الرسالة الثانية
شدة الفتن ومقومات النجاة
فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيلِ المُظْلِمِ والميثَاقَ
عن الإمام أبي محمد علي بن الحسين
السجاد عليه السلام أنّه قال:(يَا أَبَا خَالِدٍ، لَتأتِيَنَّ فِتَنٌ كَقِطَعِ
اللَّيلِ المُظْلِمِ، لا يَنْجُو إِلاّ مَنْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَهُ، أُولَئِكَ
مَصابِيحُ الهُدَى وَيَنَابِيعُ العِلمِ، يُنجِيهِمُ اللهُ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ
مُظْلِمَةٍ([1]).
حديث الامام السجاد × فيه مجموعة أمور مهمة جدا ولكن المقصود الأصلي
في الحديث هو الامتحان والنجاة ونحن نركز عليهما
في مجموعة المسائل.
المسألة الأولى: الامتحان سنة الهية
الامتحان هي الفتنة والاختبارو الابتلاء وقد ورد كثيرا وانه
ملاصق لحياة الانسان ويزداد ويتضاعف مع درجات الايمان .
وكما قيل الدار دار الامتحان و
الاستكمال و ما معنى النجاة لو لا الابتلاء و الامتحان؟
والابتلاء الإلهي كان موجوداً في
الأمم المتقدمة ولا تشذ هذه الأمة عن هذه السُنة الإلهية .
إن للاختبار والابتلاء الإلهي أشكال
، أحد أشكاله : الابتلاء بالغنى والابتلاء بالفقر، والابتلاء بالقوة والابتلاء
بالضعف والابتلاء بالجمال والابتلاء بالقبح، وغيرها .
وقد يبيّن القرآن الكريم أن الابتلاء
الإلهي سنّة الله في عباده و يقول: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ
يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)([2]).
وفي الروايات عن رسول الله (d ): إذا أحب الله عبدا ابتلاه، فإذا أحبه الله الحب البالغ افتناه،
قالوا: وما افتناؤه؟ قال: لا يترك له مالا وولدا ([3]).
عن الامام علي (× ) يقول: إنّ البلاء أسرع إلى
شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي فوالله إنه لأسرع إلينا وإلي شيعتنا من السيل في
الوادي وبنا يبدو البلاء ثم بکم وبنا يبدوا الرخاء ثم بکم([4]).
والإمام الصادق (× ): إذا أحب الله قوما أو
أحب عبدا صب عليه البلاء صبا فلا يخرج من غم إلا وقع في غم ([5]).
وغيرها
من الروايات التي ستأتي ان شالله.
الإمتحانات
على نحوين
يوجدُ في الأكاديميات -لمن مرّ عليه
ذلك- نوعان أساسيّان من الإمتحانات.
أحدهما "بكتاب مفتوح" يجوز
فيه للممتَحَن أن يتوسّل -حال الإمتحان- بأيٍّ من الكتب قصد الإجابة عن أسئلة
الإختبار. ويكون هذا الإمتحان صعبا قائما على الإستنباط والمعالجة العقليّة للعلوم
والمعلومات، فلا يكون المطلب معلومةً مجرّدةً على طريقة "هذه بضاعتكم رُدّت
إليكم". فلا ضير آنذاك في أن يتوسّل الطّالب بالكتاب فإنّه على أيّ الأحوال
ممتَحَن في التّأليف والتّحليل والإستنباط لا في رصّ المعارف والمعلومات. أمّا
الثّاني من الإمتحانين -الكتاب المغلق- فلا يُسمح فيه بشيءٍ من ذلك، ولا غرابة
آنذاك أن تكون المعلومة - التي هي عين الإجابة عن السّؤال - موجودة في الكتاب.
أمّا
الذين كانوا في زمن الحضور الفعليّ الجسمانيّ الظّاهر للإمام "المعصوم فقد
كانوا في امتحان كتاب مفتوح، إذ كان الإمام -الذي هو القرآن النّاطق- بين
ظهرانيهم، يتوسّلون به متى ما أرادوا ذلك، إلّا أن يكونوا معرضين عنه. ولعلّ ذلك
شيءٌ ممّا كان من قول أمير المؤمنين للنّاس في زمانه أنْ "سلوني قبل أن
تفقدوني"، وما كان في زمن الحسن عليه السّلام إذ قد فُتن النّاس ليعلم الله
من إلتزم توجيه الإمام ممّن قد خالجه الشّكّ في الإمامة حتّى إذا دخل على الحسن بن
عليّ عليهما السّلام بعد الصّلح الذي كان، سلّم عليه هكذا:" السّلام عليك يا
مذلّ المؤمنين". ثم ما قد كان -يا صاحبي- في زمن الحسين بن علي عليهما
السّلام، هنالك ابتُلِيَ المؤمنون وزُلزلوا زلزالا كبيرا. على ذلك الصّعيد من
كربلاء، فُتِحَت كلّ الكتب دفعة واحدة حتّى لم يبقَ للنّاس على الله من حجّة بعد
مقالات الحسين عليه السّلام وأصحابه وهم حواريّوه وأصحابُ البصيرة النّافذة.
وأمّا
نحن الذين ابتُلينا بفقد نبيّنا وغيبة وليّنا فإنّنا في زمن امتحان "الكتاب
المغلق". ولقد ترى أنّنا نعيش في زمن يعجّ بالفتن فنجاهد من أجل إلتزام شريعة
آل بيت النّبوّة ولزوم سراطهم، سراط الله العزيز الحكيم.
ثمّ
اسمع وعِ قول أمير المؤمنين إذ قد قرأ قوله تعالى ﴿ألا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ
لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾([6]) ثم قال عليه السلام:
"تدرون مَن أولياء الله؟ قالوا: مَن هم يا أمير المؤمنين؟ فقال: هُم نحن
وأتباعنا، فمن تبعنا من بعدنا طوبى لنا وطوبا لهم، وطوباهم أفضل من طوبانا، قيل:
ما شأن طوباهم أفضل من طوبانا؟ ألسنا نحن وهم على أمر؟ قال: لا، لأنهم حملوا ما لم
تحملوا عليه وأطاقوا ما لم تطيقوا"([7]).
قال أبو الحسن موسى بن جعفر × لو ميزت شيعتي
لم أجدهم إلا واصفة ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين ولو تمحصتهم لما خلص من
الألف واحد ولو غربلتهم غربلة لم يبق منهم إلا ماكان لي انهم طالما اتكوا على
الأرائك، فقالوا : نحن شيعة علي إنما شيعة علي من صدق قوله فعله )) ([8] ).
يقول مولي محمد صالح المازندراني الشرح: قوله:
(لو ميزت شيعتي ما وجدتهم إلا واصفة. انتهى) أي لو ميزتهم عن غيرهم ما وجدتهم إلا
واصفين قائلين بالتشيع وهذا الوصف لم يوجد في غيرهم فهم به يمتازون عنهم ثم
الواصفين لو امتحنتهم واختبرت أحوالهم ما وجدت أكثرهم إلا مرتدين صارفين عن سيرتي
غير آخذين بأمري ولا عاملين بما هو خير لهم، ثم الآخذون العاملون لو تمحصتهم وفتشت
كيفية أخذهم وعملهم وأخلاقهم بنوع من التمحيص والتخليص ما وجدت أكثرهم إلا غير
خالصين، ثم الخالصون وهم الأقلون جدا لو غربلتهم غربلة وحركتهم تحريكا بغربلة البلايا
والمحن والمصائد والشدائد لم يبق منهم إلا قليل وهو من كان لي وأخذ بسيرتي، وإليه
يرشد قول الصادق (× ) " المؤمن أعز من الكبريت الأحمر فمن رأى منكم الكبريت
الأحمر " وإن شئت أن تعرف قلة المؤمن وندرته فارجع إلى الأحاديث المذكورة في
أبواب الكفر والإيمان من كتاب الأصول (أنهم طال ما اتكؤا على الأرائك) في القاموس،
الأريكة كسفينة: سرير في حجلة أو كل ما يتكأ عليه من سرير ومنصة وفراش أو سرير
متخذ مزين في قبة أو بيت وإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة وجمع أريكة أرائك (فقالوا:
نحن شيعة علي) قولا متفردا عن لوازمه وآثاره وهو الوصف المذكور (وإنما شيعة علي من
صدق قوله فعله) بالعمل بسيرته ليتحقق معنى التشيع والمتابعة ويبعد عن شبه
الاستهزاء وسيجئ عن علي بن الحسين (عليهما السلام) " إن أبغض الناس إلى الله
من يقتدي بسنة إمام ولا يقتدي بأعماله "([9]).
هل الامتحان في زمن الغيبة أشد من الامتحان
زمن الظهور؟
الذي
يظهر من الروايات الشريفة أن الابتلاء والمحنة في عصر الغيبة أشد منه في عصر
الظهور، ولأجل ذلك ورد أن ثواب المنتظرين والمرابطين في زمن غيبة الإمام (عجّل
الله فرجه) أعظم بمراتب كثيرة، فقد روى عمار الساباطي، قال: قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): أيهما أفضل: العبادة في السر مع الإمام منكم المستتر في دولة
الباطل، أو العبادة في ظهور الحق ودولته مع الإمام منكم الظاهر؟ فقال: يا عمار
الصدقة في السر، والله أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك والله عبادتكم في السر
مع إمامكم المستتر في دولة الباطل، وتخوفكم من عدوكم في دولة الباطل وحال الهدنة
أفضل ممن يعبد الله (عزَّ وجلَّ ذكره) في ظهور الحق مع إمام الحق الظاهر في دولة
الحق، وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة والأمن في دولة الحق،
واعلموا أن من صلّى منكم اليوم صلاة فريضة في جماعة مستتراً بها من عدوه في وقتها
فأتمها كتب الله له خمسين صلاة فريضة في جماعة، ومن صلّى منكم صلاة فريضة واحدة
مستتراً بها من عدوه في وقتها فأتمها كتب الله (عزَّ وجلَّ) بها له خمساً وعشرين
صلاة فريضة وحدانية، ومن صلّى منكم صلاة نافلة لوقتها فأتمها كتب الله له بها عشر
صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة كتب الله (عزَّ وجلَّ) له بها عشرين حسنة، ويضاعف
الله (عزَّ وجلَّ) حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله، ودان بالتقية على دينه
وإمامه ونفسه وأمسك من لسانه، أضعافاً مضاعفة، إن الله (عزَّ وجلَّ) كريم.
قلت:
جعلت فداك، قد والله رغَّبتني في العمل وحثثتني عليه، ولكن أحب أن أعلم كيف صرنا
نحن اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام الظاهر منكم في دولة الحق ونحن على دين
واحد؟ فقال: إنكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله (عزَّ وجلَّ) إلى الصلاة والصوم
والحج وإلى كل خيرٍ وفِقْهٍ، وإلى عبادة الله (عز ذكره) سراً من عدوكم مع إمامكم
المستتر، مطيعين له صابرين معه منتظرين لدولة الحق، خائفين على إمامكم وأنفسكم من
الملوك الظلمة، تنظرون إلى حق إمامكم وحقوقكم في أيدي الظلمة، قد منعوكم ذلك
واضطروكم إلى حرث الدنيا وطلب المعاش، مع الصبر على دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم
والخوف مع عدوكم، فبذلك ضاعف الله (عزَّ وجلَّ) لكم الأعمال فهنيئاً لكم.
قلت:
جعلت فداك، فما ترى إذاً أن نكون من أصحاب القائم ويظهر الحق ونحن اليوم في إمامتك
وطاعتك أفضل أعمالاً من أصحاب دولة الحق والعدل؟ فقال: سبحان الله، أما تحبون أن
يظهر الله تبارك وتعالى الحق والعدل في البلاد، ويجمع الله الكلمة ويؤلف الله بين
قلوب مختلفة، ولا يعصون الله (عزَّ وجلَّ) في أرضه، وتقام حدوده في خلقه، ويرد
الله الحق إلى أهله فيظهر حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق؟! أما
والله يا عمار لا يموت منكم ميت على الحال التي أنتم عليها إلّا كان أفضل عند الله
من كثير من شهداء بدر وأُحُد، فأبشروا([10]).
وكذلك
روي في الاختصاص للمفيد عن أمية بن علي، عن رجل، قال: قلت لأبي عبد الله (× ):
أيما أفضل نحن أو أصحاب القائم (# )؟ قال: فقال لي: أنتم أفضل من أصحاب القائم
وذلك أنكم تمسون وتصبحون خائفين على إمامكم وعلى أنفسكم من أئمة الجور، إن صليتم
فصلاتكم في تقية، وإن صمتم فصيامكم في تقية، وإن حججتم فحجكم في تقية، وإن شهدتم
لم تقبل شهادتكم، وعد أشياء من نحو هذا مثل هذه. فقلت: فما نتمنى القائم (× ) إذا
كان على هذا؟ قال: فقال لي: سبحان الله، أما تحب أن يظهر العدل وتأمن السبل وينصف
المظلوم([11]).
وعن أبي
بصير، قال: عن أبي عبد الله (× ) أنه قال: "والله لتُكسَّرُنّ تكسُّر الزجاج،
وأنَّ الزجاج ليُعاد فيعود كما كان، والله لتُكسَّرُنَّ تكسُّر الفخار، وإنَّ
الفخّار ليَتَكسَّر فلا يعود كما كان، ووالله لتُغربلُنَّ، ووالله لتُميَّزُنَّ ،
ووالله لتُمَحَّصُنِّ حتى لا يبقى منكم إلا الأقلّ ، فوالله ليغربلن والله لتميزن
والله لتمحصن حتى لا يبقى منكم إلا الأقل"، وصعّر كفّه سلام الله عليه. وفي
قوله تعالى: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا
يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ
اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)) ([12]).
هذه
الرواية مشحونة بالتأكيدات (لام التوكيد، والنون المشدّدة) القسم (والله) لرفع
الشك وتوثيق الكلام، القسم مع التأكيد يعطي الثقة في الكلام، فكيف إذا كان هذا
التأكيد صادر عن المعصوم ؟ .
وفي
الحديث خمس نقاط مهمّة جدّاً تستحق الوقوف عليها
1.
الزجاج
2.
الفخّار
3.
التمحيص
4.
الغربلة
5.
التمييز
الزجاج
والفخّار
الزجاج
والفخّار، هم أمثلة عن أنواع القلوب للموالين لأهل البيت ^ ، والكسر هو مثالٌ عن
الإختبارات التي تمرّ عليهم وتأتي الإختبارات من مصادر ثلاثة : الشيطان، النفس، حب
الدنيا .
1.
الزجاج
الزجاج
هو مثل لقلب الموالي الذي يكون شفّافاً يسعى للقرب من الله سبحانه ورسوله وآله،
ولكن لا يزال تحت خطر إغواء للنفس الأمّارة أو حب الدنيا.
الزجاج
إذا انكسر يمكن إعادته كما كان بعد الكسر ولكن بصعوبة بالغة وتحتاج عملية إعادته
الى مراحل عديدة :
1.
علينا أن نجمع جميع أجزاء الزجاج حتى الصغير منها
2.
علينا أن نصهر هذا الزجاج
3. جمع
الأجزاء الصغيرة يحتاج إلى (الصبر - الدقة - جهد وتعب – قد نتعرّض أثناء جمع
الأجزاء إلى جراحات)
4.
تنقيتها من جميع ما تعلق بها من أجزاء غريبة عنها
5.
إعادة صهر الزجاج بالنار لإعادة تشكيله من جديد
هذه
الفئة الأولى من الشيعة المشبّهة بالقلوب الزجاجية التي تسعى للقرب من الله سبحانه
وتعالى ستمتحن في فتنة حب الدنيا أو النفس الأمّارة، فمن الممكن أن تسقط بمباهج
الدنيا فتبعد عن الدين لفترة لإنّ الإختبارات ستكون قاسية.
تأتي
الإختبارات في نقطة ضعف الموالي، إن كان متعلّقاً بالمال أو الأولاد أو محباً
للمنصب أو ما شابه، هذا الموالي إذا لم يلتزم تزكية النفس، ومجاهدة حبّ الدنيا بأن
يجعل الهدف هو نصرة الإمام المهدي (# ) سيقع في الفتنة وسوف لن ينجح في الإختبار
وسيكون الرجوع الى الإلتزام بعد الإنجراف بالملذات والكبائر صعباً ومتعباً ويحتاج
للكثير من التعب والصبر.
2-
الفخار:
أما
الفخّار هو مثل لقلب الموالي الذي يكون بعيداً عن الله سبحانه وتعالى متصفاً
بالغلظة وضعف العقيدة
طريقة
إعداد الفخّار : طبخ وعجن وتبخر:
أما
الكسر : الفخّار بعد الكسر إذا أعدناه ترابا لا يمكن صهره لتصنيعه مرة ثانية
هذه
الفئة الثانية من الموالين لأهل البيت عليهم السلام المشبّهة قلوبهم بالقلوب
الفخّارية، في قلبه غلظة وقسوة بسبب بُعده عن الله سبحانه وتعالى وليس مرتبط قلبه
بأهل البيت عليهم السلام، وإذا وقع في الفتنة أي المعاصي والبيئة الفاسدة من الصعب
أن يرجع إن لم نقل من المستحيل. ومثال على هذه الحالة الشاب الموالي غير المتزم
ولا يعرف شيء عن عقائده يهاجر أو يسافر الى بلاد الكفر والفسق، قد ينصهر في تلك
البيئة الفاسدة بما فيها من مجون وتسيّب في الضوابط الأخلاقية لإنه لا يرجع الى
أسس تربوية دينية متينة لكي تعطيه المناعة من الإنجراف.
والتجربة
أثبتت كم من المسلمين ذهبوا الى البلدان الغربية وفقدوا هويتهم الإسلامية بالكامل
لأنهم لا يرجعون في دينهم الى أصلٍ متين، هؤلاء مثلهم كمثل الفخار الذي إذا كسر لا
يعود الى حالته الأصلية أبداً.
النتيجة
:
1.
لنتجنّب أن نكون من أصحاب القلوب الفخّارية الضعيفة الإيمان والإلتزام الديني
لإنها إذا كسرت بالمعاصي لا تجبر بعدها أبدا.
وللقضاء
على القلوب الفخارية هو تنشأة الأجيال منذ الصغر على معرفة الدين والرسالة
المحمّدية الأصيلة وتعلّم العقائد الحقّة بولاية آل محمد واتباعهم مراعاة الحلال
والحرام في حياتهم والخوف من معصية الله سبحانه لأنّ التجرّأ على المحرّمات هو أمر
بالغ الخطورة على إيمان الإنسان.
2. وإن
كنّا من أصحاب القلوب الزجاجية الرقيقة من حيث علاقتها بالله سبحانه وتعالى ومعرفة
أهمية الولاية والإنتماء لمحمد وآل محمد، لنحافظ على هذه القلوب شفّافة نظيفة
بعيدة عن الذنوب والمعاصي كما نحافظ على الزجاج من الكسر في طريقة تعاملنا معه
برفق وحافظنا عليه ليس فقط من الكسر بل من الخدش. فالمؤمن المحبّ لا يحسب حساب غضب
الله عليه فقط بل إنه لا يتحمّل عتاب الله له لأنّه لا يتحمّل زعل المحبوب، فكم هي
جميلة هذه العبارة التي وردت في دعاء الندبة : "متى تتنقع من عذب مائك فقد
طال الصدى"، لإنّ الإنتقاع كناية عن شدّة العطش.
التمحيص،
الغربلة، التمييز
• لتمحّصن: إشارة إلى
الإبتلاءات والإختبارات على كل صعيد
• وتغربلنّ : الغربلة
تعني عادة معروفة إزالة الحبّة المضروبة من الحبة الصحيحة أي إزالة أهل الإدعاء من
أهل الحقيقة،
• وتميزنّ : أما
التمييز هو المفاضلة بين أهل الولاية الحقيقيين الصادقين يصنّفون بحسب درجات
الإيمان ، فكما نعلم أن الإيمان عشر درجات كما في الحديث : (الإيمان عشر درجات )
وسلمان
في العاشرة ((يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)).
كيف نميّز
بين الموالي الحقيقي والمدعّي للولاء ؟
أولا_الموالي الحقيقي هو من يقتدي بأهل البيت × من حيث الايمان والعلم
والعمل والتقوى.
ثانياً – التمييز : تصنيف المؤمنين
بحسب درجات إيمانهم
أي أنّ
أهل الولاية الحقيقية يتعرضون إلى التصنيف على حسب مراتب الإيمان يوجد مفاضلة في
كل ّ المقامات الغيبية سواء بين الأنبياء أو الملائكة أو المؤمنين (وتلك الرسل
فضلنا بعضهم على بعض)
وصعّر
كفّه:
معنى
العبارة : جعل كفّه كالمنحدر.
1. من
شدة انخفاض مستوى الناس
2.
وإشارة إلى شدة المنحدر – المنزلق أي الإختبارات
امتحان الأمة بغياب الإمام المهدي
الامتحان الأول: وقوع
المؤمن في الحيرة
فأوّلُ امتحانٍ يمرُّ به المؤمن في عصر الغيبة
أن يبقى حائراً، ويعيش الحَيرة التي لا بدّ منها، وإنما عليه أن يتدارك الموقف
ويتخلص من حيرته بشتى الطرق الصحيحة، فيثبت على الحق، ويؤمن بإمامه ويتيقن بأنه
معه يراه ويطّلع على أحواله وأحوال باقي المؤمنين، وأنه يدعو لهم، وبدعائه يدفع
الله تعالى البلاء عنهم. وكلما استطالت مدة غيبته اشتد الامتحان إيمانه، فهل يسلّم
للأئمة عليهم السلام، ويبقى قائلاً بإمامة الغائب منهم كالحاضر منهم عليهم السلام،
أم يُدخِل الشيطان الشك إلى قلبه فيرتد عن دينه؟.
روى الشيخ الطوسي (رحمه الله) بسندٍ صحيح عن
الأصبغ بن نباتة قال: أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته ينكت في الأرض، فقلت
له: (يا أمير المؤمنين مالي أراك مفكراً تنكت في الأرض، أرغبةٌ منك فيها؟. فقال:
لا؛ والله ما رغبت فيها، ولا في الدنيا يوماً قط؛ ولكني تفكرت في مولود يكون من
ظهري الحادي عشر من وُلدي، هو المهدي الذي يملأها عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً
وظلماً؛ يكون له حَيرة وغيبة، تضلّ فيها أقوام، ويهتدي فيها آخرون)([13]).
الامتحان الثاني:
الثبات على العقائد الحقة
لم تكن الحَيرة وحدها تسيطر على الأوضاع
العامة والأوضاع الخاصة من حياة الإنسان في عصر الغيبة مما قد يسهل السيطرة عليها
أحياناً، أو يمكنه أن يتجاوزها بعد الصعوبات والمشقّة أحياناً أخرى، وإنما قد
تكالبت في عصر الغيبة الفتن والأهواء بالإضافة إلى محنة غيبة الإمام عجل الله
تعالى فرجه الشريف وما ظهرت منها من حَيرة. وأفضل وصف لهذا التكالب ما جاء في دعاء
الافتتاح الذي يُقرأ في ليالي شهر رمضان في عصر الغيبة: (اَللّهُمَّ اِنّا نَشْكُو
اِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنا صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَغَيْبَةَ وَلِيِّنا
[إمامنا خ.ل]، وَكَثْرَةَ عَدُوِّنا، وَقِلَّةَ عَدَدِنا، وَشِدّةَ الْفِتَنِ
بِنا، وَتَظاهُرَ الزَّمانِ عَلَيْنا).
فمع أن المصيبة العظمى تتجوهر بغيبة الإمام
عجل الله تعالى فرجه الشريف. فإن لهذه الفترة الزمنية نفسها من حياة البشرية بشكل
عام امتيازاً خاصاً يختلف عن العصور السابقة، وكذلك يختلف بشكل كلّي ومطلق عن ظروف
عصر ما بعد الظهور بكثرة العدو، وقلّة العدد، وشدّة الفتن، وتظاهر الزمان.
وتوضّح الروايات الشريفة أن لعصر الغيبة نفسه
مراحلَ متعددة تشترك بظاهرة قاسية تصلح أن نسميها قانوناً ينص على حقيقة تقول:
كلّما استطالت الفترة زمناً، وتباعدت عن عصر النص الشريف، ازدادت الفتن.
ومن المؤكد أن لغياب الإمام المعصوم عن مسرح
حياة البشرية الأثرَ الأكبر لهذا الافتتان والضياع الذي تعيشه البشرية اليوم بشكل
واضح لا لبس فيه.. ويرجع ذلك لعقيدتنا الصحيحة التي تنصّ على أنّ لوجود الإمام عجل
الله تعالى فرجه الشريف نِعَماً لا تعدّ ولا تُحصى، ومنها: أن حضور الإمام نفسه
عجل الله تعالى فرجه الشريف (وإن لم يعمل ولايته التشريعية على الناس) هو السبب
الذي ينتشر به الخير الكثير، وتهرب الفتن إلى جحورها، وحينما يغيب الإمام عجل الله
تعالى فرجه الشريف تستغل الخفافيش الفرصة، فتظهر للعراء لتدمّر وتخرّب ما أمكنتها
الظروف.. ولعل في الخبر الشريف المروي عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه
الشريف في الفائدة من وجوده في عصر الغيبة يرمز إلى هذه الحقيقة..
الم
يكن من الأفضل رفعه كي لا يضل الناس؟
وربما يثار هذا السؤال في عرض الحديث عن الفتن
وفلسفتها في (الفهم الإسلامي) لحركة الإنسان.. وقد يقال كسيرة المشكّكين: ألم يكن
من الأفضل رفع المغريات من أمام الإنسان لتسهل حركته؟.
ويضاف إليه: ألم يكن وضع تلك الفتن أمام
الإنسان تغريراً به للانسياب إلى الباطل، مما يعرقل حركته السليمة والإيقاع به
بالتالي بزلاّت الخطيئة؟.
ان الجواب على هذه التساؤلات يكمن في معرفة ان
الإنسان لا يكون أهلاً لتسلّم هذا الموقع المهم في الكون ــ موقع الخلافة والنصرة
ــ إلا إذا كان قوياً قادراً على مواجهة الصعوبات والمآزق، كما هو المفترض
بالإنسان الذي يؤهّل للقيام بالأدوار المهمة في الحياة السياسية أو الإدارية أو
العسكرية، ولذلك فإنه سوف يدخل بدورات تأهيلية شاقّة تجعله في المستقبل بمستوى
مسؤولية المهمة التي يراد منه القيام بها.
ولذلك كان الامتحان الإلهي للبشرية ضرورياً
عبر تاريخها في جميع الرسالات والأمم السابقة، وكانت نتيجة الامتحان أن ينتخب
الناجحين بالامتحان ويعزلهم عن أممهم ومجتمعاتهم، ثم يسلّط عذابه على الراسبين
ويهلكهم جميعاً ولا يبقي منهم أحداً.
كما حدث لقوم نوح وهود وصالح (على نبينا وآله
وعليهم السلام)؛ وكانت تختلف الامتحانات والفتن باختلاف الأدوار التاريخية الموكلة
بكل أُمة من تلك الأُمم السابقة. فكلما كانت المهمة أكبر، والدور أهم كان الامتحان
أصعب والمشقة أكثر.وكل ذلك من صالح البشرية ومستقبلها لبناء مجتمع فاعل مسؤول.
فقد كان الامتحان الإلهي في تاريخ الأنبياء
السابقين عليهم السلام سبباً لتكامل البشرية ورقيّها، واستئهالها لحمل رسالة
السماء، وتسنّم منصب خلافة الله تعالى في الأرض، وكذلك سوف يكون الامتحان الإلهي
في التاريخ المستقبلي للبشرية في تكوين الإنسان القوي المؤهل لقيادة مستقبل
البشرية.
وإذا عرفنا أهمية التاريخ المتبقي للبشرية في
هذه الأرض من حيث حصد زرع جهود جميع الأنبياء الماضين عليهم السلام والأئمة
المعصومين عليهم السلام، ورسم نهاية الكون بشكلها الجميل، فإننا سوف ندرك أن ذلك
الدور الإنساني الخطر لا يمكن أن يقوم به إلا الإنسان الشجاع والقوي بالإرادة
والإيمان الممتحن الناجح.
ولذلك جاء الامتحان صعباً جداً. ومع أن
الإنسان المسلم قد مرّ بالامتحان الشخصي والنوعي في تاريخ الإسلام، وقد تمكن من
ولادة الصالحين المؤهلين لتحمل الأدوار الصعبة، ولكنه يقف في نهاية مسيرة قبل
الظهور أمام أصعب الامتحانات وهو يعيش إرهاصات الظهور، ليختار وينتخب الإنسان
المؤهل لتحمل مسيرة ما بعد الظهور؛ وبما أن دور ما بعد الظهور هو أهم أدوار
البشرية وأشقّها وأصعبها، فلذلك استلزم أن يكون الامتحان الإلهي للإنسان المسؤول
أشق تلك الامتحانات وأصعبها، كما نطقت بهذه الحقيقة النصوص الشريفة والتي عبرت عنه
بالتمحيص الذي يكون في عصر الغيبة وقبل الظهور.
ويمكن لنا إرجاع أهمية التمحيص وشدته إلى
الأسباب التالية:
1: لأنه الطريقة الوحيدة التي يتكامل بها
الإنسان المؤمن ليستحق أن يكون من جنود السيد الأكبر والولي الأعظم الذي يملأ
الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
2: وسوف تكون هذه الفترة الزمنية التي تُبتلى
بها البشرية مؤشّر خير إلى قرب الفرج بقرب ظهور الولي المخلّص عجل الله تعالى فرجه
الشريف.
3: كما سوف تكون تلك الفترة من تاريخ
الإنسانية مرحلة خطرة جداً ومملوءة بالمخاطر الصعبة والتلبيسات الإبليسية التي
يركب بعضها بعضاً، ولذلك حذّر الأئمة عليهم السلام منها كما ورد ذلك في مجموعة من
الأخبار منها ما رواه الكليني في الكافي، والنعماني في الغيبة عن المفضل بن عمر
وقد ذكرناها سابقاً.
وروى الصدوق بإسناده عن منصور قال: قال أبو
عبد الله عليه السلام: (يا منصور أن هذا الأمر لا يأتيكم إلا بعد إياس، لا والله
لا يأتيكم حتى تميّزوا، لا والله لا يأتيكم حتى تمحّصوا، ولا والله لا يأتيكم حتى
يشقى مَن شقي ويسعد مَن سعد) ([14]).
وروى الطوسي في غيبته بإسناده عن محمد بن
منصور عن أبيه قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام جماعة نتحدث فالتفت إلينا
فقال: (لا والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتى تُغربلوا، لا والله لا يكون ما
تمدّون إليه أعينكم حتى تميّزوا [لا والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتى
يتمحّصوا] لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم إلا بعد إياس، لا والله لا يكون
ما تمدّون إليه أعينكم حتى يشقى مَن شقي ويسعد مَن سعد) ([15]).
المنجيات من
فتن آخر الزمان
يجب
على المؤمن أن يعي بأن شدة الفتن في آخر الزمان مؤشّر واضح على قرب ظهور الإمام
المهدي (# )، بل جاءت روايات تدعو المؤمنين أن لا يكرهوا فتن آخر الزمان، بل عليهم
أن يتمنّوها؛ لأنها السبيل للخلاص من المنافقين والجبابرة، قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله): «لا تكرهوا الفتنة في آخر الزمان، فإنها تبير المنافقين»[[16]]، وقال الإمام الصادق
(عليه السلام): «تمنّوا الفتنة، ففيها هلاك الجبابرة، وطهارة الأرض من الفسقة»([17]).
ومع
أن الفتن هي علامة من علامات الظهور، إلا أن المؤمن ينبغي أن يعرف الطرق التي
تخلّصه من شرور الفتن؛ ليحظى بالنجاة والتوفيق لنصرة الإمام المنتظر (#)، ومن خلال
الروايات الشريفة يتضح بأن السبيل للخلاص من أهوال الفتن، تكمن في القيام بالأعمال
التالية:
أولاً: عدم
الاقتراب من لهب الفتن:
وهذا
ما يستفاد من حديث الإمام علي (× ) حيث قال: «لا تقتحموا من فور الفتنة، وأميطوا
عن سننها، وخلّوا قصد السبيل لها»([18]) ولكيلا يُستخدَم الفرد
مطية لتأجيج الصراع، فعليه أن يجسّد ما قاله الإمام (× ): «كن في الفتنة كابن
لبون، لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب»([19]).
وبالابتعاد
عن الفتن ينل واحة الأمان، ولعل العلة من الدعوة إلى التحلّي بالصمت وملازمة
البيت، الواردة في بعض النصوص، لئلا يقع الإنسان فريسة للهبات الفتن، والاحتفاظ
بالنفس في عصر ما قبل الظهور موصى به، لنصرة الإمام المهدي (# ).
ثانياً: التمسك
بالقرآن وأهل البيت (^ )
حيث
جاء عن أبي عبد الله عن آبائه (^ ) قال: قال رسول الله (d ): «فإذا التبست عليكم
الفتن، كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفع وماحل مصدق، ومن جعله
أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار...»([20]).
وأما
ما جاء في التمسك بأهل البيت (d )، كسبيل للخلاص من الفتن، فهذا ما ذكره حديث
الثقلين المشهور، فعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (d ) : «إني تارك فيكم ما إن
تمسكتم به لن تضلوا بعدي- أحدهما أعظم من الآخر- كتاب الله حبل ممدود من السماء
إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني
فيهما([21]).
وأكد
عليه سلمان المحمدي بقوله: «وإذا رأيتم الفتن نحوكم كقطع الليل المظلم، فعليكم
بأهل بيت محمد، فإنهم القادة وإليهم المقادة»([22]).
وهذا
يعني وجوب معرفة العقائد والأحكام الصحيحة لهذه المدرسة، لئلا يقع الإنسان فريسة
التيارات الخبيثة، التي تريد النيل من هذه الثقافة الأصيلة، عبر إشاعة الشبهات
العقائدية والشرعية، ولعلها الحرب القادمة كما يقول بعض الأعلام، فعلى العاقل أن
يتزود من معين مدرسة أهل البيت (^ )، عبر الاطلاع المكثف فيما يرتبط بالفقه
والعقيدة.
ثالثاً: الاتصاف
بالمناقب السامية الجامعة:
في الشريعة الإسلامية خصال سامية جامعة، تنجب
بدورها سلوكيات حسنة، تحمي الفرد من السقوط في مستنقع الفتن، وعلى رأس تلك الصفات
العليا:
أ ـ
التحلي بسمة الإخلاص: فقد جاء عن الرسول (صلى الله عليه وآله) قوله: «طوبى
للمخلصين، أولئك مصابيح الهدى، تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء([23]).
ب ـ
التحلي بسمة التقوى: حيث جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: «اعلموا أنه من
يتق الله يجعل له مخرجاً من الفتن، ونوراً من الظلم»([24]).
ج ـ
المداومة على الدعاء: لاشك أن للدعاء أثراً كبيراً في تحصيل الأهداف الصعبة، ومن
جملتها النجاة من شرور الفتن، والأدعية الواردة في تأثيرها البالغ للخلاص من
الشدائد كثيرة، ولكن في خصوص الفتن والشبهات، فقد جاء النص يبين أثر دعاء الغريق
للانفكاك منها، فعن عبد الله ابن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
«ستصيبكم شبهة، فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى، لا ينجو منها إلا من دعا بدعاء
الغريق، قلت: وكيف دعاء الغريق؟ قال: تقول: يا الله يا رحمن يا رحيم، يا مقلب
القلوب ثبت قلبي على دينك.»([25]). ولكي نسلم من الضلال
علينا بهذا الدعاء الذي يرويه زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
«إن للغلام غيبة قبل أن يقوم، قال: قلت ولم؟ قال: يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه - ثم
قال: يا زرارة وهو المنتظر، وهو الذي يشك في ولادته، منهم من يقول: مات أبوه بلا
خلف ومنهم من يقول: حمل ومنهم من يقول: إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر
غير أن الله عز وجل يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة، [قال:
قلت: جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شيء اعمل؟ قال: يا زرارة] إذا أدركت هذا
الزمان فادع بهذا الدعاء - اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف
نبيك، اللهم عرفني رسولك، فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني
حجتك، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني»([26]).
ويمكن لنا أن نجد عدة من الوصايا التي صدرت من
الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بهذا الخـصـوص نخـتـار مـنـهـا مـا يأتي:
أولا: الحث على الدعاء والالتجاء
إلى الله سبحانه وتعالى وطلب النجاة من هذه الفتن التي لا ينجو منها إلا من ثبته
الله سبحانه على الهدى والإيمان، وقد وردت الروايات بدعاء مخصوص يدعى به في زمن
الغيبة يؤثر في تثبيت المؤمن على الطريق الحق وهو ما يسمى بدعاء الغريق، فعن عبد
الله بن سنان قال دخلت أنا وأبي على أبي عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه عليه
فقال:«كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علماً يرى ولا ينجو
منها إلا من دعا بدعاء الغريق، فقال له أبي إذا وقع هذا فكيف نصنع؟ فقال أما أنت
فلا تدركه، فإذا كان ذلك فتمسكوا بما في أيديكم حتى يتضح لكم الأمر» ([27]).
ودعاء الغريق كما روي عن يونس بن عبد الرحمن
عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:«ستصيبكم شبهة فتبقون بلا
علم يرى ولا إمام هدى ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق، قلت: وكيف دعاء
الغريق؟ قال: تقول يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.
فقلت: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك. فقال عليه السلام: إن الله عز
وجل مقلب القلوب والأبصار ولكن قل كما أقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك».
وقد وردت رواية أخرى وفيها دعاء آخر يدعى به
في عصر الغيبة يمكن أن يقي الإنسان المؤمن وينجيه من فتن آخر الزمان التي قلما
يمكن الصمود أمامها كما عرفت ذلك من قبل، فعن زرارة بن أعين قال: قال أبو عبد الله
عليه السلام: «لابد للغلام من غيبة، قلت ولم؟ قال: يخاف وأومأ بيده إلى بطنه، وهو
المنتظر وهو الذي يشك الناس في ولادته فمنهم من يقول حمل ومنهم من يقول مات أبوه
ولم يخلف، ومنهم من يقول ولد قبل موت أبيه بسنتين، قال زرارة: فقلت وما تأمرني لو
أدركت ذلك الزمان؟ قال عليه السلام: ادع الله بهذا الدعاء: اللهم عرفني نفسك فانك
إن لم تعرفني نفسك لم أعرفك، اللهم عرفني نبيك فانك إن لم تعرفني نبيك لم اعرفه
قط، اللهم عرفني حجتك فانك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني» ([28]).
وقد ورد هذا الدعاء بصيغة ثانية وهي: «اللهم
عرفني نفسك فانك إن لم تعرفني نفسك لم اعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فانك إن لم
تعرفني رسولك لم اعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فانك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن
ديني» ([29]).
خلاصة رسالة الى زين العابدين عليه السلام الى
منتظرين
ان الامتحان في غيبة الامام # شديد وصعب
لفوائد تترتب عليه نافعة للمومنين ليستكملوا الملكات الصالحة والقوى الروحية ومن جهة أخرى غربلة العصاة والفساق لتميزهم عن
المخلصين ولوجوب اخذ الحذر والاحتياط والعمل بالوصايا الواردة عنهم ^ من قبيل
التقوى والورع والمعرفة والعلم والعمل والدعاء للاخلاص من الفتن والامتحان والوصول
الى بر الأمان والنجاة والفوز مع صاحب الزمان # .
[1] / أمالي المفيد: ص ٤٥ المجلس ٦ ح٥.
[2] / سورة العنكبوت الاية 2.
[3] / بحار الأنوار
ج ٧٨ ص ١٨٨.
[4] / بحار الأنوارج ٦٤ ص ٢٣٩.
[5] / بحار الأنوار
ج ٤٧ ص٣٠١.
[6] / سورة يونس - الآية 62.
[7] / تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي - ج ٢
- الصفحة ١٢٤.
[8] / الكافي - الشيخ الكليني - ج ٨ - الصفحة ٢٢٨.
[9] / شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني
- ج ١٢.
[10] / الكافي للشيخ الكليني: ج١، ص٣٣٣.
[11] / الاختصاص للشيخ المفيد: ص٢٠.
[12] / العنكبوت :3،1.
[13] / الغيبة / الطوسي / ص 165 ــ 166 / الطبعة
المحققة.
[14] / راجع كمال الدين / ص346 / ح32.
[15] / الغيبة / الطوسي / ص335 / ح281.
[16] / ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة
٢٣٦٦.
[17] / موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) - الشيخ هادي
النجفي - ج ٨.
[18] / نهج البلاغة - ج 2 - ص 126 - 127.
[19] / ميزان الحكمة - محمدي الريشهري ج 3 ص 2367.
[20] / الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 598 - 599.
[21] / سنن الترمذي - الترمذي - ج 5 - ص 328 - 329.
[22] / مناقب الإمام أمير المؤمنين - محمد بن سليمان
الكوفي - ج 1 - ص 414.
[23] / ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - ص 2366.
[24] / ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - ص 2366.
[25] / بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 52 - ص
148 - 149.
[26] / الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 337.
[27] / كتاب الغيبة للنعماني: ص161. معجم أحاديث
الإمام المهدي للشيخ الكوراني: ج3/ ص399.
[28] / الكافي للشيخ الكليني: ج1/ ص342، باب في
الغيبة الحديث رقم29.
[29] / كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: ص342.
تعليقات
إرسال تعليق