ام البنين عليها السلام
الباكية على الإمام
الحسين ×
بكت حتى عميت
وكانت أمّ جعفر الكلابيّة تندب الحسين وتبكيه وقد كفّ بصرها.
فكان مروان وهو وال المدينة يجي ء متنكّراً باللّيل حتّى يقف، فيسمع بكاءها وندبها(
الباكية على الإمام الحسين عليه السلام
ان البكاء على الإمام الحسين عليه السلام له التأثير الكبير في علاج امراض الروح ، ونقاء
اجواء المجتمع من الشقاء والعداء
فان
البكاء على الامام الحسين عليه السلام وعلى مصائبه ومصائب أهل بيته واصحابه ومظلوميتهم ،
الذي هو أجمل تعبير عن التعاطف والتوادد مع الإمام الحسين×وقضيته ، وأمثل تنديد
بظالميه وقاتليهم
ان البكاء
على الإمام الحسين عليه السلام هو بنفسه تعبير عن
الوقوف الى جانب الإمام الحسين عليه السلام
والانخراط في معسكره معسکر الخير والسعادة
ان آثار
العبادات انما تظهر للانسان اذا اجتمعت فيها كل الشرائط فاذا انعدم شرط انعدمت ، بينما الارتباط
بالإمام الحسين عليه السلام يظهر آثاره
للانسان بمجرد حصول الارتباط ، بلا شرط متقدم ولا مقارن ولا متأخر، وذلك لانه بسيط
وليس مشروط باي شرط مطلقا ،
ان لكل
عبادة موانع وقواطع ، وآفات وعاهات تؤدي الى حبط وابطال تاثيرها ، واحيانا الى
قلبها من عبادة الى معصية ، بل الى شرك بالله والعياذ بالله ، وذلك للوساوس
الشيطانية والتسويلات النفسانية.
أن
الارتباط بالإمام الحسين × يرتبط بالقلب
، صار دوره بین العبادات دور القلب بين الأعضاء والجوارح ، وكما أن القلب هو ملك
الأعضاء وسلطانها ، فكذلك الارتباط بالإمام الحسين × هو سيد العبادات وأشرفها ،
فالعبادة
الوحيدة التي لها دور القلب بين العبادات ، والتي لا يستطيع الشيطان أن يمسها بسوء
، ولا النفس أن تلوثها بالأهواء ، والتي هي عند الله تعالى سريعة الوصول والقبول ،
هي عبادة الارتباط بالإمام الحسين عليه السلام
والبكاء عليه ،والتوسل به
وما نال
ما ناله الأنبياء والمرسلون ، وملائكة الله المقربون من المقام عند الله والجاه
الكبير لديه الا بالارتباط بالإمام الحسين عليه السلام والبكاء عليه والمواساة معه ،
وبالجملة
فإن اسرار ووجوه اکثار الله تعالى الوحي في ذلك الى رسوله كثيرة ..
فمنها :
أن يكون ذلك التكرار والاكثار سنة الله التي لا تبدیل لها ، فيجري في الأعصار
والأمصار بين الشيعة الى ان تقوم الساعة .
ومنها أن
يزيد فضل اصحاب الكساء ودرجاتهم بالبكاء على الحسين عليه السلام عند نزول الوحي بشهادته .
ومنها :
الاشارة الى أن البكاء على الحسين عليه السلام
أفضل من جميع الأعمال الواجبة والمندوبة .
أبعاد
البكاء
الأبعاد الروحية
1. البكاء على الإمام الحسين به يكسر
القلب ويذلله، ووبذلك يقترب العبد من ربه،
فإن الله تعالى عند القلوب المنكسرة) کما في الحديث القدسي، كما أن القلب إذا صار
ذليلا فإنه يصير موضع الرحمات الإلهية
۲ - بداية السلوك إلى الله تعالى، فإن السير إلى الله
تعالى بحاجة إلى شحنة روحية، وموضعها القلب، فإذا أراد المؤمن أن يبدأ في مراحل
السير إلى الله بالتوبة واليقظة والمحاسبة فيحتاج إلى بكاء يسير به ويقطع مراحل
السير، وهذا البكاء ينشأ من التفاعل مع ذكر الإمام الحسین × .
۳ - يوجب غفران الذنوب، ويحط الذنوب العظام، فعن
الإمام الصادق : «وإنه - يعني الحسين. لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له، ويسأل أباه
الاستغفار له، ويقول: أيها الباکی لو علمت ما أعد الله لك لفرحت أكثر مما حزنت
وأنه ليستغفر له من كل ذنب وخطيئة
للبكاء أسباب ودواعي عديدة :
منها :
البكاء من خشية الله .
ومنها :
البكاء للرقة وإنكسار القلب بسبب نكبة بفقدان عزيز أو ألم بدني أو نفسي ، ويعد هذا نوعا من العلاج الذي
يحفظ توازن الإنسان عند المصيبة ، وهو ما يؤكده خبر منصور الصيقل عن أبيه قال :
شكوت إلى أبي عبدالله عليه السلام وجدا
وجدته على ابن لي هلك حتى خفت على عقلي فقال عليه السلام :
ص 61
ما أصابك
من هذا شيء فافض من دموعك فإنه يسكن عنك »(۱) وقد اوجب
بعض الفقهاء هذا النحو من البكاء إذا توقف علاج العقد والأمراض النفسانية
عليه(۲).
ومنها : البكاء
للحب والشوق إلى الحبيب ، وهذه جميعا لها امتیازها . عن غيرها ولا تتشارك مع بعضها
، إلا البكاء على الإمام الحسين عليه السلام
فإنه ضمن هذه الدواعي الثلاثة ، بل ويمتاز حتى على البكاء من خشية الله
سبحانه لأنه مضمون القبول ، كما ستعرفه من النصوص المعتبرة.
ثانيها :
أنه أسمى غاية ؛ لأن سائر أنحاء البكاء تنشأ من البكاء للنفس ، حتى الباكي من خشية
الله فإنه يبكي لخشيته على نفسه وخوفا من ذنوبه ، ولتحصيل القربة من ربه ، بينما
البكاء على الإمام الحسين عليه السلام فهو
للغير وليس للنفس . يراد به إظهار التفجع لما ألم بال الرسول عليهم السلام من أذى وظلم وإعلان التضامن معهم والنصرة
لمواقفهم وإحياء لذكرهم .
ثالثها :
أن سائر أنحاء البكاء مؤقتة وسرعان ما تزول بزوال داعيها وسببها ، وغالبا ما لا
يحصل البكاء إلا القليل من الناس ، بينما البكاء على الإمام الحسين عليه السلام فإنه ملازم لحياة الناس عموما ، ولا ينسى أو
يغفل عنه ، وهذا ما تؤكده النصوص الكثيرة التي نصت على أن الامام الحسين عليه السلام قتیل العبرة ، ما ذكر عند مؤمن ومؤمنة إلا
وبكيا ، وإن له عليه السلام حرارة في قلوب
المؤمنين لا تبرد أبدا
قال
الإمام الصادق عليه السلام : وما عين أحب إلى الله ولا عبرة من عين بكت
ودمعت عليه، وما من باك يبكيه إلا وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه، ووصل رسول الله صلى
الله عليه وآله وأدى حقنا( ).
فلأندبنّك صباحاً ومساءً ولأبكينّ
عليك بدل الدموع دماً
قيل :إنها كناية عن استمرار البكاء
وسيلان الدموع إذ الدمع ليس سوى الدم الذي ينقلب دمعة في الغدد داخل العيون، فإذا
كثر البكاء يصيب تلك الغدد عطل في عملها فلا تستطيع تحويل الدم إلى دمع فيخرج الدم
من العين.
وقيل: إن كثرة البكاء مسبب جرح
الجفون ونزول الدم، وهو قول الإمام الرضا
نال: «إن يوم الحسين أقرح جفوننا»).
قال العلامة الشيخ فاضل الصقار: وفي
المعاني: «فلئن أخرتني الدهور وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محاربة،
ولم نصب لك العداوة مناصبة، فلأندبك صباحا ومساء، ولأبكي عليك بدل الدموع دما حسرة
عليك، وتأشفا على ما دهاك وتلفة حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتئاب»
وهو دال على عدة حقائق:
الحقيقة الأولى: أن إقامة مجالس
العزاء والندبة ومواصلة البكاء والحزن على الإمام الحسين عليه السلام يأتي في الرتبة الثانية بعد نصرته والدفاع عنه
بالسيف وبذل المهجة.
الحقيقة الثانية: أن البكاء على
الإمام الحسين عليه السلام في جميع
الأوقات - بل في طول العمر - عمل مطلوب شرعا، وقد جرت عليه سيرة
(?) ولا يقتصر الأمر على قرح الجفون
بل قرح القلوب فيقول الإمام لا في الزيارة: «بابي وامي يا آل المصطفى إنا لا نملك
إلا أن نطوف حول مشاهدكم، ونعزي فيها أرواحكم على هذه المصائب العظيمة الحالة
بفنائكم، والرزايا الجليلة النازلة بساحتكم التي أثبتت في قلوب شيعتكم القروح،
وأورثت أكبادهم الجروح، وزرعت في صدورهم الغصص) فقه الشعائر الدينية:
بكاء الإمام الحجّة لمصيبة عمّته
نقل الحاج ملّا علي السلطان على
الخطيب التبريزي الذي يعدّ من العبّاد والزهّاد فقال: رأيت في المنام إمام العصر
والزمان عليه السلام وقلت له: سيّدي إنّ ما نسب إليك في الزيارة الناحية أنّك قلت:
فلأندبنّك صباحاً ومساءً ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً صحيح؟!
قال: نعم. قلت: سيّدي ما هي المصيبة
التي جعلتك تبكي بدلاً الدمع دماً؟! فهل هي مصيبة علي الأكبر؟ قال: لا، فلو كان
علي الأكبر حي لبكى هو أيضاً لتلك المصيبة دماً. قلت: سيّدي ألمصيبة عمّك العبّاس
تبكي دماً؟ قال: لا، لو كان عمّي العبّاس لبكى لتلك المصيبة دماً.
قلت: حتماً إنّها مصيبة جدّك الحسين ×
هي التي جعلتك تبكي دماً؟! قال: لا، ولو
كان جدّي سيّد الشهداء عليه السلام حيّاً لبكى من أجل تلك المصيبة دماً. قتل: ما
هي تلك المصيبة التي جعلتك تبكي دماً؟! قال: إنّها مصيبة عمّتي زينب عليها السلام([1]).
الشيخ علي ربّاني الخلخالي دامت
بركاته
قائلا :تحمل عبيد الله بن العباس
وتخرج إلى البقيع تقيم المآتم على قتيل العبرات، وتندب أولادها أشجى ندبة، وتتمنى
لو كان الحسين حياً وتموت هي وأولادها ومن على الأرض فداءً له، وكانت تتوخى من
وراء ذلك:
1 ـ إقامة المآتم على سيد الشهداء
وريحانة الرسول وتعظم شعائر الله.
2 ـ تعلن للملأ عن شجاعة الحسين
وأولادها ومظلوميتهم وتفخر بهم على التاريخ.
3 ـ تشرح أحداث كربلاء وما وقع فيها
من ظلامات لآل النبي صلى الله عليه وآله وفجائع يخجل منها كل مخلوق، وتصيغ ذلك
بأسلوب الندبة العاطفي، وتعلن بذلك عن اعتراضها على الوضع القائم وحكومة الطاغوت.
4 ـ تفضح الحكام الظلمة الذين تسلطوا
على مقدارات الأمة وحاولوا تضليل الناس، وقلب الحقائق على مرّ التاريخ، فكانت أم
البنين عليها السلام تبين الحق والحقيقة من خلال ذلك.
5 ـ تحرض الناس ضد بني أمية وأذنابهم
وتطالب بدماء الأحراء من آل البيت عليهم السلام.
6 ـ وكانت تخرج إلى البقيع ـ مع أن
قبر العباس وأخوته في كربلاء ـ ليجتمع الناس هناك ويتذكرون مظالم الحسن وريحانة
النبي صلى الله عليه وآله الصديقة الطاهرة وتعيد لهم ذكرياتهم مع النبي صلى الله
عليه وآله هناك وتذكرهم بمواقف المسلمين في صدر الاسلام في الذبّ عن النبي صلى
الله عليه وآله وقد ضمتهم الآن هذه المقبرة المقدسة.
7 ـ وكانت تحمل معها عبيد الله بن
العباس (حفيدها ) باعتباره كان موجوداً في يوم الطف فهو شاهد عيان ودليل وبرهان حي
يروي لهم ولمن سيأتي من الأجيال ويجتمع له أترابه والكبار والصغار ....
لقد ساهمت أم البنين عليها السلام في
إبلاغ خطاب عاشوراء إلى المجتمع المعاصر لها وأبلغت مسامع الايام ليتردد صوتها إلى
جانب صوت أم المصائب زينب عليها السلام حينما وقفت كالطود الشامخ لا تحركه العواصف
لتحمي ثورة الحسين عليه السلام، وتحفظ الحق ورسالة التوحيد على طول خط التاريخ([2]).
بكت حتى عميت
وكانت أمّ جعفر الكلابيّة تندب
الحسين وتبكيه وقد كفّ بصرها.
فكان مروان وهو وال المدينة يجي ء
متنكّراً باللّيل حتّى يقف، فيسمع بكاءها وندبها([3]).
تعليقات
إرسال تعليق