صلب علي، وعلي يخرج من صلب محمد، ومحمد يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب ابني
هذا - وأشار إلى موسى عليه السلام - وهذا خرج من صلبي، ونحن اثنا عشر كلنا معصومون
مطهرون. فقال الشيخ: يا سيدي بعضكم أفضل من بعض؟ قال: لا نحن في الفضل سواء، ولكن
بعضنا أعلم من بعض، ثم قال عليه السلام: يا شيخ والله لو لم يبق من الدنيا إلا يوم
واحد لطول الله تعالى ذكره ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت، ألا إن شيعتنا
يقعون في فتنة وحيرة في غيبته، هناك يثبت الله على هداه المخلصين، اللهم أعنهم على
ذلك ([4]).
والقصة فيها شواهد كثير والتفاتات
ودروس في غاية الروعة وأعجب ما فيها لما نحن فيه فقال أبو عبد الله عليه السلام:
ما يبكيك يا شيخ؟
قال: جعلت فداك يا ابن رسول الله
أقمت على قائمكم منذ مئة سنة.
اقول الله أكبر (مئة سنة) وهو في
عالم الانتظار والترقب والمرابطة وكل هذا وهو يبكي مثل هذا يستحق ان يسمى حبا وشوقا.
وهو يقول:
أقول: هذا الشهر وهذه السنة، وقد
كبرت سني ودق عظمي واقترب أجلي.
انتظار متواصل لا انقطاع فيه يستوعب
يومه وليله وشهره وسنته لان عبادة الانتظار عبادة تستوعب حياة المنتظر في اعماله
وعبادته ويقظته ونومه نعم المنتظر حتى إذا اراد ان ينام ينام منتظرا لأمام زمانه،
بل حتى إذا مات الانسان لابد ان يكون منتظرا وهذا ما نقرئه في تعاليم اهل البيت
عليهم السلام
(اللهم فإن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على
عبادك حتما مقضيا فأخرجني من قبري مؤتزرا كفني شاهرا سيفي مجردا قناتي ملبيا دعوة
الداعي في الحاضر و البادي) ([5]).
يعني
ألهى انا في قبري منتظرا لأمام زماني انا برغم من ان الموت حال بيني وبين ظهوره
فانا نويت الانتظار وانا في قبري والاستعداد لنصرته.
ومن
جميل ما يذكر في حياة الشاعر عبود غفلة رحمة الله عليه
قل لصاحب الزمان انتظرته ولم يخرج
ينقل
الشاعر والرادود ابراهيم الشمرتي النجفي وهو حي يرزق الى الان مجاور لأمير المؤمنين عليه السلام: يقول حدثني الشاعر السيد عبد الحسين
الشرع وهو من اقرانه قال رحمة الله عليه بعث المرحوم عبود غفلة ولده رضوان اليه
قال ان ابي بعث عليك فقال الشرع ذهبت اليه ووجدته في مرضه الاخير فقال المرحوم
عبود غفلة يبن الشرع اريد ان اوصيك فقلت اوصني واذا به يخرج سيفا من تحت فراشه وهو
يقول قل لصاحب الزمان انتظرته ولم يخرج وهذا السيف قد اعددته لظهوره ثم سلمني
السيف وقال سلم السيف للأمام وجاهد معه
وبعد ايام من هذه الحادثة لبى نداء ربه فرحمة الله عليه([6]).
الامر
الثالث:
ولعله اراد الافصاح والاعلام للذين
ارتبطوا ان أفصحوا عما هو مكنون بداخلكم وكونوا دعاة لإظهار ذلك الشوق.
فعبادة الانتظار يجب الاجهار بها وقد
ذكرنا في (الكلمة الخامسة والخمسون) في الانتظار في كلمات العلماء بعنوان
الانتظار: الاجهار بالثقافة المهدوية
الانتظار هو أنَّ نجعل محور التبليغ والفضاء
الثقافي مملوءاً من اسم وذكر الإمام صاحب الزمان عجل الله فرجه والمسائل المرتبطة
بظهوره عجل الله فرجه.
لكن يا للأسف لم يحصل هذا، كلنا
غافلون عن حضرته عجل الله فرجه ولا نعمل في دولة الإمام صاحب الزمان عجل الله فرجه
بهذه الإمكانات العظيمة من أجله.
لا نتوجَّه حتى إلى كلام الإمام
الراحل رحمة الله عليه حيث يقول نريد أن نجعل كل أجهزة دولة الجمهورية الإسلامية
من أجل الاستعداد للقاء الإمام صاحب الزمان عجل الله فرجه: إِنَّ كُلَّ
الأَجهِزَةِ العَامِلَةِ الآنَ فِي دَولَتِنَا، وَأَرجُو أَنْ تَتَّسِعَ وتَشمَلَ
بَقِيَّةَ الدُّولِ الأُخرَى أَيضاً، لابُدَّ أَنْ تُوَجَّهَ لِهَذَا الأمِر
وَهُوَ أنْ يَستَعِدُّوا لأَجلِ لِقَاءِ الإمامِ المهدِيِّ سلامُ اللهِ عليهِ ([7]).
وهذه المسألة يجب الاجهار والاعلام
بها لأنها من الشعائر والشعائر لا تتقوم الا بالشعور والشعار بمعنى الاعلام
والظهور والانباء.
الامر الرابع:
ولعله صلوات الله عليه يريد ان يقول ههنا
الخزانة خزانة الحب والشوق والمعرفة فاطلبوها من محلها.
ففي
تحف العقول للحراني رحمة الله عليه
يقول
امانا الصادق صلوات الله عليه (يا ابن النعمان إن حبنا أهل البيت ينزله الله من
السماء من خزائن تحت العرش كخزائن الذهب والفضة ولا ينزله إلا بقدر ولا يعطيه إلا
خير الخلق وإن له غمامة كغمامة القطر، فإذا أراد الله أن يخص به من أحب من خلقه
أذن لتلك الغمامة فتهطلت كما تهطلت السحاب فتصيب الجنين في بطن امه) ([8]).
فالحب
ليس ادعاء والفاظ وانما حقيقة من أعظم الحقائق بها تتحرك الكائنات وتقبل وتدبر
ونتجاذب ونتعايش.
يقول
سماحة العلامة السيد محمّد القبانجي دامت بركاته
الحبّ
ليس كلمات تنمق ولا عبارات تزين ولا أحرفاً تكتب. الحب الحقيقي هو أن يحترق القلب
ثمّ يحترق حتّى يذوب في هوى محبوبه. الحب لا تسعه الكلمات ولا تحيط به
الحروف ولا تستوعبه العبارات، فهو احساس وشعور واحتراق وذبول وسهر الليل وفكر
النهار وشخوص البصر بانتظار رؤية الحبيب وذهاب الفكر سعياً لرضاه وخوض المخاطر في
سبيل لقياه.
الحب
هو حزن القلب وابتسامة الثغر، هو أنين الكتوم وصَرخة الموتور، الحب هو تتبع حركات
المحبوب وسكناته والأنس بألم الفراق على أمل اللقاء.
ما
أروع صورة الحب وهي تتجلى في زيارة (آل ياسين) حيث تلتهب عواطف المحب وتجيش لواعج
عشقه فيبعث بسلامه ليس إلى شخص الحبيب فحسب بل لكل سكناته ولحظات حياته وخفقات
قلبه، فتراه يقول: (السَّلامُ عَلَيْكَ فِي آنَاءِ لَيْلِكَ وَأَطْرَافِ نَهَارِكَ
... السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقُومُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْعُدُ،
السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْرَأُ وَتُبَيِّنُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ
تُصَلِّي وَتَقْنُتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ، السَّلامُ
عَلَيْكَ حِينَ تُهَلِّلُ وَتُكَبِّرُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَحْمَدُ
وَتَسْتَغْفِرُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تُصْبِحُ وَتُمْسِي، السَّلامُ عَلَيْكَ
فِي اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ... ).
نعم
هذا هو كنه الحب ومعدنه وأصله وفرعه ومبدأه ومنتهاه ([9]).
المسألة الثالثة: إظهار الشوق
إلى لقائه
وهنا
انقل لك كلمات اعلام الطائفة في هذه المسألة
يقول
الشيخ الاصفهاني H في
مكيال المكارم:
إظهار
الشوق إلى لقائه وهو من علامات أحبائه وأهل ولائه ولا ريب في رجحانه واستحبابه
لورود ذلك في الأدعية المروية لجنابه ونعم ما قيل:
قلبي إليك من الأشواق محترق * ودمع عيني من الآماق
مندفق
الشوق يحرقني والدمع يغرقني * فهل رأيت غريقا وهو
محترق
ويدل
على المقصود أن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام ) كان يظهر الشوق إلى رؤيته كما عرفت في الحديث
المروي عنه في وصف المهدي (عليه السلام ) في حرف العين المهملة حيث قال بعد أن بين جملة
من صفاته وعلاماته، وأمر ببيعته وإجابة دعوته " هاه " وأومي بيده إلى
صدره شوقا إلى رؤيته وقد مر الخبر بطوله في علمه صلوات الله عليه.
ويدل
على ما ذكرنا أيضا ما روى في البحار عن كتاب المزار الكبير بإسناده عن أحمد بن
إبراهيم قال: شكوت إلى أبي جعفر محمد بن عثمان شوقي إلى رؤية مولانا (عليه السلام)
فقال لي: مع الشوق تشتهي أن تراه؟ فقلت له: نعم فقال لي شكر الله لك شوقك وأراك
وجهه في يسر وعافية لا تلتمس يا أبا عبد الله أن تراه فإن أيام الغيبة تشتاق إليه
ولا تسأل الاجتماع معه إنه عزائم الله والتسليم لها أولى ولكن توجه إليه بالزيارة.
الخبر.
أقول:
حسن الشوق إليه أمر واضح لا سترة فيه لأن ذلك من لوازم المحبة التي لا تنفك عن
الأحبة وقوله: شكر الله لك شوقك، فيه إيماء إلى ما يترتب على ذلك من الثواب الجميل
كما يدل عليه قول الصادق عليه السلام في
الحديث الآتي مع ما فيه من التبجيل والتجليل.
وأما
قوله: لا تلتمس يا أبا عبد الله أن تراه (الخ) فالمراد رؤيته بنحو الأئمة السابقين
صلوات الله عليهم أجمعين يعني رؤيته في كل وقت يراد لنيل هذا المراد وأما طلب
رؤيته مطلقا فهو أمر غير ممنوع، بل هو من وظائف أهل العمل المشروع وفوزهم بذلك ليس
بنادر الوقوع.
ويشهد
لما دللنا عليه قوله: فإن أيام الغيبة تشتاق إليه، ولا تسأل الاجتماع معه إنه
عزائم الله الخ، إذ لو كان رؤيته والاجتماع معه ولو في بعض الأحيان من عزائم الله
في صاحب الزمان لم يتفق ذلك لأحد من أهل الإيمان وهذا مخالف للعيان لأن الروايات
والحكايات في الفائزين بهذا المرام من المؤمنين يوجب اليقين لأهل اليقين.
ثم
لا يخفى أن قوله: تشتاق إليه جملة خبرية في مقام الإنشاء مفادها الأمر بالشوق إليه
صلوات الله وسلامه عليه ([10]).
الى
اخر كلامه رحمة الله عليه.
اقول
ان الانسان مخلوق بحقيقته طالب للكمال من دون أدنى تأمل وهو غير محتاج للتعليم
والدرس في نفس الطلب والميل الوجداني الذاتي نعم يقع عنده الاشتباه في تحديد
الكمال ولهذا يحتاج التعليم والتذكير في تحديد المصداق.
يقول
اية الله السيد الخميني :
لا
بُدَّ أن تعرف بأن ما هو من أحكام الفطرة لا يمكن أن يختلف فيه اثنان، من ناحية
أنها من لوازم الوجود وقد تخمّرت في أصل الطبيعة والخلقة. فالجميع، من الجاهل
والمتوحش والمتحضر والمدني والبدوي، مجمعون على ذلك. وليس ثمّة منفذ للعادات
والمذاهب والطرق المختلفة للتسلّل إليها والإخلال بها. إن اختلاف البلاد والأهواء
والمأنوسات والآراء والعادات، التي توجب وتسبّب الخلاف والاختلاف في كل شيء، حتى
في الأحكام العقلية، ليس لها مثل هذا التأثير أبداً في الأمور الفطرية. كما أن
اختلاف الإدراك والإفهام قوة وضعفاً لا تؤثر فيها. وإذا لم يكن الشيء بتلك الكيفية
فليس من أحكام الفطرة ويجب إخراجه من فصيلة الأمور الفطرية. ولذلك تقول الآية:
{فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} أي أنها لا تختص بفئة خاصة ولا طائفة من الناس. ويقول
تعالى أيضاً: {لاَ تبديلَ لِخَلْقِ الله} أي لا يغيّره شيء، كما هو شأن الأمور
الأخرى التي تختلف بتأثير العادات وغيرها. الى ان يقول:
إنّها
«الفطرة التي تعشق الكمال». فأنت إن تجولت في جميع الأدوار التي مرّ بها الإنسان،
واستنطقت كل فرد من الأفراد، وكل طائفة من الطوائف، وكل ملّة من الملل، يجد هذا
العشق والحب قد جبل في طينته، فتجد قلبه متوجهاً نحو الكمال. بل إن ما يحدد
الإنسان ويدفعه في سكناته وتحركاته، وكل العناء والجهود المضنية التي يبذلها كل
فرد في مجال عمله وتخصصه، إنما هو نابع من حب الكمال، على الرغم من وجود منتهى
الخلاف بين الناس فيما يرونه من الكمال؟ وأين يوجد الحبيب ويشاهد المعشوق؟ فكلٌ يجد
معشوقه في شيء، ظاناً أن ذلك هو الكمال وكعبة الآمال، فيتخيله في أمر معيّن،
فيتوجه إليه، فيتفانى في سبيله تفاني العاشق. إن أهل الدنيا وزخارفها يحسبون
الكمال في الثروة، ويجدون معشوقهم فيها، فيبذلون من كل وجودهم الجهد والخدمة
الخالصة في سبيل تحصيلها فكل شخص، مهما يكن نوع عمله، ومهما يكن موضع حبه وتعشقه،
فإنه لاعتقاده بأن ذلك هم الكمال يتوجه نحوه. وهكذا حال أهل العلوم والصنائع، كلٌ
يرى الكمال في شيء ويعتقد أنه معشوقه، بينما يرى أهل الآخرة والذكر والفكر غير ذلك
...
وعليه،
فجميعهم يسعون نحو الكمال. فإذا ما تصوّره في شيءٍ موجود أو موهوم تعلّقوا به
وعشقوه. ولكن لا بُدَّ أن نعرف أنه على الرغم من هذا الذي قيل، فإن حب هؤلاء
وعشقهم ليس في الحقيقة لهذا الذي ظنوه بأنه معشوقهم، وإن ما توهّموه وتخيّلوه
ويبحثون عنه ليس هو كعبة آمالهم. إذ لو أن كل واحد منهم رجع إلى فطرته لوجد أن
قلبه في الوقت الذي يظهر العشق لشيءٍ مّا فإنه يتحوّل عن هذا المعشوق إلى غيره إذا
وجد الثاني أكمل من الأول، ثم إذا عثر على أكمل من الثاني، ترك الثاني وانتقل بحبه
إلى الأكمل منه، بل أن نيران عشقه لتزداد اشتعالاً حتى لا يعود قلبه يلقى برحاله
في أية درجة من الدرجات ولا يرضى بأي حد من الحدود مثلاً، إذا كنتَ تحب جمال
القدود ونضارة الوجوه، عثرت على ذلك عند من تراها كذلك، توجّه قلبك نحوها. فإذا
لاح لك جمالٌ أجمل، لا شك في أنك سوف تتوجه إلى الجميل الأجمل، أو أنك على الأقل
تطلب الاثنين معا، ومع ذلك لا تخمد نار الاشتياق عندك، ولسان حال فطرتك يقول: كيف
السبيل إليهما معا؟ ولكن الواقع هو أنك تطلب كل جميل تراه أجمل، بل قد تزداد
اشتياقا بالتخيل، فقد تتخيل أن هناك جميلاً أجمل من كل ما تراه بعينك، في مكان ما،
فيحلق قلبك طائراً إلى بلد الحبيب، ولسان حالك يقول: أنا بين الجمع وقلبي في مكان آخر.
وقد تعشق ما تتمنى ([11]).
واخيرا
ان الامير صلوات الله عليه يقول كمالكم ايها البشر احدده لكم واعينه فلتشتبهوا
وتزيغوا عنه فهي رسالة واضحة لا تحتاج إلى أدني تأمل.
فمن
منا لا يطلب في قرارة نفسه اوسع اكفها وأكثر علما واوصل رحما يقول ابو الحسن صلوات
عليه كمالكم هو المهدي عجل الله فرجه.
((أوسعكم
كهفا، وأكثر كم علما، وأوصلكم رحما، اللهم فاجعل بعثه خروجا من الغمة، واجمع به
شمل الامة ([12]).))
(اللهم
فثبتني على دينك واستعملني بطاعتك و لين قلبي لولي أمرك و عافني مما امتحنت به
خلقك و ثبتني على طاعة ولي أمرك) ([13]).
[1]/بحار الأنوار ج 51 ص 115.
[2]/ تفسير نور الثقلين، ج3، ص388.
[3])) مشكاة العارفين ص 85
[4]/ بحار الانوار ج 36 ص 408.
[5]/ دعاء العهد.
[6]/ مصابيح الانوار في طريق الانتظار ص 103.
[7]/
الانتظار في كلمات العلماء ص 53.
[8]/ تحف العقول ص 313.
[9]/ثقافة الانتظار ص 7.
[10]/ مكيال المكارم ج 2 ص 188.
[11]/ الاربعون
حديثا ص 222 .
[12]/ بحار الأنوار ج 51 ص 115.
[13]/ مصباح
المتهجد ص 412.
تعليقات
إرسال تعليق