ما
هو المقصود بجمله «يدعي المشاهده»؟
القول الأوّل: تعني الرؤية الاختيارية
المراد من قوله عليه السلام في جمله «يدّعي
المشاهدة» هو أنّه من الممکن أن يأتي أشخاص في الأزمنة التالية للغيبة الصغرى
ويدّعون أنّهم حضروا وتشرفوا عند الإمام صاحب الزمان عليه السلام ومن هذه الجهة
قال الإمام عليه السلام: «أَلَا فَمَنْ ادَّعي المشاهدة قَبْلَ خُرُوجِ
السُّفيَانِيِّ والصيحة فَهُوَ کَذَّابٌ مُفْتَرٍ».
ردّ القول الأوّل من وجهه القول
المختار
کما يتبيّن من مضمون هذه الرواية،
إنّ هذا التوقيع الشريف يحمل ردّاً قاطعاً للقول الأوّل، لأنّ الإمام المهدي عليه
السلام قبل عباره «يدعي المشاهدة» ذکر مقدّمه لکلامه وقال في البداية«فقد وقعت
الغيبة الثانية / التّامّه» وتابع الإمام عليه السلام قوله:
«فَلا ظُهُورَ إلّابعد إِذنِ اللّه
تَعالي ذکرُهُ»، بمعني أنّ حاله الظهور العلني للإمام قد انتهت ولا أحد يستطيع
رؤيتي ولا يعرفني بأنني حجّه اللّه علي خلقه، وعلى ضوء ذلک، وطبقاً لهذا المقطع
الشريف من الرواية، فإنّ ادّعاء المشاهدة باطل من أساسه.
القول الثاني: بمعني النيابة الخاصة
فالمقصود من قول الإمام في عباره
«يدّعي المشاهدة»، هو أنّ الناس في الأزمنة التالية بعد تمام الغيبة الصغرى ربّما
يأتي أفراد منهم ويدّعون النيابة الخاصة، کما ذهب إلى هذا القول بعض الأكابر من
العلماء والمحقّقيين.
مناقشه القول الثاني حسب القول
المختار
ويبدو أنّ القول الثاني مجانب للصواب
أيضاً، لأنّ من المعلوم أنّ عباره «مَن يدّعي المشاهدة» لا تعني «من يدّعي
النيابة»، وبعباره أخري إنّ تطبيق معني الکلمه «عن المشاهدة» على «النيابة» خلاف
الظاهر.
يقول أبو طالب التجليل التبريزي:
أقول: المراد من مشاهدته أن يراه أحد ويعرفه، لا مجرد رؤيته من دون أن يعرفه، كما
يدل عليه ما رواه النعماني في الغيبة بالسند عن الصادق عليه السلام في حديث قال:
صاحب هذا الامر يتردد بينهم، ويمشي في أسواقهم، ويطأ فرشهم، ولا يعرفونه حتى يأذن
الله له أن يعرفهم نفسه، كما أذن ليوسف حتى قال له إخوته: " (أئنك لأنت يوسف
قال أنا يوسف) ([1])
" ([2]).
وما رواه في كمال الدين عن ابن المتوكل، عن الحميري، عن محمد بن عثمان العمري،
قال: سمعته يقول: والله إن صاحب هذا الامر يحضر الموسم كل سنة فيرى الناس ويعرفهم،
ويرونه ولا يعرفونه ([3]).
وقال في ص 341: ويفسر شيخهم النوري الطبرسي نص الكافي الذي يقول: لابد لصاحب هذا
الامر من غيبة، ولابد له في غيبته من عزلة، وما بثلاثين من وحشة، بأنه في كل عصر
يوجد ثلاثون مؤمنا وليا يتشرفون بلقائه.
أقول: ليس المراد من الغيبة هو
الحياة وحده طول السنين من دون خادم يخدمه ولا مصاحب يصاحبه، فلا بأس أن يكون له
ثلاثون وليا يخصونه بالمصاحبة، لا يعاشرون الناس ولا أحد يعرفهم ([4]).
مرتضى المجتهدي السيستاني
في الصحيفة المباركة المهديّةأقول:
انّ ال في المشاهدة في قوله صلوات الله عليه من يدّعى المشاهدة: للعهد الذهني، ولا
يصح أن تكون للجنس أو غيره، فمعناه: من يدّعى المشاهدة بعنوان النيابة فهو كذّاب
مفتر، لأنّه مضافاً إلى كذبه في ادّعائه المشاهدة مفترىٌ على الإمام عليه السلام
في أنّه عيّنه للنيابة الخاصّة، ومن ادّعى كذباً المشاهدة فقط ولا غير فهو كاذب
وليس بمفتر.
بعض الإحتمالات في تفسير معني
العباره في التوقيع المبارک
أولا: يمکن حمل معني الکلام
الوارد في التوقيع علي أنه يشير إلي أولئک الذين يدعون علاوه علي المشاهده معرفه
الإمام عليه السلام حين المشاهده أيضا، وباختصار فإن النفي والإثبات لا يکون
مرتبطا بموضوع واحد، بل إن النفي يرتبط بکل حاله ارتبطت فيها المشاهده بالمعرفه
والتشخيص علي أن هذا المشاهد هو صاحب الأمر عليه السلام. في حين يرتبط الإثبات بکل
مشاهده تمت دون معرفه الإمام عليه السلام أثناء الملاقاه، وعليه فإن ما يجب أن يرد
ويکذب هو إدعاء الملاقاه ومعرفه الإمام عليه السلام أما رؤيته دون معرفته أثناء
اللقاء فأمر ممکن بل و واقع أيضاً. غير أن هذا التفسير لا يبدو صحيحا وتامه خصوصا
إذا علمنا أن بعض الأکابر صرحوا بالقول أنهم عرفوا الإمام عليه السلام أثناء
التقائهم به عليه السلام کما سيمر بنا في بعض القصص التي سننقلها حول تشرف البعض
بلقاء الإمام عليه السلام.
ثانيا: يمکن أن يکون المعني
المراد من التوقيع الشريف هم أولئک الذين يقرنون ادعاءهم بلقياه مع ادعاء النيابه
أو الوساطه أو البابيه وادعاء استمرار الإتصال والإرتباط به عليه السلام. فمن ليس
لديه ادعاء سوي التشرف برؤيه طلعته البهيه وعلي نحو الأحيان والإستثناء لا يمکن
اعتباره مفتر کذاب وبذلک فإن التوقيع الشريف يمنع من صياغه البدع وادعاء البابيه
والوساطه وبالنتيجه فهو يمنع من انحراف المجتمع وجميعنا نعلم کثره الکذابين
والمنحرفين ممن ادعوا البابيه لإمام الزمان عليه السلام وأضلوا طوائف من المسلمين
وشوهوا مفاهيمهم عن الدين وحرفوها خلال هذه المده التي جاوزت الألف عام من بدء
الغيبه الکبري للإمام عليه السلام.
وقد استدل العلامه المجلسي
(قدس سره) بهذا الأمر وحده بعد إيراده التوقيع المبارک فقال: لعله محمول علي من
يدعي المشاهده مع النيابه وإيصال الأخبار من جانبه عليه السلام إلي الشيعه علي
مثال السفراء لئلا ينافي الأخبار التي مضت وستأتي فيمن رآه عليه السلام والله يعلم
([5]).
ثالثا: يمکن أن يکون المقصود
من «المشاهده» في التوقيع الشريف هو ادعاء المشاهده الإختياريه أي أن يدعي أحدهم:
أن الملاقاه والمشاهده تتم بناءا علي إرادته وفي أي وقت وفي أي مکان أراد، وطبيعي
أن أحدا لم يسمع بادعاء کهذا من الأخبار والصلحاء والعلماء من الذين التقوا الإمام
عليه السلام، بل إنهم حتي لم يحتملوا حدوث هذا الأمر مع غيرهم. وبناءا علي ما تقدم
فإن التوقيع لا ينفي حدوث المشاهده مطلقا، بل إنه بصدد نفي المشاهده المطلقه غير
المقيده بقيد أو شرط.
رابعا: يقول المحدث الأجل
المرحوم الحاج الميرزا النوري (قدس سره) بعد إيراده نص الرساله: «وهذا الخبر
بظاهره ينافي الحکايات السابقه وغيرها مما هو مذکور في البحار والجواب عنه من
وجوه:
الأول: إنه خبر واحد مرسل، غير
موجب علما، فلا يعارض تلک الوقائع والقصص التي يحصل القطع عن مجموعها بل ومن بعضها
المتضمن لکرامات ومفاخر لا يمکن صدورها من غيره عليه السلام، فکيف يجوز الإعراض
عنها لوجود خبر ضعيف لم يعمل به ناقله، وهو الشيخ في الکتاب المذکور [الطوسي في
کتاب الغيبه] کما يأتي کلامه فيه ... » ([6]).
وما نراه نحن هو أن عبارات
التوقيع الشريف ذاتها، تفيد بأن الکلام إنما يتوجه إلي الکذابين والخائنين وأصحاب
البدع کما هو واضح من عباره «وسيأتي إلي شيعتي من يدعي المشاهده» فبملاحظه العباره
بتأمل يظهر بجلاء أن المدعي ليس من الشيعه بل أنه يأتي إليهم بالکذب والغش لتحقيق
مقاصد مغرضه، فيدعي الملاقاه والمشاهده، وهو عاده يأتي مصرا متذرعا بأغلظ الإيمان
علي صدق إدعائه؛ ونعلم جميعا أن أکابرنا ممن تشرفوا بملاقاته عليه السلام لم يکن
لديهم وليس لديهم أدني سوء قصد أو غرض في ما نقلوه من المشاهدات أو الأحداث في
الملاقاه. بل إنهم کانوا وما يزالون العشاق الصاحب الأمر ع السفر والسعاه في خدمه
العقيده المحمديه الأصيله، وهم تلک النخبه من الأطهار الذين أبوا وامتنعوا أحيانا
بل في أغلب الأحيان عن ذکر أو شرح ما رأوه وشاهدوه ابتداءا، ولم ينبسوا ببنت شفه
دون توصيه من أحد علي ذلک، وفي الأصل فهم لا يتحدثون عن أنفسهم وليسوا بصدد إثبات
الکرامه لأنفسهم أو إعلاء شأنهم بين الناس. وعليه فإن التوقيع المذکور لا ينطبق
علي علماء الشيعه، فنقلهم للقصص التي تفيد رؤيتهم هم أو غيرهم له عليه السلام ليس
فيها إثبات لادعاء أو مدعي ما. بل إنهم ينقل هذه القصص والأحداث إنما يعبرون عن
رسوخ. اعتقادهم وثباته بولي العصر عليه السلام، کما أن هدفهم من نقلها إلي الآخرين
إنما هو ترسيخ الإعتقاد بالغيب وبوجود إمام العصر والزمان وجعله أکثر ثباتا
ووضوحا.
[1] / سورة يوسف الآية (90).
[2] / الغيبة للنعماني ص (163).
[3] / كمال الدين ص( 440 ).
[4] / تنزيه الشيعة الأثني عشريه أبو طالب التجليل
التبريزي ص (181).
[5] / بحار الأنوار ج 52 /ص 151. باب من ادعي الرؤيه
في الغيبه الکبري.
[6][6] / جنه المأوي، المطبوع مع
البحار: ج 53 / ص 318.
تعليقات
إرسال تعليق