مصائب
الامام محمد الجواد عليه السلام
يقتل
غصبا، فيبكي له و عليه أهل السماء
عن كليم بن عمران قال: قلت للرضا
عليه السلام: ادع الله أن يرزقك ولدا، فقال: إنما ارزق ولدا واحدا وهو يرثني فلما
ولد أبو جعفر عليه السلام قال الرضا عليه السلام لاصحابه: قد ولد لي شبيه موسى بن
عمران، فالق البحار، وشبيه عيسى بن مريم قدست ام ولدته، قد خلقت طاهرة مطهرة، ثم
قال الرضا عليه السلام: يقتل غصبا فيبكي له وعليه أهل السماء، ويغضب الله تعالى
على عدوه وظالمه، فلا يلبث إلا يسيرا حتى يعجل الله به إلى عذابه الاليم وعقابه
الشديد، وكان طول ليلته يناغيه في مهده. بيان: قال الجوهري: المرأة تناغي الصبي أي
تلكمه بما يعجبه ويسره ([1]).
الفرج له معنى كلّى و هو من الانفراج
أى الانكشاف،
فرج: أصل صحيح يدلّ على تفتّح في
الشي ء، من ذلك الفرجة في الحائط و غيره فرّج اللَّه غمّك تفريجا، و كذلك فرّج
اللَّه غمَّك يفرج، أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو حصول مطلق انفراج بين
الشيئين، في مادّىّ أو معنوىّ، و سبق في موادّ- الفتح، و الفتق، و الفجّ، و الفجر،
و الفجور:
امتياز كلّ منها.
عن الحسين بن يسار الواسطي، قال:
سئلني الحسين بن قياما الصيرفي، وكذا في إثبات الوصية، ونوادر المعجزات.
إمام ؟ قال: نعم ! قال: إني أشهد
الله أنك لست بإمام ! قال: فنكت × في
الأرض طويلا منكس الرأس، ثم رفع رأسه إليه، فقال له: ما علمك أني لست بإمام ؟ قال له: إنا قد روينا عن أبي
عبد الله × : إن الأمام لا يكون عقيما، وأنت قد بلغت السن، وليس لك ولد. قال: فنكس
رأسه أطول من المرة الأولى، ثم رفع رأسه، فقال: إني أشهد الله أنه لا تمضي الأيام
والليالي حتى يرزقني الله ولدا مني ([2]).
قال عبد الرحمان بن أبي نجران:
فعددنا الشهور من الوقت الذي قال، فوهب الله له أبا جعفر عليه السلام في أقل من
سنة. قال: وكان الحسين بن قياما هذا واقفا في الطواف، فنظر إليه أبو الحسن الأول
عليه السلام فقال: مالك حيرك الله تعالى ؟ ! فوقف عليه بعد الدعوة ([3]).
عن أبي محمد الحسن بن علي (، قال:
كان أبو جعفر شديد الأُدمة (حائل اللون) ولقد قال فيه الشاكّون المرتابون - وسنّه
خمسة وعشرون شهراً -: إنّه ليس هو من ولد الرضا (.
وقالوا لعنهم اللّه: إنّه من شُنيف
الأسود مولاه، وقالوا: من لؤلؤ؛ وإنّهم، أخذوه، والرضا عند المأمون، فحملوه إلى
القافة، وهو طفل بمكّة في مجمع من الناس بالمسجد الحرام، فعرضوه عليهم، فلمّا
نظروا إليه، وزرقوه بأعينهم، خرّوا لوجوههم سجّداً، ثمّ قاموا.
فقالوا لهم: يا ويحكم! مثل هذا
الكوكب الدرّي، والنور المنير، يعرض على أمثالنا، وهذا واللّه، الحسب الزكي،
والنسب المهذّب الطاهر، واللّه ما تردّد إلّا في أصلاب زاكية، وأرحام طاهرة،
وواللّه ما هو إلّا من ذرّيّة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب، ورسول اللّه، فارجعوا
واستقيلوا اللّه، واستغفروه، ولاتشكّوا في مثله.
وكان في ذلك الوقت سنّه خمسة وعشرين
شهراً؛ فنطق بلسان أرهف من السيف، وأفصح من الفصاحة، يقول:
الحمد للّه الذي خلقنا من نوره بيده،
واصطفانا من بريّته، وجعلنا أُمناءه على خلقه ووحيه. معاشر الناس! أنا محمد بن علي
الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ابن محمد الباقر بن علي سيّد العابدين بن
الحسين الشهيد بن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب، وابن فاطمة الزهراء، وابن محمد
المصطفى. ففي مثلي يشكّ، وعليّ وعلى أبوىّ يفترى، وأُعرض على القافة!؟
وقال: واللّه! إنّني لأعلم بأنسابهم
من آبائهم، إنّي واللّه لأعلم بواطنهم وظواهرهم، وإنّي لأعلم بهم أجمعين، وما هم
إليه صائرون، أقوله حقّاً، واُظهره صدقاً، علماً ورّثناه اللّه قبل الخلق أجمعين،
وبعد بناء السماوات والأرضين ([4]).
قال الفقهاء في الفتوى :لايجوز العمل
بالقافة حرام فعله والاعتماد عليه
فيما
صنع بأمّي فاطمة (عليها السلام )
البحار روى عن زكريا بن آدم قال:
إنّي لعند الرضا (عليه السلام ) إذ جيئ بأبي جعفر (عليه السلام ) وسنّه أقل من أربع سنين، فضرب بيده
إلى الأرض ورفع رأسه إلى السماء وأطال الفكر. فقال له الرضا (عليه السلام ): بنفسي فلم طال
فكرك؟ فقال: فيما صنع بأمّي فاطمة (عليها السلام )، أما والله لأخرجنّهما ثمّ لأحرقنّهما ثمّ
لأذرّنّهما ثمّ لأنسفنّهما في أليم نسفاً. فاسندناه وقبّل بين عينيه ثمّ قال: بأبي
أنت وأمّي، أنت لها ; يعني الإمامة([5]).
وعلق البعض: فإذا كان إمامنا الجواد
(عليه السلام ) يتفكر ويتذكّر مصائب جدّته فاطمة (عليها السلام ) ويبكي ويرتعش ويتحسّر ويحزن إذاً ما حال
أميرالمؤمنين (× ) يوم نظر إلى وجه فاطمة (عليها السلام) فرأى أثر اللطم على خدّها ولمّا
وضعها على المغتسل وجد ضلعها مكسوراً.
وبكسر ذاك الضلع رضّت أضلع***في
طيّها سرّ الإله مصون
لولا سقوط جنين فاطمة لما***أردى لها
في كربلاء جنين
واختلف الناس في جميع الامصار،
واجتمع الريان بن الصلت، وصفوان بن يحيى، ومحمد بن حكيم، وعبد الرحمان بن الحجاج،
ويونس بن عبد الرحمان، وجماعة من وجوه العصابة في دار عبد الرحمان بن الحجاج، في
بركة زلزل ، يبكون ويتوجعون من المصيبة. فقال لهم يونس: دعوا البكاء، من لهذا
الأمر يفتي بالمسائل إلى أن يكبر هذا الصبي ؟ يعني أبا جعفر × وكان له ست سنين وشهور. ثم قال: أنا ومن مثلي !
فقام إليه الريان بن الصلت، فوضع يده في حلقه، ولم يزل يلطم وجهه ويضرب رأسه، ثم
قال له: يا ابن الفاعلة ! إن كان أمر من الله جل وعلا، فابن يومين مثل ابن مائة
سنة، وإن لم يكن من عند الله فلو عمر الواحد من الناس خمسة آلاف سنة ما كان يأتي
بمثل ما يأتي به السادة عليهم السلام أو ببعضه، أو هذا مما ينبغي أن ينظر فيه ؟
وأقبلت العصابة على يونس تعذله. وقرب الحج، واجتمع من فقهاء بغداد والأمصار
وعلمائهم ثمانون رجلا، وخرجوا إلى المدينة، وأتوا دار أبي عبد الله × ، فدخلوها،
وبسط لهم بساط حمر، وخرج إليهم عبد الله بن موسى، فجلس في صدر المجلس، وقام مناد
فنادى: هذا ابن رسول الله | ، فمن أراد السؤال، فليسأل. فقام إليه رجل من القوم
فقال له: ما تقول في رجل قال لأمرأته: أنت طالق عدد نجوم السماء ؟ قال: طلقت ثلاث
دون الجوزاء. فورد على الشيعة ما زاد في غمهم وحزنهم. ثم قام إليه رجل آخر فقال:
ما تقول في رجل أتى بهيمة ؟ قال: تقطع يده، ويجلد مائة جلدة، وينفى. فضج الناس
بالبكاء. وكان قد اجتمع فقهاء الأمصار. فهم في ذلك إذ فتح باب من صدر المجلس، وخرج
موفق. ثم خرج أبو جعفر × ، وعليه قميصان، وإزار، وعمامة بذؤابتين، إحداهما من
قدام، والاخرى من خلف، ونعل بقبالين، فجلس وأمسك الناس كلهم، ثم قام إليه صاحب
المسألة الاولى، فقال: يا ابن رسول الله ! ما تقول فيمن قال لامرأته: أنت طالق عدد
نجوم السماء ؟) فقال له: يا هذا ! اقرأ كتاب الله، قال الله تبارك وتعالى: (الطلاق
مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. في الثالثة. قال: فإن عمك أفتاني. بكيت وكيت
! ! فقال له: يا عم ! اتق الله، ولاتفت وفي الأمة من هو أعلم منك. فقال إليه صاحب
المسألة الثانية، فقال له: يا ابن رسول الله ! ما تقول في رجل أتى بهيمة ؟) فقال:
يعزر ويحمى ظهر البهيمة، وتخرج من البلد، لا يبقى على الرجل عارها. فقال: إن عمك
أفتاني. بكيت وكيت. فالتفت وقال بأعلى صوته: لا إله إلا الله، يا عبد الله ! إنه
عظيم عند الله أن تقف غدا بين يدي الله، فيقول لك: لم أفتيت عبادي بما لاتعلم، وفي
الأمة من هو أعلم منك ؟ !) فقال له عبد الله بن موسى: رأيت أخي الرضا عليه السلام وقد أجاب في هذه المسألة بهذا الجواب. فقال له
أبو جعفرعليه السلام : إنما سئل الرضا عليه السلام عن نباش
نبش قبر امرأة ففجر بها، وأخذ ثيابها، فأمر بقطعه للسرقة، وجلده للزنا، ونفيه
للمثلة. ففرح القوم ([6]).
تعبيرا عن آلامه النفسيّه التي کان ×
يتحمّلها بسببه، و تجسيدا لما کان يلاقيه
و يراه منه.
أنّ قبوله × الزواج من ابنه المأمون کان کقبول والده × - من
قبل- ولايه العهد صوريّا، و کان بإرادته جلّ و علا و من ألطافه ذلک أنّ جذور
الرساله المحمّديّه الّتي أرساها آباؤه و أجداده الميامين ^ و الّتي أثمرت فيما
بعد عن المدرسه الباقريّه و الجعفريّه الکبري، کانت قد تعرّضت و کذا أتباعها و
مريدوها إلي العديد من الضغوطات و التهديدات من قبل الحکّام الامويّين، و الّتي
بلغت ذروتها أيّام الحکم الهاروني، حيث اودع الإمام الکاظم عليه السلام غياهب
السجون؛ إلّا أنّ دخول الإمام الرضا × أروقه قصر الخلافه، و نفوذ کلمته بتنصيبه-
مکرها- وليّا للعهد مع علمه × بشهادته قبل
وفاه المأمون ؛و کذلک مصاهره ابنه الجواد عليه السلام للخليفه ساعدا علي ازدهار
هذه المدرسه، و انتعاش حال أتباعها و تلاميذها أيّام إمامتيهما ^ .
أم الفضل: بنت المأمون العباسي و
زوجة الامام الجواد (عليه السلام) تلك الزوجة المشؤومة، تلك المرأة المعقدة بالعقدة
النفسية، لأنها لم تنجب طفلا للامام الجواد. و كان من ألطاف الله تعالي أن هذه
المرأة ما انجبت من الامام الجواد، لأن الله عزوجل لم ير فيها المؤهلات لتكون اما
للامام فتفوز بسعادة الدنيا و الآخرة. انها كانت تتوقع أن يبقي الامام الجواد معها
مقطوع النسل، محروما عن الذرية كرامة لعدائها و مشاغباتها ضده (× ). ان كانت أم
الفضل لا تفهم القيم و المعنويات، و لا يهمها الا عواطفها فقط فان الامام الجواد (عليه السلانم ) يجب ان يحافظ علي نسله، و لا يكتفي بالمرأة العقيم العاقر. يجب علي الامام أن
يتزوج امرأة اخري كي لا ينقطع حبل الامامة، و هو يعلم أن ثلاثة من ائمة الهدي سيكونون
من نسله، آخرهم الامام المهدي صاحب الزمان (عجل الله فرجه ). فاذا كانت أم الفضل تنزعج من زواج
الامام الجواد بامرأة اخري فليكن، فليس هذا مهما أمام ذلك الهدف العظيم الأسمي.
فقد تزوج الامام الجواد (عليه السلام ) بامرأة اخري، و
بعبارة اخري: اشتري جارية مغربية اسمها سمانة، و هي السيدة التي أنجبت للامام
الجواد اولادا و بنات، فثارت في أم الفضل رذيلة الحقد و الحسد. و كانت تشكو الامام
الجواد (عليه السلام) الي أبيها المأمون بسبب زواجه أو شرائه الجارية، و كان المأمون لا
يبالي بكلامها، و لم يعبأ بقولها، لأن قصور المأمون كانت حافلة بالجواري، و كان
يقضي أكثر أوقاته معهن.
أنواع
الانحرافات والآفات الاجتماعية المتعدِّدة
مَنْ منّا لم يعتصر قلبه الألم وهو
يشاهد أنواع الانحرافات والآفات الاجتماعية المتعدِّدة، حيث إنَّ المرحلة الراهنة
تشهد ما يلي:- الضياع الأخلاقي وضعف العواطف والمشاعر الأُسرية بشكل يتجاوز حدود
الوصف.
أما صفات المعتصم ونزعاته التي عُرِف
بها فهي كما يلي:
وكان من صفات المعتصم الحماقة، وقد
وصفه المؤرّخون بأنّه إذا غضب لا يبالي من قتل ولا ما فعل وهذا منتهى الحمق الذي
هو من أرذل نزعات الإنسان.
وكان المعتصم يكره العلم، ويبغض
حملته، وقد كان معه غلام يقرأ معه في الكتاب، فتوفّي الغلام فقال له الرشيد: يا
محمد مات غلامك قال: نعم يا سيدي واستراح من الكتاب، فقال له الرشيد: وان الكتاب
ليبلغ منك هذا دعوه لا تعلّموه.
وبقي أمّياً، وحينما ولي الخلافة كان
لا يقرأ ولا يكتب، وكان له وزير عامّي، وقد وصفه أحمد بن عامر بقوله:(خليفة أمّي
ووزير عامّي).
لقد كان عارياً من العلم، والفضل،
وعارياً من كل صفة شريفة يستحق بها منصب الخلافة في الإسلام التي هي أخطر منصب
يناط به إقامة الحق والعدل بين الناس، هذه بعض الصفات الماثلة فيه.
وكان المعتصم شديد الكراهية والبغض
للعرب وقد بالغ في إذلالهم والاستهانة بهم فقد أخرجهم من الديوان وأسقط أسماءهم،
ومنعهم العطاء كما منعهم الولايات.
كان المعتصم يكنّ في أعماق نفسه خالص الولاء
والحب للأتراك، فقد أخذ يستعين بهم في بناء دولته، ويعود السبب في ذلك إلى أن أمه
(ماردة) كانت تركية فكان يحكي الأتراك في طباعهم ونزعاتهم، وقد بعث في طلبهم من
فرغانة، واشروسنة واستكثر منهم(5) وقد بلغ عددهم في عهده سبعين ألفاً، وقد حرص
المعتصم على أن تبقى دماؤهم متميزة فجلب لهم نساءً من جنسهم فزوجهم بهن، ومنعهم من
الزواج بغيرهن وقد ألبسهم أنواع الديباج، والمناطق الذهبية وقد أسند لهم قيادة الجيش، وجعل لهم مراكز في
مجال السياسة والحرب وحرم العرب ممّا كان لهم من قيادة الجيوش، وقد آثرهم على
الفرس والعرب في كلّ شيء.
وقد أساء الأتراك إلى المواطنين
فكانوا يسيرون في شوارع بغداد راكبين خيولهم دون أن يعبأوا بالمارّة فكانوا يسحقون
الشيخ والمرأة والطفل وقد ضجّت بغداد من اعتدائهم وعدم مبالاتهم.
وقد وصف دعبل الخزاعي مدى تسلّط
الأتراك على المعتصم وبنوع خاصّ وصيف واشناس التركيّين يقول:
لقد ضاع أمر الناس إذ ساس
ملكهم***وصيف واشناس وقد عظم الكرب
وذكر دعبل أنّ المعتصم عهد بوزارته
إلى الفضل بن مروان وكان نصرانيّاً في الأصل قال:
وفضل بن مروان سيثلم ثلمة***يظلّ لها
الإسلام ليس لها شعب
المعتصم
مع الإمام الجواد عليه السلام
وأترعت نفس المعتصم بالحقد والكراهية
للإمام الجواد (عليه السلام) فكان يتميّز من الغيظ حينما يسمع بفضائل الإمام ومآثره، وقد
دفعه حسده له أن قدم على اغتياله كما سنتحدّث عن ذلك.
إشخاص الإمام إلى بغداد:
وأشخص المعتصم الإمام الجواد عليه السلام إلى
بغداد فورد إليها لليلتين بقيتا من المحرم سنة (220 هـ).
وقد فرض عليه الإقامة الجبرية فيها
ليكون على علم بجميع شؤونه وأحواله كما فرض عليه في نفس الوقت الرقابة الشديدة،
وحجبه من الاتصال بشيعته، والقائلين بإمامته.
الوشاية بالإمام الجواد (عليه السلام ) من أبي
داود السجستاني الذي كان من أعلام ذلك العصر، أمّا السبب في ذلك فيعود إلى حسده
للإمام (عليه السلام).
والحسد داء خبيث ألقى الناس في شرّ
عظيم، لقد حقد أبو داود على الإمام كأشدّ ما يكون الحقد وذلك حينما أخذ المعتصم
برأيه في مسألة فقهية وترك بقية آراء الفقهاء، فتميّز أبو داود غيظاً وغضباً على
الإمام (عليه السلام)، وسعى إلى الوشاية به، وتدبير الحيلة في قتله، وبيان ذلك ما رواه
زرقان الصديق الحميم لأبي داود قال: إنّه رجع من عند المعتصم وهو مغتمّ، فقلت له:
في ذلك.. قال: إنّ سارقاً أقرّ على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ
عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه، وقد أحضر محمد بن عليّ (عليه السلام ) فسألنا عن القطع في
أي موضع يجب أن يقطع؟ فقلت: من الكرسوع لقول الله في التيمّم: (فامسحوا بوجوهكم
وأيديكم) واتّفق معي على ذلك قوم، وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق، قال: وما
الدليل على ذلك؟ قالوا: لأنّ الله قال: (وأيديكم إلى المرافق) قال: فالتفت إلى
محمد بن علي (عليه السلام) فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ قال: قد تكلّم القوم فيه يا
أمير المؤمنين قال: دعني ممّا تكلّموا به، أي شيء عندك؟ قال: اعفني عن هذا يا أمير
المؤمنين، قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرتني بما عندك فيه، فقال: إذا أقسمت عليّ
بالله إنّي أقول: إنّهم أخطأوا فيه السنّة، فإنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أصول
الأصابع فيترك الكفّ، قال: لِمَ؟ قال: لقول رسول الله (| ): السجود على سبعة
أعضاء: الوجه واليدين والركبتين والرجلين فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم
يبق له يد يسجد عليها، وقال الله تبارك وتعالى: (وإنّ المساجد لله) يعني به هذه
الأعضاء السبعة التي يسجد عليها (فلا تدعوا مع الله أحداً) وما كان لله لم يقطع،
قال: فأعجب المعتصم ذلكفأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكفّ.
قال زرقان: إنّ أبا داود قال: صرت
إلى المعتصم بعد ثالثة فقلت: إنّ نصيحة أمير المؤمنين عليّ واجبة، وأنا أكلّمه بما
أعلم إنّي أدخل به النار قال: ما هو؟ قلت: إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء
رعيّته وعلماءهم لأمر واقع من أمور الدين فسألهم عن الحكم فيه، فأخبروه بما عندهم
من الحكم في ذلك.
وقد حضر المجلس أهل بيته وقوّاده
ووزرائه، وكتّابه، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثمّ يترك أقاويلهم كلّهم،
لقول رجل: يقول شطر هذه الأمّة بإمامته، ويدّعون أنّه أولى منه بمقامه، ثمّ يحكم
بحكمه دون حكم الفقهاء.
قال: فتغيّر لونه، وانتبه لما نبّهته
له، وقال: جزاك الله عن نصيحتك خيراً..)([7]).
عن [محمد] بن أورمة قال: إن المعتصم
دعا جماعة من وزرائه وقال: اشهدوا لي على محمد بن علي بن موسى الرضا زورا واكتبوا
بأنه أراد أن يخرج. ثم دعاه فقال: إنك أردت أن تخرج علي. فقال: والله ما فعلت شيئا
من ذلك . قال: إن فلانا وفلانا شهدوا عليك. وأحضروا، فقالوا: نعم، هذه الكتب
أخذناها من بعض غلمانك. قال: وكان جالسا في [بهو] فرفع أبو جعفر (× ) يده وقال:
اللهم إن كانوا كذبوا علي فخذهم . قال: فنظرنا إلى ذلك البهو يرجف ويذهب ويجئ،
وكلما قام واحد وقع، فقال المعتصم: يا بن رسول الله، تبت مما قلت، فادع ربك أن يسكنه.
فقال: اللهم سكنه وإنك تعلم بأنهم أعداؤك وأعدائي ، فسكن ([8]).
حتى
قطعته قطعة قطعة ثمّ وضعت سيفك على حلقه فذبحته
فبينما نحن نتذاكر فضل محمّد وكرمه
وما أعطاه الله من العلم والحكمة إذ قالت امرأته أمّ الفضل: يا حكيمة! أخبرك عن
أبي جعفر بن الرضا بأعجوبة لم يسمع أحد بمثلها. قلت: وما ذاك؟ قالت: إنّه كان
ربّما آغارني مرّة بجارية ومرّة بتزويج، فكنت أشكوه إلى المأمون، فيقول لي: يا
بنيّة احتملي فإنّه ابن رسول الله، فبينا أنا ذات ليلة جالسة إذ أتت امرأته فقلت:
من أنت؟ فكأنّها قضيب بان أو غصن خيزران، قالت: أنا زوجة لأبي جعفر (عليه السلام ). قلت: من
أبو جعفر؟ قالت: محمّد بن الرضا (عليه السلام )، وأنا امرأته من ولد عمار بن ياسر. فخرّ
المأمون ساجداً ووهب لياسر ألف دينار وقال: الحمد لله الذي لم يبتليني بدمه، ثمّ
قال: يا ياسر! كلّما كان من مجيء هذه الملعونة إلي وبكاؤها بين يدي فاذكره، وأمّا
مصيري إليه فلست أذكره. فقال ياسر: والله ما زلت تضربه بالسيف وأنا وهذه ننظر إليك
وإليه حتى قطعته قطعة قطعة ثمّ وضعت سيفك على حلقه فذبحته وأنت تزبد كما يزبد
البعير. فقال: الحمد لله ثمّ قال: والله لئن عدت بعدها في شيء ممّا جرى لأقتلنّك.
ثمّ قال لياسر: إحمل إليه عشرة آلاف
دينار وسله الركوب إلي وابعث إلى الهاشميين والأشراف والقوّاد معه ليركبوا معه إلى
عندي ويبدؤا بالدخول إليه والتسليم عليه، ففعل ياسر ذلك وصار الجميع بين يديه وأذن
للجميع فقال (عليه السلام ): يا ياسر! هكذا كان العهد بيني وبينه. قلت: يابن رسول الله! ليس
هذا وقت العتاب، فوحقّ محمّد وعلي ما كان يعقل من أمره شيئاً، فأذن للأشراف كلّهم
بالدخول إلاّ عبدالله وحمزة ابني الحسن لأنّهما كانا وقعا فيه عند المأمون وسعيا
به مرّة بعد أخرى، ثمّ قام وركب مع الجماعة وصار إلى المأمون فتلقّاه وقبّل ما بين
عينيه وأقعده على البساط في الصدر، وأمر أن يجلس الناس ناحية، فجعل يعتذر إليه،
فقال أبو جعفر (عليه السلام ): لك عندي نصيحة فاسمعها منّي. قال: هاتها. قال: أشير عليك بترك
الشراب المسكر. قال: فداك ابن عمّك قد قبلت نصيحتك([9]).
واستشفّ الإمام الجواد (عليه السلام) من وراء
الغيب أنّ الأجل المحتوم سيوافيه وأنّ عمره كعمر الزهور، وقد أعلن ذلك لشيعته في
كثير من المواطن وهذه بعضها:
1 - روى محمد بن الفرج قال: كتب إليّ
أبو جعفر (عليه السلام ): احملوا إليّ الخمس، لست آخذ منكم سوى عامي هذا، ولم يلبث (عليه السلام) إلاّ
قليلاً حتى قبض واختاره الله إلى جواره([10]).
2 - روى أبو طالب القمّي، قال: كتبت
إلى أبي جعفر بن الرضا (عليه السلام) أن يأذن لي أن أندب أبا الحسن - يعني أباه -
قال: فكتب أن اندبني واندب أبي([11]).
3 - وأخبر (عليه السلام) عن وفاته في
أيام المأمون، فقد قال: (الفرج بعد المأمون بثلاثين شهراً) ولم يلبث بعد المأمون
بثلاثين شهراً حتى قبض واختاره الله إلى جواره([12]).
4 - روى إسماعيل بن مهران أنّ
المعتصم العباسي لمّا أشخص الإمام أبا جعفر (عليه السلام) إلى بغداد قال: قلت له:
جعلت فداك أنت خارج فإلى مَن هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتى اخضلّت لحيته، ثمّ التفت
إليّ فقال: عند هذه يخاف عليّ، الأمر من بعدي إلى ابني عليّ([13]).
من
أمرك أن تسمّني في هذا الطعام ؟
نقل أبو جعفر المشهدي باسناده : ( عن
محمد بن القاسم ، عن أبيه ، وعن غير واحد من أصحابنا أنّه قد سمع عمر بن الفرج
أنّه قال : سمعتُ من أبي جعفر عليه السلام شيئاً لو
رآه محمداً أخي لكفر .
فقلت : وما
هو أصلحك الله ؟قال : إني كنت معه يوماً بالمدينة إذ قرب الطعام ، فقال : « أمسكوا
» .
فقلت : فداك أبي ، قد جاءكم الغيب !
فقال : « عليَّ بالخباز » . فجيء به
، فعاتبه وقال : « من أمرك أن تسمّني في هذا الطعام ؟ » . فقال له : جُعلت فداك (
فلان ) ، ثم أمر بالطعام فرُفع وأُتي بغيره ) ([14]) .
فلمّا كانت سنة ثمان وعشرة بعد
المائتين من الهجرة مات المأمون العباسي وبويع أبو إسحاق محمّد بن هارون المعتصم،
وجلس على سرير الملك، ومن كثرة ماسمع من فضايل أبي جعفر (× ) ومناقبه غلب عليه
الحسد وكتب إلى أبي جعفر (× ) ودعاه من المدينة إلى بغداد، فلمّا عزم الإمام على
التوجه إلى بغداد خلف ابنه أباالحسن الهادي (× ) بالمدينة وهو صغير وسلّم إليه
المواريث والسلاح ونصّ على إمامته بمشهد من ثقاته وأصحابه، ثمّ ودّعه وودّع قبر
جدّه رسول الله (| ) وقبور آبائه وانصرف إلى بغداد، فلمّا ورد (× ) جعل المعتصم
يعمل الحيلة في قتله، وأشار على ابنة المأمون أمّ الفضل أن تسقيه السمّ لأنّه يعلم
انحرافها عن أبي جعفر (× )، فأجابته إلى ذلك، وكانت الملعونة شديدة العداوة لأبي
جعفر (× ) بحيث تؤذيه كثيراً، وأبو جعفر (× ) يصبر على ذلك([15]).
وقيل السبب في عداوتها أنّ أبا جعفر
(× ) كان يفضل عليها السيدة أمّ أبي الحسن النقي (سمانة) والدة ابنه الهادي (× )
عليها، ولأنّها لم ترزق من أبي جعفر ولداً، أرسل المعتصم إليها بسمّ قاتل، فأخذت
السمّ وجعلته في عنب رازقي، ووضعته بين يديه، فلمّا أكل منه أبو جعفر (× ) تغيّر
حاله وأحس بذلك، فقال (× ): ويلك قتلتيني قاتلك الله. وقيل: إنّها سمّته في منديل
وندمت بعد ذلك وجعلت تبكي، فقال (× ): أبلاك الله بداء لا دواء له، فوقعت الآكلة
في فرجها وكانت ترجع إلى الأطباء ويشيرون إليها بالدواء فلا ينفع ذلك حتى أنفقت
جميع مالها على تلك العلّة واحتاجت إلى السؤال([16]).
والله
ليضربنّك بفقر لا ينجي وبلاء لا يتستّر
وقال المسعودي في (إثبات الوصيّة):
لمّا انصرف أبو جعفر (عليه السلام ) إلى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبّرون
ويعملون الحيلة في قتله (× )، فقال جعفر بن المأمون لاخته أمّ الفضل وكانت لأمّه
وأبيه في ذلك لأنّه وقف على انحرافها عنه، وغيرتها عليه لتفضيله أمّ أبي الحسن
ابنه عليها مع شدّة محبّتها له، ولأنّها لم ترزق منه ولداً، فأجابت أخاها جعفراً
وجعلوا سمّاً في شيء من عنب رازقي، وكان يعجبه العنب الرازقي، فلمّا أكل منه ندمت
وجعلت تبكي، فقال (عليه السلام ): ما بكاؤك والله ليضربنّك بفقر لا ينجي وبلاء لا يتستّر،
فبليت بعلّة في أغمض المواضع من جوارحها صار ناسوراً ينتقض عليها في كلّ وقت،
فأنفقت مالها وجميع ملكها على العلّة حتى احتاجت إلى رفد الناس، ويروى إنّ الناسور
كان في فرجها، وتردى جعفر بن المأمون في بئر وكان سكراناً فأخرج ميتاً([17]).
فلما
أُطعم منها أحسَّ السم ، فدعا بدابته
ولعلَّ أقدم نصٍّ توفّرنا عليه الخبر
الذي أورده العياشي المتوفّى سنة « 320 هـ » في تفسيره .
قال العياشي : ( . . . قال زرقان :
إنّ ابن أبي دؤاد قال : صرت إلى المعتصم بعد ثلاثة ، فقلت : إنّ نصيحة أمير
المؤمنين عليّ واجبة ، وأنا أكلّمه بما أعلم أنّي أدخل به النار .
قال : وما هو ؟ قلت : إذا جمع أمير
المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لاَمر واقع من اُمور الدين ، فسألهم عن
الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك ، وقد حضر المجلس أهل بيته وقوّاده
ووزراؤه وكتّابه ، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ، ثم يترك أقاويلهم كلّهم
لقول رجل يقول شطر هذه الاُمّة بإمامته ، ويدّعون أنّه أولى منه بمقامه ، ثم يحكم
بحكمه دون حكم الفقهاء !!
قال : فتغير لونه وانتبه لما نبّهته
له ، وقال : جزاك الله عن نصيحتك خيراً ، قال : فأمر ( المعتصم ) يوم الرابع
فلاناً من كتّاب وزرائه بأن يدعوه إلى منزله ،
فدعاه . فأبى أن يجيبه وقال : « قد
علمت أني لا أحضر مجالسكم » . فقال : إنّي إنّما أدعوك إلى الطعام ، وأحب أن تطأ
ثيابي وتدخل منزلي فأتبرك بذلك ، فقد أحب فلان بن فلان ( من وزراء الخليفة ) لقاءك
.
فصار إليه ، فلما أُطعم منها أحسَّ
السم ، فدعا بدابته ، فسأله ربّ المنزل أن يُقيم ، قال : « خروجي من دارك خير لك »
.
فلم يزل يومه ذلك وليله في خلفة حتى
قُبض عليه السلام ) ([18]) .
فأنفقت
مالها وجميع ملكها على تلك العلّة
وفي موضع آخر ذكر أن مثلث الاغتيال (
المعتصم ـ جعفر ـ أم الفضل ) كانوا قد تشاوروا وتعاونوا على قتل الاِمام والتخلّص
منه بعد قدومه إلى بغداد ، بل ما استدعي إلاّ للغرض ذاته . فقال : ( . . وجعلوا ـ
المعتصم بن هارون وجعفر بن المأمون وأخته أم الفضل ـ سمّاً في شيء من عنب رازقي
وكان يعجبه العنب الرازقي ، فلمّا أكل منه ندمت وجعلت تبكي . فقال لها : « ما
بكاؤك ؟ والله ليضربنّك الله بفقر لا ينجبر ، وبلاء لا ينستر » ، فبليت بعلّة في
أغمض المواضع من جوارحها صارت ناسوراً ينتقض عليها في كلِّ وقت . فأنفقت مالها
وجميع ملكها على تلك العلّة حتى احتاجت إلى رفد الناس . وتردّى جعفر في بئر فأُخرج
ميتاً ، وكان سكراناً . .
ولما حضرت الاِمام × الوفاة نصّ على أبي الحسن وأوصى إليه ، وكان قد
سلّم المواريث والسلاح إليه بالمدينة ) ([19]) .
وأضاف ابن شهرآشوب السروي
المازندراني ( ت | 588 هـ ) ، وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري الاِمامي ( من أعلام
القرن الخامس الهجري ) ، « إنّ امرأته أم الفضل بنت المأمون سمّته في فرجه بمنديل
، فلمّا أحس بذلك قال لها : « أبلاك الله بداء لا دواء له » ، فوقعت الاَكلة في
فرجها ، وكانت تنصب للطبيب فينظرون إليها ويسرون ـ أو يشيرون ـ بالدواء عليها فلا
ينفع ذلك حتى ماتت من علّتها ) ([20]) .
أنفذ
إليه شراب حُمّاض الاَترُجّ
وقال ابن شهرآشوب قبل ذلك أن الاِمام
× لمّا تجهّز ( وخرج إلى بغداد فأكرمه ـ
أي المعتصم ـ وعظّمه ، وأنفذ أشناس بالتحف
إليه وإلى أم الفضل ، ثم أنفذ إليه شراب حُمّاض الاَُترُجّ (الأتروج أو الأترنج :
ثمر من جنس الحمضيات ويقال له ( الترنج ) أيضاً والحماض : ما في جوف الأترج من
اللب .)تحت ختمه على يدي أشناس ، وقال : إنّ أمير المؤمنين ذاقه قبل أحمد بن أبي
دؤاد ، وسعد بن الخضيب وجماعة من المعروفين ، ويأمرك أن تشرب منها بماء الثلج ،
وصُنع في الحال . فقال ـ أي الاِمام × ـ :
« أشربها بالليل » . قال : إنّها تنفع بارداً ، وقد ذاب الثلج ، وأصر على ذلك ،
فشربها عالماً بفعلهم ) ([21]) .
جاؤا
بطعام مسموم ووضعوه بين يديه
قال: فأمر اليوم الرابع فلاناً من
كتّاب وزرائه بأن يدعو الإمام إلى منزله، فدعاه فأبى أن يجيبه، وقال: قد علمت
بأنّي لا أحضر مجالسكم، فقال: إنّي إنّما أدعوك إلى الطعام، وأحبّ أن تطأ ثيابي
وتدخل منزلي فأتبرّك بذلك، فقد أحبّ فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك. فصار
إليه، فلمّا وضعوا المائدة جاؤا بطعام مسموم ووضعوه بين يديه، فلمّا أكل وطعم منها
أحسّ بالسمّ، فدعا بدابّته فسأله صاحب المنزل أن يقيم، قال: خروجي من دارك خيرلك،
فلم يزل يومه وليله في حلقه حتى قبض × ([22]).
عطش
عطشاً شديداً ومنعته الماء أمّ الفضل
قبض أبو جعفر الجواد مسموماً ببغداد،
وقيل: قبض عطشاناً لأنّه لمّا سمّ عطش عطشاً شديداً ومنعته الماء أمّ الفضل، وبقي
يجود بنفسه حتى مات عطشاناً، وواسى جدّه الحسين (× ) في ذلك ولكن شتّان بين امامنا
الجواد (× ) وبين الحسين (× ) لأنّ الحسين قضى عطشاناً وهو في جوّ الظهيرة في حرّ
الشمس، وعليه من الجراح عدد النجوم في السماء، وجراحاته تشخب دماً، وكلّما يطلب
جرعة من الماء يضربونه بالسيف والرماح والحجارة والعصا قال جبرئيل: يا آدم! فلم
يجبه أحد إلاّ بالسيوف وشرب الحتوف، فيذبح ذبح الشاة من القفا الخ: ([23]).
تورّم
جسده الشريف وكان يتقلّب على الأرض يميناً وشمالاً
وعلى خبر: إنّ المعتصم أشار على أمّ
الفضل ابنة المأمون بأن تسمّه، فسمّته في طعام مسموم أو عنب رازقي. وقال ابن
شهراشوب: سمّته في منديل مسموم عند المواقعة، فلمّا أخذه إليه وضمّه إلى نفسه
واستعمله تورّم جسده الشريف وكان يتقلّب على الأرض يميناً وشمالاً من شدّة الوجع
ويجود بنفسه.
تورّم
جسده وكان يقطر جلده شبه الدم
وفي جنّات الخلود: تورّم جسده وكان
يقطر جلده شبه الدم، فلمّا قضى نحبه أمر المعتصم بأن يرموا جسده الشريف من أعلى
السطح إلى الأرض، ومنع الناس أن يحملوه ويشيّعوه ويدفنونه ويدنوا منه، وبقي جسده
ملقى على الأرض أياماً بلا غسل ولا كفن ولا دفن، وكان يسطع منه رائحة المسك
والعنبر، فلمّا علم المعتصم ذلك خاف الفتنة وخشي الفضيحة أمر بدفنه([24]).
وأثّر
السمّ في الإمام تأثيراً شديداً
وأثّر السمّ في الإمام تأثيراً
شديداً، فقد تفاعل مع جميع أجزاء بدنه وأخذ يعاني منه آلاماً مرهقة، فقد تقطّعت
أمعاؤه من شدّة الألم، وقد عهدت الحكومة العباسية إلى أحمد بن عيسى أن يأتيه في
السحر ليتعرّف خبر علّته([25]).وقد أخبر الإمام (عليه
السلام) بوفاته من كان عنده في الليلة التي توفّي فيها فقال لهم: نحن معشر إذا لم
يرض الله لأحدنا الدنيا نقلنا إليه([26]).
اجتمعت
الشيعة وحلفوا على أن يقتلوا دونه أو يدفنوه
وقال في الكبريت الأحمر: اجتمعت
الشيعة وحلفوا على أن يقتلوا دونه أو يدفنوه، فقال المعتصم: دعوهم وما يريدون،
فعملوا له شأناً عظيماً حتى دفنوه ; أسفي على غريب كربلا أبي عبدالله (عليه السلام)
حيث ما غسّلوه ولا لفّوه في كفن، ولا حملوا جنازته، نعم حملوا رأسه الشريف من بلد
إلى بلد من كربلا إلى الكوفة ومن الكوفة إلى الشام:
الجسم منه بكربلاء مضرّج***والرأس
منه على القناة يدار([27]).
خرج
أبوالحسن ودموعه تجري على خدّيه
كان مولانا أبوالحسن الهادي (× )
جالساً بالمدينة مع مؤدب له يقال له (أبو زكريا) وهو يقرء اللّوح على مؤدبه، وهو
طفل صغير، إذ بكى بكاءاً شديداً، فسأله المؤدب ما بكاؤك؟ فلم يجبه وقال: ائذن لي
بالدخول إلى البيت، فأذن له، فلمّا دخل ارتفعت الأصوات بالبكاء والنياح، ثمّ خرج
أبوالحسن ودموعه تجري على خدّيه وهو يقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فسألناه عن
ذلك فقال: إنّ أبي توفّي الساعة في بغداد. فقلنا: بما علمت؟ قال: دخلني من إجلال
الله تعالى ما لم أكن أعرفه قبل ذلك، فعلمت أنّه قد مضى([28]).
وغسّل
أباه وحنّطه وكفّنه ودفنه،
ويظهر من الأخبار وأشار المجلسي
(رحمه الله) في جلاء العيون إنّ علياً الهادي (عليه السلام) أقبل بطيّ الأرض إلى
بغداد وغسّل أباه وحنّطه وكفّنه ودفنه، ثمّ رجع إلى المدينة في يومه، فلمّا رجع
إلى المدينة ارتفعت الأصوات من الهاشميات في دورهنّ كما أنّهارتفعت أصوات
الهاشميات يوم ورود الناعي بقتل الحسين (عليه السلام) وخرجت أمّ لقمان بنت عقيل
وجعلت تبكي وتقول:
ماذا تقولون إذ قال النبيّ
لكم***ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي***منهم
أسارى ومنهم ضرّجوا بدم
وروي أن ابنه علي الهادي عليه السلام
قام في جهازه وغسله وتحنيطه وتكفينه كما أمره وأوصاه ، فغسّله وحنّطه وأدرجه في
أكفانه وصلّى عليه في جماعةمن شيعته ومواليه ([29]) .
وجاء في الاَخبار أن الواثق صلّى
عليه بحضور جماهير غفيرة من الناس ، ثم حُمل جثمانه في موكب مهيب تشيعه عشرات
الآلاف من الناس إلى مقابر قريش حيث مثوى جدّه الاِمام الكاظم موسى بن جعفر عليهما
السلام ، فأُقبر إلى جواره في ملحودة أصبحت اليوم عمارة شامخة تناطح السماء
بمآذنها الذهبية ، وقبلة يؤمها آلاف المسلمين يومياً للتبرك بأعتابها ، وطلب
الحوائج من ساكنيها . ولطالما انقلب الملمّون والمستغيثون إلى أهلهم فرحين بما
وجدوا من إنجاز طلباتهم التي تعسّر حلّ مشكلها ، بل وإن البعض منها كان في حكم
المحال حلّ معضله .
وله أربع أبناء.
نعم.. لقد مضى الإمام الجواد (عليه السلام )..
وله أربع أبناء.
صبيان: الإمام علي الهادي (عليه السلام)
وموسى.وبنتان: فاطمة، وأمامة..
عمده الطالب: وأمّا موسي المبرقع بن
محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسي الکاظم × وهو لاُمّ ولد، مات بقم وقبره بها يقال لولده:
الرضويّون، وهم بقم، إلاّ من شدّه منهم إلي غيرها.
قل
للذي أخرجك من الشام أن يخرجك من حبسي
عن علي بن خالد، قال: كنت بالعسكر ،
فبلغني أن هناك رجلا محبوسا، أتى به من ناحية الشام مكبولا [بالحديد] وقالوا: إنه
تنبأ. فأتيت الباب، وداريت البوابين حتى وصلت إليه، فإذا رجل له فهم وعقل، فقلت
له: ما قصتك ؟ قال: إني رجل كنت بالشام أعبد الله في الموضع الذي يقال: إنه نصب
فيه
رأس الحسين عليه السلام فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب
أذكر الله إذ رأيت شخصا (بين يدى، فنظرت) إليه، فقال [لي]: قم. فقمت معه فمشى بي
قليلا، فإذا أنا في مسجد الكوفة. فقال لي: أتعرف هذا المسجد ؟ قلت: نعم ! هذا مسجد
الكوفة. فصلى وصليت معه، ثم انصرف، وانصرفت معه. فمشى [بي] قليلا، وإذا نحن بمسجد
الرسول | فسلم على رسول الله صلى الله
عليه واله وسلم وسلمت، وصلى وصليت معه، ثم خرج وخرجت معه. فمشى بي قليلا، فإذا نحن
بمكة، فطاف بالبيت وطفت معه، وخرج فخرجت معه. فمشى [بي] قليلا، فإذا أنا بموضعي
الذي كنت أعبد الله فيه بالشام، وغاب الشخص عن عيني، فتعجبت مما رأيت. فلما كان في
العام المقبل، رأيت ذلك الشخص، فاستبشرت به، ودعاني فأجبته، ففعل كما فعل في العام
الأول، فلما أراد مفارقتي بالشام، قلت: سألتك بحق الذي أقدرك على ما رأيت، من أنت
؟ قال: أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر. فحدثت من كان يصير إلي بخبره، فرقي ذلك
إلى محمد بن عبد الملك الزيات ، فبعث إلي فأخذني، وكبلني في الحديد، وحملني إلى
العراقوحبست كما ترى، وادعى علي المحال. فقلت له: أرفع عنك قصة إلى محمد بن عبد
الملك الزيات ؟ قال: افعل. فكتبت عنه قصة، شرحت أمره فيها، ورفعتها إلى الزيات،
فوقع في ظهرها: قل للذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة [و] إلى المدينة [و]
إلى مكة أن يخرجك من حبسي هذا. قال علي بن خالد: فغمني ذلك من أمره، ورققت له،
وانصرفت محزونا فلما كان من الغد، باكرت الحبس لأعلمه بالحال، وآمره بالصبر
والعزاء. فوجدت الجند، وأصحاب الحرس، وصاحب السجن، وخلقا عظيما من الناس يهرعون،
فسألت (عنهم وعن حالهم) ؟ فقيل: المحمول من الشام المتنبي، افتقد البارحة من
الحبس، فلا يدري خسفت الأرض به، أو اختطفته الطير ؟ وكان هذا الرجل أعني: علي بن
خالد زيديا، فقال بالأمامة لما رأى ذلك وحسن اعتقاده ([30]).
[1] / بحار الأنوار / جزء 50 / صفحة [15].
[2] /عيون أخبار الرضا (× ) - الشيخ الصدوق - ج ١ -
الصفحة ٢٢٦.
[3] / بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٩ -
الصفحة ٣٤.
[4] / دلائل الامامة - محمد بن جرير الطبري (الشيعي)
- الصفحة (384).
[5] / بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٠ -
الصفحة ٥٩
[6] / دلائل الأمامة: ص 388، ح 343.
[7] / تفسير العياشي: ج 1 ص 319، البرهان: ج 1 ص
471، البحار: ج 12 ص 99، وسائل الشيعة: ج 18 ص 490.
[8] / الثاقب في المناقب: ص 524.
[9] / الخرائج والجرائح - قطب الدين الراوندي - ج ١
- الصفحة ٣٧٥.
[10] / المحجّة البيضاء: ج 4 ص 308.
[11] / الكشيّ: ج 2 ص 838.
[12] / إثبات الهداة: ج 6 ص 190.
[13] / الإرشاد: ص 369.
[14] /الثاقب في المناقب - ابن حمزة الطوسي - الصفحة
٥١٧.
[15] /نور الابصار للمازندراني.
[16] / نور الأبصارفي أحوال الأئمة التسعة الأبرار
للمازندراني.
[17] / نور الأبصارفي أحوال الأئمة التسعة الأبرار للمازندراني.
[18] / تفسير العياشي 1 : 320 | 109 وعنه بحار
الأنوار 50 : 5 ص 7 .
[19] / دلائل الإمامة : 395 . وعيون المعجزات : 131
وعنه بحار الأنوار 50 : 16 | 26 .
[20] / مناقب آل أبي طالب 4 : 391 . ودلائل الإمامة :
395 .
[21] / مناقب آل أبي طالب 4 : 384.
[22] / نور الأبصارفي أحوال الأئمة التسعة الأبرار
للمازندراني.
[23] / نور الأبصارفي أحوال الأئمة التسعة الأبرار
للمازندراني.
[24] / نور الأبصارفي أحوال الأئمة التسعة الأبرار
للمازندراني.
[25] /(الإرشاد: ص 369.)
[26] /(بحار الأنوار: ج 12 ص 99. )
[27] / نور الأبصارفي أحوال الأئمّة التسعة الأبرار.
[28] / نور الأبصارفي أحوال الأئمّة التسعة الأبرار.
[29] / مجموعة وفيات الأئمة : 342 .
[30] / الخرائج والجرائح: ج 1، ص 380، ح 10. عنه
البحار: ج 25، ص 376، ح 25.
تعليقات
إرسال تعليق