القائمة الرئيسية

الصفحات

من كتاب سيّدة العقائل زينب عليها السلام

 





في معنى عالمة غير معلمة

 

قال الامام زين العابدين × (يا عمَّة، فأنت بحمد الله عالمة غير مُعلَّمة، وفَهمة غير مُفهَّمة)([1]).

أقول من المفاصل المهمة فيما روي عنهم ^ بشأن العقيلة زينب ^ الحديث الوارد في اغلب المصادر التي تناولت سيرة الامام الحسين × والسيدة ÷ ونحن نحاول ان نتتبع ماذكر بشأن هذا الحديث في كلمات الاعلام والاشارة الى بعض ابعاده.

وما عسى أنْ يقول إنسان في شأنها، بعد شهادة الإمام زين العابدين ـ وهو الإمام المعصوم الذي يعني ما يقول ولا يُرسل الألقاب جُزافاً ـ حينما يُخاطب عمَّته زينب قائلاً: (اسكُتي يا عمَّة، فأنت بحمد الله عالمة غير مُعلَّمة، وفَهمة غير مُفهَّمة)([2]).

عالِمة غير معلَّمة، وفهِمة غير مفهَّمة» أي أنّ معلّمكِ هو ربّ العالمين فأنتِ لست بحاجة إلى معلّم آخر، فإنّه تعالى أدّبكِ فأحسن تأديبك، فهي عالمة لأنّها في أعلى مراحل التقوى وكانت مصداقاً واضحاً للآية الكريمة:    ﯹﯺ    ([3]).

معناه أن الله تعالى هو الذي يعلِّمها بالايحاء والالهام والنَكت في القلب، فعِلمُها لدنّيٌ وليس اكتسابياً، وليس ذلك بعيداً بالنسبة لغير الانبياء والأئمة ^، فان الله تعالى أوحى الى ام موسى   ﭣﭤ            ([4]).

نعم الفرق بين السيدة زينب ÷ وبين ام موسى أن السيدة زينب ÷ يعلِّمها الله تعالى مختلف العلوم، ويلهمها كل ما تحتاجه من العلوم بخلاف ام موسى، فإن الايحاء اليها كان في مورد خاصٍّ تحفُّظاً على حياة النبي موسى ×.

 

بيانات الاعلام

الأول: الفاضل الدربندي

 (هذا الكلام حجّة على أن زينب بنت أمير المؤمنين× كانت مُحَدَّثة، أي مُلْهَمة، وأن علمها كان من العلوم اللَّدُنّية والآثار الباطنية)([5]).

 

الثاني: الشيخ جعفر النقدي

قد نص لها بهذه الكلمة ابن أخيها علي بن الحسين × (أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة) يريد ان مادة علمها من سنخ ما منح به رجالات بيتها الرفيع، أفيض عليها إلهاما لا بتخرج على استاذ، وأخذ عن مشيخة وان كان الحصول على تلك القوة الربانية بسبب تهذيبات جدها وأبيها وأمها وأخويها او لمحض انتهائها اليهم واتحادها معهم في الطينة المكهربين لذاتها القدسية فازيحت عنها بذلك الموانع المادية وفي مقتضى اللطف الفياض وحده وإذ كان لا يتطرقه البخل بتمام معانيه عادت العلة لافاضة العلم كله عليها بقدر استعدادها تامة فأفيض عليها بأجمعه إلا ما اختص به أئمة الدين عليهم السّلام من العلم المخصوص بمقامهم الاسمى، على ان هنا لك مرتبة سامية لا ينالها إلا ذو حظ عظيم، وهي الرتبة الحاصلة من الرياضات الشرعية والعبادات الجامعة لشرائط الحقيقة لا محض الظاهر الموفي لمقام الصحة والاجزاء فان لها من الآثار الكشفية ما لا نهاية لامدها، وفي الحديث (من أخلص للّه تعالى أربعين صباحا إنفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه) ولا شك أن زينب الطاهرة قد أخلصت للّه كل عمرها، فماذا تحسب أن يكون المنفجر من قلبها على لسانها من ينابيع الحكمة، وما أحلى كلمة قالها علي جلال في كتابه (الحسين) من كان النبي | معلمه ومن كان ابوه علي ابن طالب × وامه فاطمة الزهراء، ناشئا في اصحاب جده واصدقاء أبيه سادات الامة، وقدوة الائمة، فلا شك أنه كان يغر العلم غرا([6]).

الثالث: فيصل احمد البغلي

قد روت عن أمها الزهراء أخباراً کثيره، وفي طليعتها خطبتها العظيمه في الاحتجاج علي الخليفه الأول، وقد نقلها ابن أبي الحديد، عن أبي بکر الجوهري بأسانيد متعدده کلها تنتهي إلي زينب، وروت أيضاً عن أبيها وأخويها الحسنين.

ولم تختزن العقيله العلم لنفسها، بل أفاضت من معارفها ومروياتها علي الأمه نساءً ورجالاً، فممن روي عنها ابن عباس الذي کان يفتخر بالروايه عنها، ويقول: حدثتنا عقيلتنا، وکان مع ما هو عليه من العلم يسألها عن المسائل التي لا يهتدي لحلها، کما روي عنها غيره کثير. ويکفي لمعرفه نمير علمها، وعظيم معرفتها، ما شهده في حقها الإمام زين العابدين حيث قال لها: يا عمه أنت - بحمد الله - عالمه غير معلمه، وفهمه غير مفهمه([7]).

 

الرابع: السيد جعفر مرتضى العاملي

الأول: أنها عالمة بالله تعالى وبآياته الظاهرة، من خلال فطرتها الصافية، وعقلها الراجح، وتدبرها في آيات الله تعالى، فلا تحتاج إلى من يعرفها بما يتوجب عليها في مثل هذه المواقع الحساسة ما يجب عليها من التحلي بالصبر، وجميل العزاء، والكون في مواقع القرب من الله تعالى، راضية بقضائه صابرة على نزول بلائه..

ولعل هذا المعنى هو المناسب لواقع الأمور التي تواجهها عليها.. والتي دعت الإمام السجاد × لأن يقول لها ذلك..

الثاني: أن يكون مراده × : أنها قد بلغت مراتب عالية جعلتها أهلاً لتلقي الإلهامات الإلهية الهادية، ومحلاً لنور العلم الذي يقذفه الله في قلب من يشاء، على قاعدة            ([8]).

وأما بالنسبة للسؤال حول وصف الإمام × عمته بصفة هي لله تعالى، نقول:

إن المراد بقول الإمام زين العابدين × : إن السيدة زينب عالمة بتعليم الله تعالى لها. عن طريق إلهامها للحقائق، وفتح باب فهمها.. ويقظة فطرتها، وتدبرها في آيات الله تعالى..

فهي عالمة غير معلمة من أحد من الناس. وإن كانت معلمة بتعليم الله، وتوفيقه، وهداياته، وشتان ما بين علم الله تعالى وعلمها ÷، فإنه تعالى عالم بالذات، وأما زينب ÷ فهي عالمة بتعليمه تعالى، تماماً ككون الله غنياً بالذات، وفلان من الناس غني بالله تعالى.. والله قادر بالذات وغيره قادر بإقداره تبارك وتعالى.. وهكذا ([9]).

الخامس: محمدي ري شهري

الإدارة: إنّ دور الحوراء زينب ÷ في وقعه کربلاء وخاصّه بعد ظهر عاشوراء هو تجسيد لإداره ناجحه في ظروف متأزّمه للغايه، فهي التي أدارت بدرايتها وتدبيرها المتميّز الرکب المتضرّر والمنکوب بکلّ عزّه وصبر وتحمّل حتّي أوصلته إلي المدينه. ولعلّ القول المنقول عن الإمام زين العابدين × بحقّ عمّته زينب ÷حيث قال: «أنتِ بحَمدِ الله عالمه غَيرُ مُعلَّمه وفهمهُ غَيرُ مُفهَّمهٍ» هو علامه علي تقديره لهذه الإداره المشرِّفه([10]).

 

السادس: الشيخ حسين انصاريان

[في أنها عليها السلام عالمة غير معلّمة] في أنها ÷عالمة غير معلّمة.

العلم من أفضل السجايا الإنسانية، وأشرف الصفات الـبشرية، به أكمل الله أنبياءه المرسلين، ورفع درجات عباده المخلصين، قال تعالى:                    ([11]).

وإنما صار العلم بهذه المثابة لأنه يوصل صاحبه إلى معرفة الحقائق، ويكون سببا لتوفيقه في نيل رضاء الخالق، وكان رسول الله | والأئمة من أهل بيته ^ يحثون الأمة على طلب العلم، وكانوا يغذّون أطفالهم العلم كما يغذّونهم اللبن. أما زينب ÷ المتربية في مدينة العلم النبوي، المعتكفة بعده ببابها العلوي، المتغذية باللبان الفاطمي من أمها الصديقة الطاهرة (سلام الله عليها)، وقد طوت عمراً من الدهر مع الإمامين السبطين يزّقانها العلم زّقاً، فهي من عياب علم آل محمد ^ وعلى فضائلهم التي اعترف بها عدوهم الألد يزيد الطاغية بقوله في الإمام السجاد ×: (إنه من أهل بيت زقوا العلم زقاً) (6).

وقد نص لها بهذه الكلمة ابن أخيها علي بن الحسين (عليهما السلام): (أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة) (7).

وهذا اللقب منحها الإمام زين العابدين × ووصفها به، وذلك حينما أراد تسليتها وتعزيتها وتكريمها وتزكيتها (عليها السلام) على مرأى من الناس ومسمع، ليعلمهم:

أولا: بالمقام الرفيع الذي وهبه الله تعالى لها (سلام الله عليها)، وليهون من وقع المصائب العظيمة عليها.

ثانياً: فإن الإمام زين العابدين × لما رأى عمته زينب ÷ وهي في أسرها تخطب على الجماهير المتجمعة من أهل الكوفة، الذين قد خرجوا للتفرج عليهم، والتفت إلى أنها × قد استعادت في ذاكرتها كل المصائب العظيمة التي جرت عليها واستعرضت كل انتهاكات القوم أمام مخيلتها، خاف عليها أن تموت حسرة وغصة، فخاطبها قائلا: (أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة...).

ثم إنه يمكن أن يستفاد من كلام الإمام السجاد × المزبور في حق عمته زينب ÷ أموراً:

1: أن السيدة زينب ÷ كانت قد بلغت هذه المرتبة العظيمة والمقام الرفيع عند الله تعالى وأن مادة علمها من سنخ ما منح به رجالات بيتها الرفيع أفيض عليها إلهاما، لا بتخرج على أستاذ وأخذ عن مشيخة، وإن كان الحصول على تلك القوة الربانية بسبب قابليتها وتهذيبات جدها وأبيها وأمها وأخويها، ولانتمائها إليهم واتحادها معهم في الطينة، فأزيحت عنها بذلك الموانع المادية، وبقي مقتضى اللطف الفياض الإلهي وحده وإذ كان لا يتطرقه البخل بتمام معانيه عادت العلة لإفاضة العلم كله عليها بقدر استعدادها تامة، فأفيض عليها بأجمعه، سوى ما اختص به أئمة الذين ^ من العلم المخصوص بمقامهم الأسمى.

ولولا ذلك لما نعتها ابن أخيها الإمام السجاد × وهو معصوم بهذا النعت، ولما وصفها بهذه الصفة.

2: إن الإمام × أراد بكلامه المذكور في حق عمته زينب (عليها السلام) بيان شأنها وإظهار عظمتها.

3: إن الإمام × أراد أن يشكر عمته زينب × بكلامه هذا، على ما أسدته ÷ إليه في كربلاء من خدمة كبرى حيث رأته يجود بنفسه من عظم المصاب فعزته بمصابه وصبرته عليه، فقام × في الكوفة بعمل مماثل لما قامت به × تجاهه، إضافة أن من أهم الكمالات النفسية، والمقامات الإنسانية، هو مقام العلم، فإن العلم هو قمة كل شرف، وأفضل كل الملكات، وغذاء الروح، وبه استمرار الحياة المعنوية، وشرفه ذاتي، وهذا ما لا يستطيع أحد إنكاره، إذ علو مقام العلم لا يخفى على أحد.

واعلم إن العلم على قسمين: اكتسابي وموهوبي، وبعبارة أخرى: تحصيلي ولدنّي.

أما الإكتسابي والتحصيلي: فهو أن يسعى الإنسان في طلب العلم ويجّد في تحصيله، وبقدر سعيه وجدّه يستطيع الإنسان أن ينال من درجات العلم وينتفع من بركاته. وأما الموهوبي واللدنّي: فهو العلم الذي يمنحه الله تعالى خالق الإنسان بعض عباده ممن له أهلية ذلك، ويقذفه في قلب من هو كفو لها، وذلك من غير تجشم عناء التعليم، ولا تحمل أتعاب التحصيل، فبعض يلهمه الله تعالى العلم إلهاماً غيبياً ومن دون واسطة، وبعض يلهمه بواسطة الملائكة ويريه الملائكة أيضاً ويسمى بالوحي، وبعض لا يريه الملائكة ويسمى هذا الذي يوحى إليه بواسطة الملائكة ولا يرى الملائكة بالمحدّث، ولكل مقام خاص ودرجة خاصة تتفاوت رفعة وعلواً.

والحصول على هذه المقامات الرفيعة من العلم اللدني صعب جدا، ولا يتسنى لأحد من الناس الوصول إليها إلا للأنبياء والرسل، والأوصياء والأولياء.

ثم إن الأنبياء والرسل والأوصياء والأولياء الذين هم وحدهم المختصون بالعلم اللدني يكونون بالنسبة إلى هذا العلم على درجات، فمنهم من قد حاز على درجة منه، ومنهم على درجتين، ومنهم على ثلاث درجات، والذي قد حاز على كامل الدرجات وأعلى المراتب، هو أكمل المخلوقات، وأشرف الكائنات، سيد الأنبياء وأشرف المرسلين، حبيب إله العالمين، محمد وأهل بيته المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين).

والسيدة زينب (عليها السلام) هي من هذا البيت الرفيع: بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومعدن العلم، وأهل بيت الوحي، فلا عجب أن تكون قد نالت درجة الإلهام فهي إذن ملهمة بصريح كلام ابن أخيها الإمام السجاد × حين قال لها: (يا عمة... أنت بحمد الله عالمة غير معلمة) إذ لا يكون العلم بلا تعلّم إلا عن طريق الإلهام.

وقد ظهر من السيدة زينب ÷ ما يدل على علمها وفهمها وذلك في مواقع ومواقف([12]).

 

السابع: السيد أبو القاسم الديباجي

وكانت زينب ÷ ذات مقام عال في الجوانب العلمية والاجتماعية حتى أن زوجها عبدالله بن جعفر كان يناديها: " يَا بِنْتَ المُرْتَضـَى وَيَا عَقِيلَةُ بَنِي هَاشِم"(3).

ولما خطبت خطبتها البليغة الغراء في جموع أهل الكوفة بعد واقعة الطف والتى أبكت لها العيون وأحرقت بها القلوب، هنالك قال لها الإمام المعصوم علي بن الحسين زين العابدين ×: " يَا عَمَّة، أَنْتِ بِحَمْدِ الله عَالِمَةٌ غَيْرُ مُعَلَّمَةٍ وَفَهِمَةٌ غَيْرُ مُفَهَّمَةٍ ".

هذا الحديث النوراني من مولانا الإمام علي بن الحسين × إن دل على شيء فإنما يدل على أن علم السيدة زينب × لم يكن علما اكتسابيا بل كان علما لدنيّاً ملكوتيا خص بها الله عز وجل الأنبياء والأئمة المعصومين عليهم صلوات الله أجمعين، فكان هذا العلم يفيض من ذاتها فيض النور وينبع من وجودها نبع زلال الماء.

 

السابع: كفاح الحداد

ان عموم الخطب والکلمات کانت تحمل منظومه قيميه جديده أسهمت وإلي حد کبير في تغيير المنظومه السابقه التي زرعها الإعلام الأموي الکاذب فبدل الاستکانه اصبح الجهاد والتضحيه من أجل الشهاده وبدل الخوف من اظهار الولاء کان هناک الاعلان عن محبه آل البيت عليهم السلام بدليل ان الثورات کلها انطلقت من مبدأ الولاء لآل البيت عليهم السلام، وبدل الخضوع للدنيا والرکون إليها والرضا بالظلم کان التفکير بالآخره والتسابق نحو الشهاده ورفض الظلم واعلان الثوره عليه.. وهذا يشير إلي مقدار الکم القيمي الذي حملته النساء والذي ظهر واضحا من خلال السلوک والأفعال، اذ اننا لا نجد في هذه الخطب والکلمات أي شيء يتنافي مع الأدب العام أو اللياقه. فليس هناک فحش أو سب، أو شتم بل هو خطاب يتعالي عن کل هذه الصفات. وهذا يوصلنا إلي مطاف آخر ان ثوره الإمام کانت قيميه أخلاقيه تغييريه کبري أدت إلي إعاده النظام الأخلاقي للناس بعد انهياره وغرق الناس في مستنقع الفوضي والفساد الأخلاقي. ولأنه کان خطاباً قيمياً فقد استقر علي اعمده الصدق والصراحه. إذ لم تنقل هؤلاء النساء کذباً أو زوراً والعياذ بالله، بل نقلن الحقائق المؤلمه التي مرت بهن، ونقلن الصوره کما هي من خلال أوضاع السبي والانتقال من بلد إلي آخر فکانت خير صوره ناطقه لما جري من أحداث، في حين اعتمد الإعلام الأموي علي التضليل والتشويه ومهما استعان هذا الإعلام بمقدرات القوي الظاهريه فانه خطاب لا يدوم؛ لأنه لا يستقر علي أعمده قويه وأهمها الصدق.

ثم انه کان خطاباً انسيابياً إذ لم يکن هناک أي تکلف في مفرداته أو في إيصاله إلي المتلقي؛ فقد کان الخطاب هو نقلاً لصوره مستقره في قلوب أُضيئت بأنوار الهدايه إلي البشر الغارقين في سرادق الوهم. ولهذا لم تکن هناک حاجه للتکلف الزائد؛ لأنه انعتاق الحقيقه إلي النور فهو إذاً خطاب القلب المجروح. ولأنه خطاب نابع من القلب، فلا بد أن يستقر في القلوب التي خرجت تبحث عن الحقائق فجاءتها کسحاب مطر شديد بعد ازمه جفاف.

وهو أيضاً لم يکن خطاباً فکرياً بحتاً استهدف خطاب العقل معتمداً علي النظريات والأدله والنتائج بشکل يثقل علي الإنسان البسيط والعادي فهمه. کما انه لم يکن خطاباً عاطفياً مجرداً يهمه تصوير المأساه بشکل خاوٍ دون تحريک العقل البشري، فهو إذاً خطاب فکري عاطفي اراد ان يحقق انتصاراً فکرياً في التعريف بأصحاب الثوره وفي التأکيد علي مبدأ الولاء لأهل البيت ^ وفي التعريف بمتطلبات هذا الولاء، کما انه حقق انتصاراً عاطفياً من خلال صور الحزن التي رافقت المشهد الثقافي. ولهذا نجح الخطاب في تحريک القلوب والعقول، ومن ثمَّ فلا بد من حرکة سلوکية واضحة تعبر عن فهم الخطاب واستيعابه وبهذا تکون مؤشرا علي نجاحه فکانت الثورات القاصمة للوجود الأموي وکانت مجالس العزاء نموذجاً خالداً لهذا الفهم. کما انه لم يکن خطاباً عادياً أبداً، لم يکن مجرد کلمات بسيطه کما هي العاده فيما تتفوه به النساء. بل کان خطاباً بليغاً بل هو قمه في الفصاحة والمتانة الأدبية والصياغة اللفظية بما يوحي انه انبعث من أناس علي درجه عاليه من الفهم والوعي الثقافي وهذا نجده في کل الخطب. وقد اشاد الإمام السجاد عليه السلام بخطاب عمته زينب عليها السلام فقال لها: انت بحمد الله عالمه غير معلمه فهمه غير مفهمه([13]).

 

الثامن: الشيخ إبراهيم الانصاري

الرؤية الثاقبة والبصيرة النافذة: (يا عمّة أنت بحمد الله عالمة غير معلّمة وفهمة غير مفهّمة) كلمات نطقها الإمام زين العابدين عليه السلام في حقّ عقيلة بني هاشم زينب بنت أمير المؤمنين عليها السلام وقد مسح الإمام الحسين عليه السلام على صدرها فانفتحت لها أبواب السماوات والأرضين ورأت ما رأت من المقامات العالية والمراتب السامية خصوصاً شاهدت درجات سيد الشهداء عليه السلام ولعلّها نظرت إلى تلك الدرجات التي قد خصصت للإمام الشهيد حيث خاطب رسول الله | ابنه الإمام الحسين (وإن لك في الجنة درجات لن تنالها إلا بالشهادة) كما أنّها رأت درجات بني هاشم خصوصاً أبا الفضل العباس وقد ورد في زيارته (وَرَفَعَ ذِكْرَكَ فِي عليين وَحَشَرَكَ مَعَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحينَ) وأيضاً هي شاهدت مواطن الأصحاب في الجنّة، كما أنّها رأت حقيقة مصباح الهدى وسفينة النجاة، وهما من خصوصيات سيد الشهداء عليه السلام ولولا هاتان الخصلتان لكنّا من الهالكين، ولكي نتصوّر ما رأته العقيلة ينبغي أن نتوسّل بمثال: لو أنّ شخصاً أراد أن ينتقل في الليل المظلم من ضفة النهر إلى الجهة الأخرى لخلاص ابنه من الأعداء فبمجرّد أن قرر الدخول في الماء فإذا باشتعال مصباح من فوقه على الماء على التماسيح الفاتحة أفواهها لتلقفه! وفي اللحظة التي كان يفكّر في ابنه فإذا بسفينه أمامه تريده أن يركب فيها والقبطان هو الذي سينقله إلى الجهة الأخرى، كم من نعمة عظيمة هذه؟ هو الإمام الحسين عليه السلام منقذ العباد من جميع الـشرور خاصة شر الجهل والضلال وقد ورد في الزيارة عن الإمام الصادق عليه السلام قوله في الامام الحسين عليه السلام (وبَذَلَ مُهجَتَهُ فيكَ لِيَستَنقِذَ عِبادَكَ مِنَ الجَهالَةِ وحَيرَةِ الضَّلالَةِ) هذا ما شاهدته زينب ÷رأي العين. وقد شاهدت ما هو أعظم للعباد وهو سهولة فتح باب التوبة رغم صعوبته([14]).

 



([1]) الاحتجاج الطبرسي ص 166.

([2]) المصدر السابق.

([3]) سورة البقرة: الآية 282.

([4]) سورة القصص: الآية 7.

([5]) وفيات الأئمة: 238، وفيه رسالة بعنوان: وفاة السيدة زينب الكبرى، للقطيفي، نقلاً عن: أسرار الشهادة.

([6]) زينب الكبرى ص35.

([7]) المناسبات الإسلامية ص5.

([8]) سورة محمد ’ : الآية 17.

([9]) مخـتصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مـرتضى العاملي، «المجموعة التاسعة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1424 هـ ـ 2004 م، السؤال (529).

([10]) الصحيح من مقتل سيد الشهداء واصحابه ^ ص:155.

([11]) سورة المجادلة: الآية 11.

([12]) مقالات لحسين انصاريان في موقعه على الشبكة العنكبوتية.

([13]) نساء الطفوف ص: 155.

([14]) موقع الكوثر للشيخ إبراهيم الانصاري.


تعليقات