السبب الرابع: المظلومية
الكبرى
روي أن
الحسين × دخل على أخيه الحسن × في مرضه الذي استشهد فيه فلما رأى ما به بكى،
فقال له الحسن × ما يبكيك يا أبا عبد
الله؟ فقال: أبكي لما صنع بك فقال الحسن × إن الذي أوتي إلى سم أقتل به ولكن لا يوم كيومك
يا أبا عبد الله وقد ازدلف إليك ثلاثون ألفا يدعون الإسلام فيجتمعون على قتلك وسفك
دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك، فعندها تحل ببني أمية اللعنة
وتمطر السماء رمادا ودما، ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في
البحار ([1]).
وفي الزيارة:
السلام عليك يا ابن رسول الله وابن أمين الله وابن خالصة الله، السلام عليك يا أبا
عبد الله إنا لله وإنا إليه راجعون، ما أعظم مصيبتك عند أبيك رسول الله وما أعظم
مصيبتك عند من عرف الله عز وجل، وأجل مصيبتك عند الملاء الأعلى، وعند أنبياء الله
وعند رسل الله السلام مني إليك والتحية مع عظيم الرزية، كنت نورا في الأصلاب
الشامخة، و نورا " في ظلمات الأرض، ونورا " في الهواء، ونورا " في
السماوات العلى، كنت فيها نورا " ساطعا " لا يطفى، وأنت الناطق بالهدى ([2]).
ان
الامام الحسين × امتاز عن بقية الخلق بالمظلومية الكبرى والعظمى ولهذا اقترن ذكره
بالحزن والبكاء ولهذا ذكره يكسر القلب ويجري الدموع وقد تقدم في حديث بكاء النبي
ادم × على مصيبة الامام الحسين × (يا أخي جَبرَئيلُ! في ذِکرِ الخامِسِ يَنکَسِرُ
قَلبي،و تَسيلُ عَبرَتي!
قالَ
جَبرَئيلُ: وَلَدُکَ هذا يُصابُ بِمُصيبَهٍ تَصغُرُ عِندَهَا المَصائِبُ.
فَقالَ:يا
أخي! و ما هِيَ؟ قالَ:يُقتَلُ عَطشاناً غَريباً وَحيداً فَريداً، لَيسَ لَهُ
ناصِرٌ و لا مُعينٌ، ولَو تَراهُ -يا آدَمُ -و هُوَ يَقولُ: وا عَطَشاه! وا
قِلَّهَ ناصِراه! حَتّي يَحولَ العَطَشُ بَينَهُ وبَينَ السَّماءِ کَالدُّخانِ،
فَلَم يُجِبهُ أحَدٌ إلّابِالسُّيوفِ، وشُربِ الحُتوفِ، فَيُذبَحُ ذَبحَ الشّاهِ
مِن قَفاهُ، ويَنهَبُ رَحلَهُ أعداؤُهُ، وتُشهَرُ رُؤوسُهُم هُوَ وأنصارُهُ فِي
البُلدانِ، ومَعَهُمُ النِّسوانُ،کَذلِکَ سَبَقَ في عِلمِ الواحِدِ المَنّانِ! فَبَکي
آدَمُ وجَبرَئيلُ عليهما السلام بُکاءَ الثَّکلي([3]).
السبب الخامس: للتعريف بعظمة
هذا الناهض الكريم
لقد كان
حديث مقتل الحسين (× ) من أسرار الخليقة وودائع النبوات، فكان هذا النبأ العظيم
مألكةَ أفواه النبيين، دائرة بين أشداق الوصيين وحملة الأسرار؛ ليعرفهم المولى
سبحانه وتعالى عظمة هذا الناهض الكريم، ومنّته على
الجميع بحفظ الشريعة الخاتمة التي جاؤوا لتمهيد أمرها، وتوطيد الطريق إليها،
وتمرين النفوس لها. فيثيبهم بحزنهم واستيائهم؛ لتلك الفاجعة المؤلمة! فبكاه آدم
والخليل وموسى، ولعن عيسى قاتله، وأمر بني اسرائيل بلعنه، وقال: «مَن أدرك أيامه،
فليقاتل معه، فإنه كالشهيد مع الأنبياء، مقبلاً غير مدبر. وكأني أنظر إلى بقعته،
وما من نبيٍّ إلاوشاء إسماعيل ـ صادق الوعد ـ الأسوة به؛ لمّا انُبأَ بشهادته،
فيكون الآخذ بثأره الإمامُ المنتظر عجل الله فرجه.
السبب السادس: النصرة
والمشاركة
كلّ أحد
بالطبع يأخذ بيد المظلوم ومن الاُمور الطبيعيّة المؤيّدة لفرقة الشيعة في تأثير
القلوب سائر الفرق هو: إظهار مظلوميّة أكابر دينهم، وهذا التأثير من الاُمور
الفطريّة؛ لأنّ كلّ أحد بالطبع يأخذ بيد المظلوم، ويحب نصرته على القوي، والطبائع
البشريّة أميل إلى المظلوم وهؤلاء مصنفوا أوروبا، الذين ذكروا في كتبهم تفصيل
مقاتلة الحسين وأصحابه وقتله، مع أنّهم لا يعتقدون بهم، يذعنون بالمظلوميّة لهم،
ويعترفون بظلم وتعدّي قاتليهم وعدم رحمتهم، ولا يذكرون أسماءهم إلّا مشمئزين، وهذه
الاُمور الطبيعيّة لا يقف أمامها شيء، وهذا السرّ من المؤيدات الطبيعيّة لبكاء على
الامام الحسين × في كل الاعصار والامصار ويعد نصرة له ؛ فإنّ النصرة في كلّ وقت
بحسبه .
وعلى هذا
فان البكاء نصرة للأمام الحسين × فهو رفض لأفعال الظالم وما ارتكب بحق المظلوم ولهذا
تجد في دعاء الندبة تصريح ان البكاء نصرة
وعدم البكاء خذلان ((عزيزي علي أن ابكيَك و يخذلك الورى)).
يقول
السيد الخمينيّ قد سره: "إنّهم لا يدركون أنّ هذه المجالس وهذا البكاء يهذّب
ويصنع الإنسان الصالح! إنّ مجالس العزاء هذه لسيّد الشهداء × إنّما هي إعلام ضدّ
الظلم والطاغوت"([4]).
تعليقات
إرسال تعليق