الامر الأول: نغمة
الاولياء في البلاء
الامر الثاني: الناحية
العقائديّة
الامر الثالث: الناحية
الرّوحيّة
الامر الرابع: الناحية
البلاغية
الامر الخامس: لا يرى
العاشق من معشوقه غير الجميل.
الامر السادس: لا يصدر من
الجميل إلا الجميل.
الامر السابع: الجميل
الامام المهدي #
الامر الثامن: رؤية الجمال
في الجلال
الامرالتاسع: ظهور صفة
القيومية
الامر العاشر: الجمال فوق
الرضا
الامر الحادي عشر: الرؤية
في عين السيدة زينب ÷
الامر الثاني عشر: للبلاء
إيجابيات
الامر الثالث عشر: التوحيد
والجمال متلازمان:
الامر الرابع عشر: ايثار المصلحة العامة علي المصلحة الخاصة
الامر الخامس عشر: ملحمة التوحيد في الأفعال
ومسؤوليه الاختيار
الامر السادس عشر: من
يتحمّل البعد السلبيّ؟
الامر الثامن عشر: عندما
يكبر الإنسان تكبر ذائقته
الامر التاسع عشر: دلالة
الفعل والمقصد
الامر العشرون: إن التوافق مع الله توفيق
الامر الحادي والعشرون:
عمق توحيد الله وحبه تعالى
الامر الثاني والعشرون:
التسليم والرضا بقضاء اللهِ وقدره..
في معنى
ما رأيتُ إلاّ جميلا
قال ابن زياد لعنة الله عليه: کيف
رأيت صنع اللَّه بأخيک وأهل بيتک؟
فقالت(السيدة زينب عليها السلام ):
ما رأيت إلّا جميلاً([1]).
(ما رأيتُ إلاّ جميلاً) عبارةٌ ذات
أربعة عشر حرفاً
كيف نفهم هذه الجملة مع البلاء
الأعظم والمصيبة العظيمة التي لم تشاركها مصيبة مذ خلق الله عزوجل الخلق .
ونحاول ان نذكر أمور لبيان قطرة من
بحر معارف هذه الكلمة
الامر الأول: نغمة الاولياء في البلاء
نجد كلمات الاولياء في ساعة البلاء
على وتيرة واحدة ولكن على نحو التصاعد من حيث الحدث فمثلا:
قال الامام علي × : والله ، لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل
بثدي أمه ([2]).
وحين ضرب × بسيف ابن ملجم لعنه الله قال : فزت ورب الكعبة([3])
.
وقول مسلم بن عوسجة ،أو سعيد بن عبد
الله الحنفي للإمام الحسين × في كربلاء :
لو علمت أني أقتل فيك ثم أحيا ، ثم أحرق حياً ، ثم أذرى ، يفعل بي ذلك سبعين مرة ،
ما فارقتك ، حتى ألقى حمامي دونك ([4]).
وسأل الامام الحسين × القاسم ابن الحسن × : يا بني ، كيف الموت عندك ؟
قال : يا عم ، أحلى من العسل .([5])
إلى نماذج كثيرة أخرى للرضى والتسليم
والإيمان والاطمئنان ، والإحساس بالسعادة وبالفوز بلقاء الله سبحانه .
وهذه هي النعمة الحقيقية التي يختار
الله الشهيد على أساسها ، ثم يمضي القرار الإلهي بها من خلال التكليف الإلهي ، ثم
المبادرة العملية من هذا المكلف لإنجاز ذلك التكليف ، ويتوج ذلك بالاصطفاء ، الذي
هو التعبير عن الرضى الإلهي الغامر .
أما المال والجمال والقوة وسوى ذلك
فلن يستطيع أن يمنحك هذه السعادة ، التي قد يجدها الفقير المعدم ، ويفقدها الغني
بماله ، الفقير بما سوى ذلك - بل إن أفقر الناس هم الأغنياء .
ولهذا تجد حين قال ابن زياد لعنه
الله لزينب×: كيف رأيتِ فعل الله بأهل
بيتك ؟
قالت : ما رأيت إلا جميلاً ([6]).
الامر الثاني: الناحية العقائديّة
تعتقدُ السيّدة بما يعتقده آباؤها ( ^
) بأنّ الله تعالى عادلٌ لا يحيف في حكمه، حكيمٌ في تدبيره، لا يفعل عبثاً؛
لاستلزامه القبيح.
ومِن هنا وصفت فعل الله سبحانه
بالجميل، إذ إنّ صفات الله تعالى الثبوتية تسمى بالجماليّة، والعدل أحدها.
وبهذا أعطت السيّدة (×) درساً عقدياً
للطاغية والحاضرين، حيث إنّه سلوك بني أمية عموماً كان يهدف إلى تشكيك الحضور بعدل
الله سبحانه، وإلى أحقيّة تصرفه بهتك حرمة الحسين وآله (سلام الله عليه وعليهم)
بـدليل قول أميرهم يزيد:
"لعبَت هاشمُ بالملكِ فلا خبرٌ
جاءَ ولا وحيٌ نزل"
فالطاغية يُكمن في نفسه الكفر ويُظهر
الإيمان، وما قوله هذا إلاّ دلالةً على أنّ الحسين على خطأ وهو وشرذمته على صواب،
ولذا يقول ذنبهُ بن زياد محتجاً بما في مضمونه: لو كانَ الله عادلاً لانتصر للحسين
وآله !
أمَا والله لقد أساءَ المنطق، وإلاّ
فماذا يُرتجى مِن ابن الطلقاء الذي هتك حرمة الأولياء، وأبكى بفعلته السماء !
فزهق الباطل الذي به كان فرحاً
بـعبارة "ما رأيتُ إلاّ جميلا".
الامر الثالث: الناحية الرّوحيّة
إنّ الوصول إلى الكمال الرّوحي يتطلب
تحمل المشاق، والتسليم المطلق لله سبحانه، والذوبان في هيمنته وسلطنته جلّ شأنه،
فالإنسان وإن كان مجبولاً في فطرته على حب الوصول إلى الكمال، إلاّ أنّ التعلّقات
الدنيوية التي تطرأ عليه عرضاً تجعله محجوباً عن الوصول.
وها هي السيّدة قد نالت ما نالت من
فيوضاتٍ، وهيّمت قلبها لإرادة الواحد القهّار، وتركت التأثر بالعالم الماديّ
لأهله، واعشوشب زهرها في ما فوق ذلك العالم، فأصبحت من خواص الله خلقاً، وأثمرهم
عطاءً.
(ما رأيتُ إلاّ جميلاً) عبارةٌ ذات
أربعة عشر حرفاً دلّت عباد الله على الله، إذ أعتقد أنه لم يكُ هدف السيّدة (عليها
السلام) أن تبيّن للطاغية والحاضرين مدى رضاها بقضاء الله سبحانه وحسب، بل كان لها
هدف سامٍ آخر ألا وهو: أن تدلّهم على الله وترسّخ محبتهم له سبحانه، حيث نقرأ في
الزيارة الجامعة الكبيرة: " اَلسَّلامُ عَلَى الدُّعاةِ اِلَى اللهِ،
وَالاْدِلاّءِ عَلى مَرْضاة اللهِ، وَالْمُسْتَقِرّينَ في اَمْرِ اللهِ،
وَالتّامّينَ في مَحَبَّةِ الله"([7]).
وجاء في مقطعٍ آخر: "اِلَى
اللهِ تَدْعُونَ، وَعَلَيْهِ تَدُلُّونَ، وَبِهِ تُؤْمِنُونَ، وَلَهُ
تُسَلِّمُونَ، وَبِأَمْرِهِ تَعْمَلُونَ، وَاِلى سَبيلِهِ تُرْشِدُون"([8]).
ومنبع تصرّفها هذا هو حبّ الله
سبحانه، حيث روي أنه : "اوحـى اللّه تعالى إلى بـعـض الصدّيقين: إنّ لي
عباداً مِن عبادي يحبونني واُحبهم، ويشتاقون إليّ وأشتاق إليهم، ويذكرونني
وأذكرهم، ... أقل ما اُعطيهم ثلاثاً:
الاول : أقذف من نوري فـي قـلوبهم
فيخبرون عنّي كما اُخبر عنهم.
والثاني : لو كانت السماوات والأرضون
وما فيهما في مـوازيـنهم لاستقللتها لهم.
والثالث : أقبل بوجهي عليهم، أ فتُرى
من أقبلتُ بوجهي عليه يعلم أحد ما اُريد أن اُعطيه؟!"([9])، فقذف سبحانه في قلبها
التفويض المطلق ووجدها صابرة.
ويعدّ صبر السيّدة (×) مِن صبر
العارفين بالله سبحانه، إذ الصبر على مراتب، وصبر العارفين([10]) معناه أنّ لبعض خلق الله
التذاذاً بالمكروه لتصوّرهم أنّ معبودهم خصّهم به من دون الناس، وصاروا ملحوظين
بشريف نظره (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ
قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ *أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ
صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)([11]).
الامر الرابع: الناحية البلاغية
استعملت السيّدة البليغة (×) اسلوب
الحصر أو ما يسمى عند البلاغيين بالقصر، ويعني: "تخصيص أمرٍ بآخر بطريقٍ
مخصوص، ومِن طرقه: النفي والاستثناء..."([12]).
فمقصد السيّدة هو: رأيتُ الذي صنعه
الله تعالى بنا جــميلا" بعد حذف أداتي النفي والاستثناء.
ويدلّ استعمالها اسلوب البلاغة هذا
على امور:
1- بيان أعلميتها وأنّها ليست كأيّ
سبيّة، ومن هنا اشرأبت الأعناق لترى مَن المتكلم؛ لتذكرهم ببلاغة عليّ بن أبي طالب
(عليه السلام).
2- تحقير الطاغية وشرذمته بتكليمهم
فوق مستوى ادراكهم، فمن يقارن بين كلامَي السيّدة والطاغية يجد الإرباك الواضح،
والركة المضحكة في بيانه (عليه لعنة الله).
3- توظيف ما استسقته من نمير العلوم
مِن أبويها (عليهما السلام) في سبيل إعلاء كلمة الحق.
ويا لجميل ما صنعَت (عليها أزكى
السلام).
الامر الخامس: لا يرى العاشق من معشوقه غير
الجميل.
إن بعض البشر يرون بعين الفطرة ذاتاً
تجمع كلّ الكمالات، ولذا هم يعشقون تلك الذات؛ ما نوع ذلك العشق؟ عشقٌ لا يرى فيه العاشق من معشوقه غير الجميل، ولا يشعر منه
بغير العشق أبداً، وهذا ما رأينا من زينب بنت علي"× " حينما أجابت ذلك
الأحمق المسمّى "عبيد الله بن زياد" بعد أن قال لها: أرأيت صنع الله
فيكم؟ ـ هذا بعد مقتل الإمام الحسين:"× " في صحراء كربلاء فأجابت:
"ما رأيت إلاَّ جميلاً.. ثكلتك أمك يابن مرجانة" (2) .
إلا تفهم؟ ألا ترى؟ إن الذي قدّمنا
في سبيل الله تعالى هو الصواب، وما عداه خطأٌ فاضح،ولكنك لن تدرك ذلك أبداً لكثرة
الرين والحجب الجاثمة على قلبك، أما نحن فقد وجدنا ربّنا بعد أن تمكّنا من إزاحة
الأستار والحجب فأصبح كل شيءٍ بالنسبة لنا أمراً طبيعياً، أمراً فطرياً؛ فالجهاد،
الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، الحبّ في الله، البغض في الله، وكل شيء لا نراه
إلاَّ أمراً فطرياً.
فمن وجد ربّه ينبغي له أن يصلّي، ومن
أراد أن يتعرّف على إنسانيته يجب عليه أن يصوم ويتشبه بالحيّ الذي لا يموت، كي
يتمكن من السير في طريق الكمال، لأن الذي لا يحاول التشبّه بالله تعالى لا يتأتى
له رؤية أول طريق الكمال أبداً.
وخلاصة القول: إن جميع عبادات
الإسلام لا تتعدى أن تكون أمراً فطرياً، أمراً يبحث عنه في أعماق الضمائر، فإذا ما
أردنا أن نجد هذا الأمر الفطري، ينبغي أن تزال الأستار والحجب كي نتمكن من العثور
عليه، ومن لم يتسطع أن يجد ربّه فليعلم بأنه مريض، ومن رأى منكم تثاقله لإقامة
الصلاة فليستدل على مرضه من تلك الحالة.
قد يكون الإنسان في بعض أحيانه
جائعاً، لكنه لا يشعر بذلك، بسبب المرض، فتمرّ عليه الأيام دون تناولٍ للطعام،
ويبقى عليه حيا بواسطة تزريقه بالسوائل في الدم مباشرة، ويبقى لا يجد رغبة في
الأكل بالشكل الطبيعي، كونه مريضاً، والمريض لا تعمل غرائزه.
الامر السادس: لا يصدر من الجميل إلا الجميل.
بداية رد السيدة زينب الذي لم يكن
وليد اللحظة، بل كان ممارسة عملية ولم يكن القول الأول في تبيان تسليمها لما يقع
عليها من أمور وأحداث، فقولها “ما رأيت إلا جميلاً” ينمّ عن روحانية عالية وقلب كبير وإيمان عميق يتحرّك من واقع عملي، ومن
بين دم وألم، ومن بين جثث وعطش، يتحرّك إيمان هذه السيدة العظيمة قبل وأثناء وبعد
كل ما شاهدته من مآسٍ داميات، رأت أخوها مقطّع الأوصال وأهل بيتها يتم تجزيرهم
وترفع رؤوسهم على القنا، وحرق للخيم، وغيرها من صور الوحشية والبربرية الأموية
التي أنزلوها في واقعة الطف.
• كان الرد بعبارتها “ما رأيتُ إلا جميلاً” هو عنوان المراتب العُليا الحقيقية للإنسان المؤمن الذي يرى أن كل ما
يقع عليه هو من الله، فيرى فيه الصنع الجميل، لأنّه لا
يصدر من الجميل إلا الجميل، حتى لو رآه الإنسان غير ذلك من بلاء وشدة وألم،
وذلك هو المعنى الحقيقي لمزاوجة التوكّل بالتقبّل مع الرضا بالإقدام بروح مطمئنة
عليها.
• وبرغم المصائب
والشدائد التي مرّت عليها السيدة زينب وفي قبال تقريع جاف صلف من ابن زياد، يكون
ردها على ذلك الإستفزاز بهذا القول الذي لا يترجم بحق صبر هذه السيدة العظيمة فقط،
بل يقدّم نظرتها لكل مصاب وجلل على أنه من الله، وكل ما يأتي من الله -دون
استثناء- فهو جميل حتى لو كانت صورته الظاهرة فيها القتل وسفك الدماء وكل الصور
السلبية.
• وتتجاوز هذه السيدة العظيمة
خط الصبر لحد تقديم الأكثر من بعد ذلك الخط، فهي تقترب من جثمان أخيها محزوز الرأس،
وهو ابن ينت رسول الله (| )، وتضع يديها تحت ظهره وتحاول رفعه وتقول “اللهم تقبّل منّا هذا القربان”.
• فهي لم تصبر على القضاء
الذي حل بأهلها وبها فقط، بل كانت روحها أكبر، لتحوّل كل موقف ظاهره الضعف والهزيمة
إلى موقف فيه القوّة والحق وصوت العدالة.
• وهو الموقف الذي يرى المؤمنُ
اللهَ في كل شيء ومعه وقبله وبعده، فيكون البلاء للمؤمن هو الطَرق لمعدنه وهي
النار لذَهَبِه
• فعندما تتحوّل كل مأساة
في نظر المؤمن إلى نار لصقل جوهره ليقترب أكثر من بارئه، لا بمعنى جلد الذات وهو الذاهب
للبلاء، بل عندما يتحرك البلاء إليه، فيستقبله بصدر مطمئن ويُوكل أمره إلى الله وحده،
ناظراً إلى كل ما يحلُّ به بأنه “الجميل” من ربه، عندها تهونُ كل البلايا مها عظمت، ومن هنا يأتي قول الإمام الحسين
(× ) في معركة الطف وهو ينزف دماً “هوّن ما نزل بي، أنّه بعين الله”.
• هو قول وفعل كل روح مؤمنة
بحق، تلك التي ترى أن كل ما يقع عليها لله فيه حكمة وجمال، وهي الثقة التامة بالله،
لأنه لا يصدر من الجميل إلا الجميل حتى لو كان فيها الألم في ظاهره، كما في الزهر
الشوك.
• هذا المبدأ الجمالي العملي
الناظر للأمور التي تقع حتى لو كانت مأساوية أو سوداوية على أنها أمر جميل من الله،
ينزع فتيل الخوف من قلب المؤمن، ويحوّل كل أمر يقع عليه على أنه أمر يتقبله بصدر
رحب وبطمأنينة لأنه من الله، وبهذه النفسية العظيمة للمؤمن يكون المعنى الحقيقي
للإيمان لذي تخشاه أي قوة سياسية أو اجتماعية أو حتى دينية مزوّرة.
• لأن تلك القوى لا تعرف
معنى الجمال في وقوع الحدث، فتجزع وتخاف وهو ما يجرها إلى ارتكاب الأخطاء مرات ومرات
حتى تسقط في وحل لا يمكنه الخروج منه، وهو وحل عدم معرفة الله. في حين يكون “الجمال” فيما يقع للمؤمن، مدعاة للتغيير للأفضل لوجه الله عبر التقبّل وامتصاص
كل صدمة مهما عظمت.
• “ما رأيت إلا جميلاً” هي وصفة القوة في كل موقف وقضية، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي،
لتتحول نظرة الجمال تلك وقوداً للنصر في كل مسيرة وموقف .
الامر السابع: الجميل الامام المهدي #
هكذا قالت السيدة الوقورة والمجاهدة
زين الباء الحوراء زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب × وبنت مولاتنا الزهراء عليها السلام وأخت الحسن
والحسين عليها السلام وحفيدة الرسول الأعظم | .
ما هو هذا الجميل الذي رأته مولاتنا
الحوراء زينب ÷وهي ترى في كربلاء قتل كل أهلها؟
الجميل الذي رأته مولاتنا زينب ÷هو
مولانا الإمام المهدي ×السر المستودع في مولاتنا الزهراء ÷.
إذا ما أضفنا الجميل والسر المستودع
إلى مولانا المهدي × نخلص إلى وجود حياة طيبة للمؤمنين في عصر الظهور المقدس.
إن قتل الشيعة على مدى التاريخ
الإسلامي ونعتهم بكل أنواع البعد عن الصواب والدين الخالص واستحالة دمائمهم هو أمر
إلهي لا بد له من يوم فاصل ينال الظالمين فيه جزاءهم ، فقتل شيعة أمير المؤمنين × وقبل
ذلك قتل أولاد الرسول الأعظم | هو أمر
محزن جدا أخر رسالة الإسلام وجعلها رسالة لم تخرج إلى حد الساعة من رد الفعل إلى
الفعل والسلام والرحمة .
الجميل الذي سوف نراه قريبا جدا مع
مولانا الإمام المهدي #هو هلاك الظالمين والعروش الخاوية وسيطرة مبادئ الحق
والفضيلة والفطرية والكرامة على كل ساكنة الأرض .
“وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ
لَا يَعْلَمُونَ ، يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ
هُمْ غَافِلُونَ ” سورة الروم
الآخرة ستظهر قريبا وسوف يظهر جمالها
لأصحابها وهذا الجمال هو سر مكنون في جوهر الزمان مولانا الإمام المهدي عليه
السلام.
إن هلاك الظالمين والطغاة سوف يخرج
الأرض من طور ويدخلها في طورآخر فالعالم اليوم لا يعرف ماذا يحصل له، في أوروبا
يجتمعون لتخليص العملة من الانهيار المحتم قريبا وهم لا يعلمون أنهم يعيشون
النهاية التي وضعوها لأنفسهم بجهلهم وابتعادهم عن الفطرة والتعاليم السماوية
المسيحية الابراهيمية.
سوف تنهار أوروبا قريبا وأمريكا معها
وكل الظالمين من حكام العرب وسوف يكون ذلك أمر سييظهر فيه حكم الله في آخر الزمان
.
سيظهر مولانا الإمام المهدي #منتقما
لما جرى في كربلاء وسيكون ظهوره مقدسا ومسيطرا على كل الأرض بعدما ملئت ظلما وجورا
وهذا هو الجميل الذي رأته مولاتنا الحوراء زين الباء زينب عليها السلام.
الامر الثامن: رؤية الجمال في الجلال
الله تبارك وتعالى له جلال وله جمال،
له صفات جمالية، وله صفات جلالية، ونحن نقرأ في الأدعية المباركة «اللهم إني أسألك
من جمالك بأجمله، وكل جمالك جميل، اللهم إني أسألك بجمالك كله، اللهم إني أسألك من
جلالك بأجله، وكل جلالك جليل، اللهم إني أسألك بجلالك كله» له صفات جمالية، وله
صفات جلالية.
هناك في بعض الأدعية «يا جميلا في
جلاله، ويا جليلا في جماله» جماله عين جلاله، وجلاله عين جماله، كيف يتحد الجمال
والجلال بالنسبة لله تبارك وتعالى؟
عندما نقول لله جمال وجلال، كل صفة
تعبر عن الحياة فهي صفة جميلة، القدرة تعبر عن الحياة، إذن هي جمال، العلم يعبر عن
الحياة، إذن هو جمال، الخالقية والرازقية تعبر عن الحياة، إذن هي جمال، أي صفة لله
تعبر عن الحياة، وتحكي عن الوجود فهي صفة جمال، حياته، علمه، قدرته، كل ذلك صفات
جمال.
وأما صفات الجلال، فكل صفة تعبر عن
النزاهة، النزاهة عن النقص تسمى صفة جلال، ليس بجسم، هذه صفة جلال، لأنها تنزهه عن
النقص، الجسم نقص، ليس بجسم، ليس بمحدود، ليس تبارك وتعالى بمركب، ليس له شريك،
ليس له ند، كل هذه الصفات التي نعبر عنها بالصفات الليسية، كل هذه الصفات التي
تحكي نزاهته ورفعته عن النقص وعن الأدران المادية يعبر عنها بصفات الجلال، فهناك
صفات جمال، وصفات جلال.
كيف يكون جماله في جلاله، وجلاله في
جماله، كيف يتحد الجمال والجلال في ذاته المقدسة تبارك وتعالى؟
مثلا: الشمس المشرقة المضيئة التي
نراها، جمالها في جلالها، وجلالها في جمالها، جمال الشمس بنورها، بشعاعها المضيء،
وجلالها بأنها امتلكت من النور المادي أقوى درجة، وأقوى مرتبة، إذن الشمس لها جمال
وهو نورها، ولها جلال وهو أنها ملكت من النور أعلى مرتبة، وأعلى درجة، فليس فوقها
درجة من درجات النور المادي، لذلك جمال الشمس في جلالها، وجلالها في جمالها،
جلالها وهو أن نورها لا مثيل له، هو في جمالها - أي نورها - وجمالها في هذه الصفة
التي امتلكتها وهي أن نورها لا مثيل له، ولا نظير له.
كذلك الله تبارك وتعالى، جماله في
جلاله، جلاله في جماله، مثلا: القدرة صفة جمالية، إذا لاحظنا القدرة من ناحية
إيجابية نعتبرها صفة جمال، وإذا لاحظنا القدرة من ناحية سلبية، هو قادر بمعنى أنه
ليس لقدرته حد، وليس لقدرته أمد، صارت القدرة صفة جلالية، هذه القدرة مظهر لجماله
إذا لاحظناها بناحية إيجابية، وعبرنا عنها بعبارة إيجابية، وهذه القدرة عينها هي
مظهر لجلاله إذا عبرنا عنها بصفة سلبية، قلنا ليس لقدرته حد، وليس لقدرته أمد، إذن
قدرته جمال وجلال.
أيضا حياته، عندما نعبر عن الحياة
بعبارة إيجابية، نقول الله حي، هذه صفة جمالية، أما عندما نعبر عنها بصفة سلبية
فنقول حياته لا يحدها موت، ولا يحدها عدم، أصبحت حياته صفة جلالية، جلاله في
جماله، وجماله في جلاله تبارك وتعالى.
الامرالتاسع: ظهور صفة القيومية
نحن نقرأ أنه من صفات الله أنه قيوم
﴿لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ ما معنى القيوم؟
القيومية بمعنى السيطرة، بمعنى الحكومة،
السيطرة والحكومة ونفوذ الأمر في هذا الوجود كله هو قيوميته تبارك وتعالى ﴿أَلَا
لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ قيوميته يعني سيطرة أمره ونفوذ حكمه.
كل إنسان يسيطر على أعصابه فهو يحمل
صفة من صفات الله، ألا وهي صفة القيومية، الإنسان الذي يمتلك سيطرة على انفعالاته،
وعواطفه، ومشاعره، من كان عقله حاكما على انفعالاته، من كانت إرادته هي المسيطرة
على قواه، على انفعالاته، على عواطفه ومشاعره، فهذا الإنسان يحمل صفة القيومية،
الإنسان المسيطر على مشاعره وانفعالاته إنسان قيوم، يعني قائم على جميع انفعالاته،
وحركاته، وسكناته.
كانت السيدة زينب صلوات الله عيها
مظهرا لحكومة الإرادة، ومظهرا لسيطرة العقل، ومظهرا للقيومية، فهي مظهر لجمال الله
وجلاله (( ما رئيت الاجميلا)).
الامر العاشر: الجمال فوق الرضا
عندما نقول ان هناك مشكلة يعني اننا نقر بوجود حالة عدم
رضا ـ ولدراسة مفهوم عدم
الرضا يقودنا للبحث عن مفهوم الرضا
نفسه ، والرضا كما هو معروف ضد السخط ويعني ملخص هذا المعنى ان المراد هو تقبل ما يقضي به الله عز وجل من غير تردد ولا معارضة ، البعض يراه نتيجة لصحة العلم والمعرفة ، والبعض الآخر
يراه سكونا نتيجة الايمان ، وهو ثمرة من ثمار المحبة ،أي
يفرغ القلب تماما لله سبحانه تعالى ، وهذا الذي جعل مولاتنا زينب عليها
السلام ، لا ترى في طف كربلاء الموت والذبح والاسر والسبي الا جميلا لأن
الرضا تكامل لله سبحانه تعالى وتم افراغ
القلب له ، فمن ملأ قلبه من الرضا ،ملأ
صدره ثراء ، لو تأملنا في هذا الجميل الذي
رأته مولاتنا سلام الله عليها ، ضمن الرؤى المعاصرة حيث اعتبر العلماء ان الرضا كمتغير مستقل يؤثر
في سلوك الانسان ، يتأثر تاثرا مباشرا في
قيم الراتب والأجر المادي وفي نظام المنح
وهذه الأمور هي نفسية ـ اجتماعية ـ مادية تؤثر على الروح المعنوية،
وملاتنا زينب عليها السلام لوجعلناها ضمن
أجواء هذه التفسيرات التحليلية المعاصرة ،فهي رات بروحها المعنوية العالية ، ما
خلف كربلاء القتل والذبح والاسر ،رأت روح كربلاء المقدسة تلك الروح التي قدمت الضحايا قرابين لله سبحانه
تعالى ، هي ادركت سر المنح الإلهية والترقيات
المذهلة لشهداء الطف ورأت منازلهم في الجنة ، وبهذا المعنى تعتبر مولاتي
زينب عليها السلام مؤسسة لمدرسة
العلاقات الايمانية , وردّت الاعتبار للسلوك الإنساني ،علمته كيف ينظر الى وجدان العمل ، وكل عمل له اجر وظيفي واجر
الهي لهذا العطاء المعنوي ، أي بمعنى آخر الحصول
على الرضا من خلال النظر الى
الأمور معنويا ، الشعور بالنجاح بوجود ثمرة
هذا العطاء ، القناعة التي توصل الانسان الى السعادة ، ولم يبق امام الحسين واصحابه عليهم السلام
سوى اثبات روح المثابرة بالتضحية ، هذا هو جوهر الانتماء الى المدرسة التضحوية
الحسينية أي المدرسة الوجدانية ،وهذا بعض الذي رأته مولاتي زينب عليها السلام ، وهي شخصت لابن اخيها
الامام زين العابدين ^(.. سيرفع بهذا الطفّ عَلماً لقبرِ أبيك سيّد الشهداء لا
يُدرَسُ أثرُه، ولا يَعفو رسمُه على كُرور الليالي).
الامر الحادي عشر: الرؤية في عين السيدة زينب ÷
إنّ السيدة زينب ÷لم تشاهد الدماء
والجراح، بل كانت ترى الشهادة وريح الجنة، والأجر الذي يناله الشهداء، السيدة زينب
عليها السلام كانت ترى معاني الوفاء والحب لأخيها الحسين × من قِبل أهل بيته، ولا سيّما من إخوته، وكيف
ضحّت السيدة أُمّ البنين بأولادها لنصرة أخيهم، ومن أبناء أبي طالب، كانت ترى
شجاعة الفرسان وقتالهم البطولي أمام جيش جرّار من أعداء الله، كانت ترى شباباً
يتسابقون للفوز بالجنة، وفضل الاستشهاد بين يدي إمامهم، كانت ترى النساء وهن يدفعن
برجالاتهن من الأزواج والأبناء للقتال مع ابن بنت رسول الله، كانت ترى كيف أنّ
أخاها العباس × رمى الماء من يديه عندما
تذّكر عطش الحسين × ، كانت ترى صبر بنات وزوجات الحسين × كيف وقفن في نصرة الإمام وتحملن كلّ ما أصابهن
من الأحداث الأليمة والمفجعة، وغيرها من المعاني السامية والمواقف الجليلة التي
يمكن لها وحدها أن تراها؛ لأنّها ليست من النساء اللاتي جئن لأجل النصر والفوز
بكرسي الخلافة، أو ملك الكوفة، أو غيرها، بل إنّها خرجت في أمر رسالي يتحتّم عليها
القيام به، بوصفه واجباً شرعياً طاعةً لإمام زمانها، وقد حققت هذا الغرض كاملاً
غير منقوص منه شيئاً، ولهذا ما كانت لتنظر إلى سيئات الآخرين وإساءاتهم، بل كانت
تبحث كيف تؤدي رسالتها على أكمل وجه، فكان أن رأت الجمال بكامله.
الامر الثاني عشر: للبلاء إيجابيات
للبلاء عناوين جمّة كالفقر، والمرض،
والموت، وغيرها. وحين نسمعها نستحضر معها سلبياتها من المرارة والحزن والألم وغير
ذلك.
إلا أنّ للبلاء إيجابيات، جعلتها
زينب (عليها السلام) عناويناً لها في كربلاء، فغدت المرأة العظيمة التي تقتدي بها
كل النساء. ومن إيجابياته:
1. بناء الشخصية القوية للإنسان:
وهذا ما يظهر جلياً من خلال دراسة الأشخاص المتفوقين، فالشخصية الفذة للعالِم
الناجح لا تصبح كذلك إلا بدراسة مضنية، امتزجت فيها المصاعب والمعاناة. وأمير
المؤمنين يشير إلى هذه الحقيقة في قوله: "ألا وإنّ الشجرة البرِّيَّة أصلب
عوداً، والروائع الخضرة أرق جلوداً".
2. تصويب المسار: فالبلاء يساعد في
تصويب مسار الإنسان، في حياته، وقد يوقظه من غفلته. يقول الله في محكم كتابه:
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا
مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ ([13]).
3. تعويض الآخرة: إنّ البلاء يعقبه
تعويض أخروي يريح المعتقد به، فقد ورد عن التبي محمد (| ): "إنّ في الجنة
شجرة يُقال لها شجرة البلوى، يؤتى بأهل البلاء يوم القيامة، فلا يُرفع لهم ديوان،
ولا ينصب لهم ميزان، يصبّ عليهم الأجر صباً".
من هنا، عندما يعترضنا أي بلاء،
علينا دائماً أن نحمد الله تعالى:"الحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروه
سواه". فالحمد هو ثناء على لوحة الجمال الربانية، وشكر على عطاء الله تعالى
بسبب بلائه.
وإننا حينما نستحضر آثار البلاء
ونتائجه الإيجابية، سنفهم سر نظرة السيدة زينب (÷) إلى ملحمة عاشوراء، التي
استحضرت فيها أنّ نهضة الحسين (× ) أبقت الإسلام حياً، وأن هذه النهضة منعت قافلة
الإنسانية من الانحراف في مسيرتها، وأن هذه النهضة صنعت عشّاقاً شهداء لا يسبقهم
أحد قبلهم ولا يلحق بهم أحد بعدهم.
لذلك قالت السيد زينب (÷): "ما
رأيت إلا جميلاً".
الامر الثالث عشر: التوحيد والجمال متلازمان:
صحيح أنّ مقتضى التوحيد الأفعاليّ
أنّ الفاعل والمؤثّر الوحيد هو الله, فإذا كان الفاعل الوحيد هو الله وحصل ما حصل
في الطفّ فلا بدّ من وجه جميل للفعل، فزينب رأت بعين اليقين الجمال الإلهيّ
المتجلّي من الملكوت إلى كلّ العوالم بما فيه الدنيا, فكلّ هذا الجمال هو تجلٍّ
لجماله تعالى فإنّ الله كامل الجمال وكامل الجلال ولا يصدر عنه إلّا ما هو جميل
فلو كان ما كتبه على إنسان الحياة فهو جميل، وإن كان ما كتبه الموت أو القتل فلا
بدّ أنّه جميل، فالغنى والصحّة والقوّة جمال، وعكسها من فقر ومرض وضعف أيضاً جمال,
ويمكن تصوير جمال الصنع الإلهيّ بأنّ الحسين والشهداء وكذلك السبايا كانت نفوسهم منطوية
على بحر من الجمال من التوحيد إلى حسن الظنّ به تعالى إلى الاستعدادات للتضحية
والإيثار والشجاعة والبطولة وغيرها، فجاءت أحداث كربلاء لتفتح لهذا العذب الزلال
طريقاً ليتدفّق راوياً عطش النّفوس على مدى الأزمنة إلى نماذج وقدوات.
وثانياً لقد شكّل الحدث في عاشوراء
ساحة لأمرين, الأوّل: هو إظهار هذه الجواهر البرّاقة والكواكب الزاهرة في سماء
البشريّة، والثاني: كان الحدث ليشكّل مكاناً يعرض مبدعها ومكوّنها هذه الجواهر
ليستقطب بها النّفوس، لتصنع على عينه تعالى على يدي الحسين × .
وقد عبّرت عن ذلك بقولها:
"هؤلاء قوم كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم".
الامر الرابع عشر: ايثار المصلحة العامة علي المصلحة الخاصة
الإمام × کتب لبني هاشم وصيه: من لحق بنا منکم استشهد،
ومن تخلف لم يبلغ الفتح ([14]).
عادة في کل سفر نروم القيام به فلابد
ان نبحث عن ادوات الراحه من خلال وسيله السفر والمکان الذي نقصده والظروف المحيطه
بالسفر. في حين ان هؤلاء النساء لما خرجن مع الإمام لم يسألن عن مفردات الراحه وقد
ترکن بيوتهن لنصره الإمامه کما ترکت السيده زينب عليها السلام بيتها وزوجها المريض
لنصرة الإمام. فهؤلاء خرجن في سفر صعب وشاق للغاية فقد کان الجانب الأمني في هذا
السفر مبهماً ولا يمکن تثبيته أبداً، فهو سفر محفوف بالمخاطر وإليه اشارت أحاديث
الرسول | وسلم السابقه التي تنذر بکارثه في نهايه المطاف. ثم هو سفر طويل في ظروف
صعبه وحرجه. والغايه من هذا السفر هو نصره الإمامه والدين .. وهو هدف کل البعد عن
الغايات الذاتيه المحدده.
علي هذا لا نجد في قاموس الذين خرجوا
مع الإمام من المدينه رجالاً ونساء هدفا واضحا سوي مصلحه الدين وحمايه الإمامه لا
أکثر. وبذلک ضربت هؤلاء النساء أعلي درجات التسامي في هذا الإيثار الکبير الذي خاب
فيه الکثيرون.
يقول الشيخ مرتضي مطهري: الشيء
الوحيد الذي لا يمکن ان نراه مطلقاً في منطق الإمام الحسين × هو منطق المنفعه والمصلحه الذاتيه. فکربلاء کلها
کانت سيراً إلي الله. ([15])
الامر الخامس عشر: ملحمة التوحيد في الأفعال ومسؤوليه الاختيار
ومن خلال جواب السيدة زينب (÷)
بقولها «ما رأيت إلّا جميلاً»، قامت ببناء في باب المعرفة الإسلامية والبشرية والثقافية
وفي عقليه الأمَّه أنَّ هناک ميز بين فعل الله وفعل المخلوق، ويجب أنْ يکون لدي
الإنسان في الواقعة الواحدة، وفي الموجود الواحد قدره تمييز، عقل وتعقل مميز، بين
ما هو فعل الله وبين ما هو فعل البشر؛ إذ لو کانت امرأه عاديه أو مجرد مؤمنه صالحه
لکانت تقول الحمد لله علي کل حال وتصبر علي بلاء الله، وهذا يکون جواباً من الأجوبة
قدْ يعتمده الصالحون من أهل التقوي وهو الصبر علي قضائه جلَّ وعلا.
في حين السيدة زينب (÷) لم تتخذ مثل
هذهِ الأجوبة بلْ قالت«ما رأيت إلّا جميلاً»، يعني رشحه من نور القرآن من قبيل
قوله تعالي: وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ .فکلامها نفي ولکن علي تقدير «ما رأيت»،
فأين الصوفيه، وأين العرفاء من کلام السيده زينب (÷)، ففي حادثه عظيمه بکت لها
ملائکه السماء والأرض «مصيبه ما أعظمها وأعظم رزيتها في الإسلام وفي جميع السماوات
والأرض» وفي کل هذا تقول السيدة زينب (÷) «ما رأيت إلّا جميلاً»، بلْ لم تقل ما
قاله سيد الشهداء (× ) «صبراً علي قضائك يا رب، لا إله سواک يا غياث المستغيثين،
ما لي رب سواک ولا معبود غيرک، صبراً علي حلمک ... »فهي (÷) لم تعتمد مثل هذهِ
الروئي والأجوبه رغم کونها حقّه ولأشبهه فيها، بلْ اعتمدت معادله علميه من الأسس
فوق هذهِ المعادلات «ما رأيت إلّا جميلاً».
الامر السادس عشر: من يتحمّل البعد السلبيّ؟
بحسب عبارة السيّدة زينب ÷البعد
السلبيّ أمر ظرفيّ ومؤقّت ومحلّه تلك البرهة من الزمن وأشارت إلى ذلك لإزعاج ابن
زياد عن نومه وإيقاظه من سكرته فقالت: "وسيجمع الله بينك وبينهم".
أي أنّه سينتهي هذا اليوم دنيويّاً
ولكن ستبقى آثاره أخروياً. وبالتالي ثمّة عالم هو عالم المحاججة والمخاصمة وهو
عالم ظهور الحقائق, وهناك يُنصف المظلوم وينتصف من الظالم.
فلا تظنّن حيث فعلت ما فعلت أنّك
صاحب حقّ وأن بآل البيت على الله هواناً.
الامر الثامن عشر: عندما يكبر الإنسان تكبر
ذائقته
"إن الأبرار يشربون من كأس كان
مزاجها كافوراً " أيضاً من خصائص الأبرار أن آفاقهم واسعة لا حد لها ..
إدراكهم واسع .. روحيتهم واسعة واعية لا حد لها ، لاحظوا حتى ندرك اتساع الرؤية ..
الإنسان عندما تكون روحه واسعة كالبدن عندما يكون كبيراً فإنه لا يلبس ثوباً
صغيراً ، فالروح إذا كانت واسعة فهي لا ترضى إلا بالعلوم الواسعة والعبادة الواسعة
، وعندما تضيق الروح يصبح تعاطيها تعاطي طفولي .. إدراكها إدراك طفولي ، بعض
العلماء مثل الشيخ قراءتي - تخصص في التفسير والبحث عن الروايات - عنده التفاتة
لطيفة لمقولة زينب (÷) " ما رأيت إلا جميلاً " ماذا تعني هذه المقولة ؟!
لاحظوا أن الطفل عندما تضع له سفرة
مليئة بأصناف الأطعمة وبجانبها حلاوة ، فهل الطفل سيأكل هذا الأكل أم أنه سيطلب
الحلاوة ؟! أصلاً لا يستلذ إلا بالحلو ، فالمالح لا يراه حلواً وكذلك الحامض ،
فعندما يكبر الإنسان تكبر ذائقته .. يكبر مزاجه .. يرى حتى المالح لذيذ .. يرى حتى
الحامض لذيذ ، أيضاً إذا كبر مزاجه كبر إدراكه للأمور... وسوف يرى حتى المر جميل
.. المر الذي وراءه هداية الآخرين لأنه بر فهو جميل .. ، حتى العذابات التي ينتج
منها الهداية و الشفاعة و الطاعة حتى هذا يراه جميلاً .
في الرواية عندما ولد الإمام الحسين
(× ) دخل رسول الله (| ) على الصديقة الزهراء (÷) فأخذ الحسين (× ) وجلس يبكي ،
فقالت : هل هناك شيء يا رسول الله ؟! ، فكفكف دموعه وقال لها : هذا الطفل تنقلب
عليه أمتي فبكت ، فقالت : لا حاجة لي به ، قال لها : فيقتل فبكت ، فقالت : يا رسول
الله لا حاجة لي به ، قال لها : تُروّع به أخته فبكت ، فقالت : يا رسول الله لا
حاجة لنا به ، فكلما قال لها شيء قالت يا رسول الله سل الله أن يأخذه فلا حاجة لنا
به ، لأنه كل هذه فيها عذابات . . حتى قال لها : فيبعث الله أقواماً تبكي عليه
فيدخلون بذلك الجنة فسكتت . لأن الزهراء (× ) بهذه الروح الواسعة البارة تريد أن
توجد منفذ لإنقاذ الناس ، فالروح عندما تضيق فإنها لا تدرك هذه المعاني أصلاً .
زينب سلام الله عليها عقيلة العرب،
وهذا اللقب الخاص بها مرتبط بقول المولى أمير المؤمنين × : {وبالعقول تعقتد
معرفته}، فهي (سلام الله عليها) صاحبة هذا المقام.
عندما قال ذاك اللعين (عليه لعائن
الأزل والأبد) لها سلام الله عليها: (كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك)، أجابت
زينب سلام الله عليها: {ما رأيتُ إلاّ جميلاً} 145.
ولكن هلْ يمكنك أنت أنْ ترى هذا
الجميل؟
تلك العين التي رأت هذا الجميل هي
عين إلهيّة متّصلة بالمبدأ، ومن هنا كانت تقول: {ما رأيت إلاّ جميلاً}.
الامر التاسع عشر: دلالة الفعل والمقصد
دلالة الفعل، فالفعل مضافاً إلى حجية
إسناده للفاعل، له دور آخر، وهو دلالته على مقاصد، ودواعي الفاعل من الفعل، فمن
ثمّ أُطلق الكلام الإلهي على أفعال الله تعالى، كقضاء الله سبحانه فعل من أفعال الله،
وقدره كفعل آخر، وكذلك فعل مشيئته، فكلٌ منها مرتبة من الكلام الإلهي يكشف به عن
مقاصد إلهية، فالفعل والإيجاد في عالم الخلقة كلامٌ حقيقي، دال على معاني ومقاصد
وراءه، وذلك بتوسط التحليل المُمعن غوراً، ومن أمثلة قراءة قضاء الله تعالى وقدره
ككلام وإرادة ما جرى من خطاب عبيدالله بن زياد لعنه الله للعقيلة زينب سلام الله
عليها، من قوله:
«كيف رأيت صنع الله بأخيك، قالت: ما
رأيت إلّا جميلًا».
فإنه حاول أن يجعل قراءة قضاء الله
وقدره كفعل إلهي دال على قصد الله تعالى بالنكاية والنكال لسيد الشهداء (× ) وهذه قراءة مزيفة لمدلول
فعل الله بما هو بمثابة كلام إلهي دال على مقاصد إلهية.
فأجابته (÷بأن مدلول قضاء الله
وقدره، جمال مديح لموقف سيد الشهداء، ودللّت على ذلك بما قالت (÷): «وسيجمع الله
بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلَج، ثكلتك أمك يا بن مرجانة». فأشارت
بأنَّ قضاء الله وقدره في كربلاء إنما يُحسن قراءته، والصواب في قراءته هو بضميمة
قضاء الله وقدره في العاقبة، فلا يصح بتر الأفعال الإلهية عن بعضها البعض لأنها
بمثابة كلام يفسّر بعضه بعضاً، وعلى أية حال، فهذا دليل على أن الفعل الإلهي،
حقيقته كلام وتكلّم منه تعالى مع البشر والمخلوقات، ولكنه إنما يحصّل قراءته من
يلمّ بمجموع الأفعال الإلهية، ليكون متوفراً على مجموع الكلام والكلمات الإلهية.
ونظير ذلك ما قاله عبيدالله بن زياد
لعنه الله للإمام السجاد (× )، «ألم يقتل الله علياً»، فأجابه (× ): «كان لي أخ
يدعى علياً قتله الناس ... ».
فحاول ابن زياد زيفاً أن يُسند فعل
الناس إلى الباري (عزوّجل)، ويجعله فعلًا له، كي يقرأ منه أن المقصد الإلهي السخط
على نهضة سيد الشهداء؛ فكذبّه الإمام زين العابدين (× )، بأن هذا الفعل هو فعل
الناس وليس فعل الله، فهذا وأمثاله نمط لقراءة الفعل بمثابة كلام دال على غايات
ومقاصد وهذا منبع ومصدر لقراءة الوقائع والأحداث([16]).
الامر العشرون: إن التوافق مع الله توفيق
للمعية اقسام كثيرة وقد بينها في
كتابنا شرح زيارة عاشوراء
ومنها
المعيّه المعنويّه: وهي التوافق
الروحي بين شخصين أو شيئين، بحيث تتشابه الأفعال والسيرة، وحتّي النوايا أحياناً.
والمطلوب للزائر هي هذه المعيّه الروحية.
وروي أن يونس عليه السلام قال
لجبرئيل × دلني على أعبد أهل الأرض فدله
على رجل قد قطع الجذام يديه ورجليه، وذهب ببصره وسمعه، وهو يقول: متعتني بها ما
شئت، وسلبتني ما شئت، وأبقيت لي فيك الامل يا بر يا وصول.
وروي أن عيسى × مر برجل أعمى أبرص مقعد، مضروب الجنبين بالفالج،
وقد تناثر لحمه من الجذام، وهو يقول: " الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به
كثيرا من خلقه " فقال له عيسى عليه السلام: يا هذا وأي شئ من البلاء أراه
مصروفا عنك؟ فقال: يا روح الله أنا خير ممن لم يجعل الله في قلبه ما جعل في قلبي
من معرفته، فقال له: صدقت، هات يدك، فناوله يده، فإذا هو أحسن الناس وجها وأفضلهم
هيئة، قد أذهب الله عنه ما كان به فصحب عيسى عليه السلام وتعبد معه.
وعن أبي الدرداء قال: كان لسليمان بن
داود عليه السلام ابن يحبه حبا شديدا، فمات فحزن عليه حزنا شديدا، فبعث الله عز
وجل إليه ملكين في هيئة البشر فقال ما أنتما؟ قالا: خصمان، قال: اجلسا بمجلس
الخصوم، فقال أحدهما إني زرعت زرعا فأتى هذا فأفسده، فقال سليمان عليه السلام: ما
يقول هذا؟ قال أصلحك الله إنه زرع في الطريق، وإني مررت فنظرت يمينا وشمالا فإذا
الزرع، فركبت قارعة الطريق، وكان في ذلك فساد زرعه، فقال سليمان ما حملك على أن
تزرع في الطريق؟ أما علمت أن الطريق سبيل الناس، ولابد للناس من أن يسلكوا سبيلهم.
فقال له: أحد الملكين أو ما علمت يا
سليمان أن الموت سبيل الناس، ولابد للناس أن يسلكوا سبيلهم؟ قال: فكأنما كشف عن
سليمان عليه السلام الغطاء، ولم يجزع على ولده بعد ذلك([17]).
يقول العارف الواصل المرحوم الحاج
ميرزا محمد إسماعيل دولابي +:
إذا لم يتوافق الإنسان مع الله، فمع
مَنْ سوف يتوافق؟ ومع مَنْ تكون الأمور حسنة؟ إن التوافق مع الله توفيق وطبعاً
التوافق هو نفسه التوفيق. سئل أحدهم: أليس لدينا توافق مع الله؟ قال: لا!! إذا
لديك مورد واحد اِئْتِ به، وإذا كان لديك مورد واحد فهو قليل. محمد وآل محمد '
بصورة حسنة وجميلة توافقوا مع الله وأرونا ذلك أيضاً. ألم ترَ ماذا قالت السيدة
زينب × لابن زياد؟ قالت ÷:
{ما رَأيتُ إِلاّ جَميلاً}.
قيل لها: كيف رأيت صنع الله بأخيك
الحسين؟
قالت السيدة زينب ×: {ما رَأيتُ
إِلاّ جَميلاً} بأيّ قدر كلامها جميل وطاهر! كيف كانت متوافقة مع الله وبأي قدر
جميل، وفي أي مكان أيضاً، وفي مقابل أي شخص وفي أي محل؟
{ما رأيتُ إِلاّ خيراً الحمدُ للهِ
الذي خَتَم لِأَوَّلِنا بالسَّعادَةِ والمَغْفِرةِ ولآخِرِنا بالشَّهادَةِ
والرَّحمةِ}.
الامر الحادي والعشرون: عمق توحيد الله وحبه
تعالى
في موقف مولاتنا السيدة زينب ÷وردها
على ابن زياد: "ما رأيتُ إلا جميلا .. " ولم تقل ما رأيت في كربلاء إلا
جميلا! بل صرّحت بإطلاق رؤية الجميل! أي أنها منذ أن رأت لم ترَ من الله إلا
جميلا!! في كربلاء وقبلها وبعدها، وفي هذا غاية الرضا بقضاء الله، وغاية الشكر له،
والنظر إلى عواقب الأمور دون الغرق في تفاصيل الراهن.
لاحظ، كأنّها سلام الله عليها تريد
أن تقول: إنّ كربلاء لها وجهان: وجه مظلم تجسّدت فيه المأساة بكلّ معانيها، مع ما
يصحبها من الألم واللوعة والدمعة، والوجه الآخر جميل، فيه التضحية والفداء والوفاء
والإيثار والتفاني والمواساة، وكلّ المعاني الخيرة، وكأنّها تقول: أنا أرى جمال
المنظر، فإن كنت تريد أن تكسرني بهذه الكلمات فأنا غير منكسرة، أنا ابنة علي عليه
السلام ذلك الجبل الأشم، وأُخت الحسين عليه السلام ذلك البطل المقدام.
الامر الثاني والعشرون: التسليم والرضا بقضاء
اللهِ وقدره..
إنَ الناس بالنسبة إلى القضاء
والقدر، ينقسمون إلى قسمين: المتبرم، والصابر..
القسم الأول: المتبرم.. ليسَ هُنالكَ
من يستثنى منَ البلاء، ولو عاشَ الإنسان عيشة الفراعنة والقياصرة والأكاسرة؛
فإنّهُ سيأتيه الموت!.. مثلاً: لو بقيَ الإنسان في نشاط الشباب إلى سن المائة
-وهذا الفرض فرض باطل لا معنى لهُ- فإن أقل بلاءٍ لهُ أنّهُ سيغادر هذا النعيم!..
والمتبرمونَ صنفان:
أولاً: متبرمٌ صريح: إن بعض الناس
عندما ينزل عليهِ البلاء؛ فإنه يكفر باللسان؛ وهذا قسم قليل.. أو يجزع عند
المصيبة؛ فهذا لا ينال أجراً في الآخرة، ولا مقاماً في الدنيا!..
ثانياً: متبرمٌ غير صريح: إن هناك
كثيراً منَ المسلمين لا يصرحونَ بما في قلوبهم، ولكنهم في سويداء القلب، يتمنون
غير ما وقع.. كأن يقول الإنسان في نفسه: يا رب، لمَ قبضتَ ولدي؟.. أو لمَ أخذتَ
مالي؟.. فبمجرد هذا التمني هو أصبح متبرماً منَ اللهِ عزَ وجل.. المؤمن لا يقول:
"لو" فعن النبي (d ) أنه قال: (...وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي
فَعَلْتُ؛ كَانَ كَذَا وَكَذَا.. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ، وَمَا شَاءَ
فَعَلَ!.. فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ).. فإذن، هذا قسم متبرمٌ
ومعترض على قضاء اللهِ وقدره، ولكنه لا يصرح؛ استحياءً واحتراماً لمقام الربوبية.
القسم الثاني: الصابر.. إن الصابر
غير متبرم، ولا يتجرأ أن يتمنى -ولو في قلبه- غير ما وقع.. هذا أيضاً قسمٌ جيد، لا
هو في الأعلى، ولا هو في الحضيض، يصبر على ما أصابهُ.. وعامة المؤمنين في أحسن
التقادير من هذا القسم الصابر!.. ولكنّ الصابرين أيضاً صنفان:
أولاً: الراضي: مثلاً: الإنسان الذي
في المستشفى، يصبر على حقن الإبر، وعلى العمليات، وعلى غيرهِ.. ولكن ليسَ معنى
ذلك: أنه راضٍ بما يجري، فهو يصبر؛ ولكنه غير راضٍ عما يحدث له.. أما مقامُ الرضا
بقضاء اللهِ -عزّ وجل- وقدره، فهو أن يرى العبد كل ما يجري عليه جميلاً جداً.. كما
قالت السيدة زينب -عليها السلام- عندما شمت بها ابن زياد قائلاً لها: "كيفَ
رأَيت صنعَ اللهِ بأَخيكِ وأَهل بيتكِ"؟!.. فقالتْ: (مَا رَأَيْتُ إلاَّ
جَمِيلاً)!.. هذا هو مقام الرضا بقضاء اللهِ وقدره.
ثانياً: المسلّم: وهذا الذي كانَ
فيهِ الإمام زين العابدين -عليهِ السلام- والسيدة زينب الكبرى -عليها السلام-..
فالصابر يرى لنفسهِ وجوداً، والمستسلم يرى لنفسهِ وجوداً، ولهذا قد يُعجب فيقول:
أنا الذي استسلمت، أنا الذي صبرت.. ولكن المُسَلم لا يرى لنفسهِ وجوداً، يرى يد
اللهِ -عز وجل- تقلبهُ يميناً وشمالاً.. فالإمام الحسين -عليه السلام- يوم
عاشوراء، كان يقول وهو يجود بنفسه: (هَوّنَ ما نزلَ بي؛ أنّهُ بعين اللهِ عزَ
وجل)!.. كان مُستسلماً للقتل، وزينب -عليها السلام- أيضاً كانت مستسلمة للسبي؛
لأنَ الله -عز وجل- شاءَ أن يراهُ قتيلاً، وشاءَ أن يراهنَ سبايا.. هذا هو مقامُ
التسليم!.. والذي يصل لهذهِ الدرجة منَ التسليم؛ فإنه لا يرى إلا الجميل في هذا
الوجود.
كيفَ نصل لدرجة التسليم؟..
- المعرفة النظرية.. كي يصل الإنسان
إلى درجة التسليم، عليه أن يعرف الهَدف من خلقة الوجود، ألا وهو التعرّف عليه، فقد
ورد في الحديث القدسي: (كُنتُ كنزاً مخفياً، فأحببتُ أن أعرف؛ فخَلقتُ الخَلقَ لكي
أُعرف)!.. إذن، رَب العالمين خَلقنا لنصلَ إليه، والطريقُ إلى اللهِ -عَزَ وجل-
يَمرُ من خلال تحمل البلاء.. فهذا الإمام زين العابدين -عليهِ السلام- يقول في
خطبته: (الحمد لله الذي لا بداية له، الدائم الذي لا نفاد له، الأول الذي لا أول
لأوليّة، والآخر الذي لا آخر لآخريّتة له، الباقي بعد فناء الخلق).. فمعرفةُ الله
حَقَ المعرفة، من موجبات التسليم بقضاءِ اللهِ وقدره؛ لأنه هو القابض، وهو
الباسط.. فهو الذي يعطي، وهو الذي يأخذ.. لذا، فإن المؤمن عندما يموتُ ولده، يقول:
يا رب، أنت الذي أعطيتني هذا الولد أمانة، والآن أخذته، واسترددت أمانتك!.. يقول
ذلك بكُلِ معنى الكلمة، لا من باب المجاملة!..
آثار الرضا والتسليم..
أولاً: الارتياح.. إن المؤمن إذا
وصلَ إلى مرحلة التسليم، يعيش أحلى لحظات الوجود؛ لأنّهُ بينَ يدي اللهِ عز وجل..
فالألم الذي يجري في بدنهِ، يراه محبوباً عند اللهِ -عزَ وجل-؛ فيحب هذا الألم؛
لأنَ اللهَ يحب ذلك.. وإذا وقعَ في الفقر، أو المرض، أو في الإفلاس - غير
الاختياري؛ لأن الإنسان تارة لا يتقن التدبير.. مثلاً: إنسان غير اقتصادي، لا يراعي
قواعد المهنة؛ فهو بسوء تصرفه وقع في الإفلاس؛ فهذا غير معلوم أنه يؤجر على فعله
-؛ هذا الإنسان يعيش أعلى درجات الارتياح النفسي!...
ثانياً: الشجاعة.. إن الرضا بقضاء
الله -عز وجل- والتسليم لأمره، يجعل الإنسان شجاعاً مقداماً.. ومن الأمثلة على
ذلك، موقف الإمام زين العابدين -عليه السلام-، وعمته السيدة زينب -عليها السلام-
من يزيد بعد واقعة عاشوراء:
(كيف رأيتِ صنع الله بأخيكِ الحسين)
فقالت: «ما رأيت إلاّ جميلا»، فإنّ قتل الحسين وإخوته وأولاده وأصحابه عندما ينسب
إلى الله تعالى فهو جميل، وعندما ينسب إلى يزيد فهو قبيح،
فالكون في حركة كمالية والله تعالى
يفيض فيضه على الخلق كلّه سواء كان كافراً أو مؤمناً، فإنّه تعالى يعطي الجميع
ومثله تعالى عن ذلك: (مثل الفلاّح الذي يسقي الشجر ومراده الثمر، ولكن يشرب كلّ ما
في الأرض حتّى الحشائش الغير مقصودة بالذات)، فالكون بمثابة بستان الله تعالى
ومراده من هذا البستان أشجار معدودة، ولكنّ الرحمة الإلهيّة تنال الجميع.
فالشجرة المحمّدية والدوحة العلوية
هي التي تستحقّ الفيض الإلهي ومن يسير عل نهجهم، وباقي الناس كالحشيش يطئه المارّة
بأقدامهم (عليّ الدرّ والذهب المصفّى وباقي الناس كلّهم تراب)، فالذي يستظلّ بهذه
الشجرة هو الذي فكّر وعرف الحقّ، وصار تفكيره في ساعة خير من عبادة سبعين عاماً،
فبالتفكّر تفتح الآفاق الجديدة، وبالتأمّل تذهب الغفلة، وبالتعقّل يذكر الإنسان
ربّه.
[1] / مقتل الحسين للخوارزمي: ج 2 ص 42.
[2] / نهج البلاغة - بشرح عبده - ج 1 ص 41
[3] / ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق (بتحقيق
المحمودي) ج 3 ص 303 .
[4] / نفس المهموم ص 206.
[5] /نفس المهموم ص 208 .
[6] / نفس المهموم ص 371 .
[7] / مفاتيح الجنان، 608.
[8] / المصدر نفسه، 610.
[9] / مسكن الفؤاد: 28.
[10] / أوصاف الأشراف، 51.
[11] / البقرة: 155.
[12] / البلاغة الواضحة، 217.
[13] / سورة فصلت 51.
[14] /المقرم ص 66.
[15] /مطهري الملحمة الحسينية.
[16] / الشعائر الحسينية، ج 3، ص: 375.
[17] / بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٩ -
الصفحة ١٥٤
تعليقات
إرسال تعليق