القائمة الرئيسية

الصفحات

النبي صلى الله عليه واله إِمَامِ الرّحْمَةِ، وَ قَائِدِ الْخَيْرِ، وَ مِفْتَاحِ الْبَرَكَةِ







 النبي صلى الله عليه واله إِمَامِ الرّحْمَةِ، وَ قَائِدِ الْخَيْرِ، وَ مِفْتَاحِ الْبَرَكَةِ

تمهيد
إنّ النظر العقائدي والمعرفي إلى شخصية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله يقودنا إلى حقيقة جليلة، وهي  
أ نّه المظهر الأكمل لفيض الله المطلق، والمرآة الجامعة لكل كمال إلهي قابل للظهور في عالم الإمكان. فكل ما نشهده من فضائل وخيرات، وجمالات وكمالات، في الإنسان أو الملَك، في النبي أو الولي، إنّما هو قبس يسير من ذلك النور المحمدي الأزلي، الذي جعله الله أصل الوجود ومصدر الإمداد.
فالنبي صلى الله عليه وآله لم يكن مجرد حامل لصفات الخير، بل هو الجامع الأعلى لها، بل هو المَعين الذي استمدّت منه جميع الكائنات نصيبها من الفضائل. وما نراه في المرسلين والأوصياء والأولياء والملائكة من عظمة وجلال، إنما هو إشعاع من ذاته النورانية التي أشرقت على الخلق، فكان صلى الله عليه وآله مظهر الرحمة، ومنبع الحكمة، ومجمع الكمال.
من هنا ندرك أنّ الحديث عن مقامات النبي ليس وصفاً لصفات متفرقة، بل هو ارتحالٌ في عوالم الكمال المطلق، ورحلةٌ في أسرار المظهر الأول، الذي به ابتدأ الخلق وبه يُختم، ومنه تنبثق جميع مراتب الخير والجمال.
عن جابر بن عبد الله قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله: أول شئ خلق الله تعالى ما هو؟ فقال: نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير([1]).
 
علّق العلامة المجلسي قدّس سرّه على الفقرة الأخيرة من الرواية قائلا:«كما أنّ الحجاب متوسط بين المحجوب و المحجوب عنه كذلك هو صلّى اللّه عليه و آله و سلّم واسطة بين اللّه و بين خلقه»([2])
جميع الخيرات التي في الوجود، من العقول، الأرواح، الأنبياء، الملائكة، بل كل الكمالات، مخلوقة من ذلك النور.
معنى "خلق منه كل خير" أنّ نور النبي هو واسطة الفيض الإلهي، فلا يصل خير إلى خلق إلا عبره.
ومن هنا يعلم ان النبي ليس مجرد رسول تاريخي، بل هو أصل المعرفة والهدى، فالمعارف كلها تستمد مشروعيتها وصدقها من اتصاله.
إدراك حقيقة النبي يستلزم معرفة المبدأ الأول للوجود، أي أنّ معرفة الله مقترنة بمعرفة النبي الذي هو أول مظهر لأسمائه وصفاته.
النور المحمدي هو مظهر الجمال الإلهي في أصفى صوره، وكل ما نشهده من حسن وجمال في المخلوقات ليس إلا شعاعاً منه.
 
 
الحديث يكشف أن الحب للنبي ليس مجرد تكليف شرعي، بل هو انجذاب فطري نحو الأصل النوراني الذي خُلقنا منه.
إذا كان كل خير في الوجود منبثقاً من نور النبي، فهذا يعني أنّ الارتباط به هو طريق الخير المطلق.
الإيمان برسول الله لا يقتصر على اتباع شريعته فحسب، بل يشمل الانغماس في نوره والاتصال به قلباً وروحاً.
 
يربي المؤمن على أن يرى في النبي قدوته في الكمال، لأنه جامع كل الخير.
ما الدلالة العقائدية لكون النبي صلى الله عليه وآله "إمام الرحمة"، وهل الرحمة هنا صفة إلهية متجلية فيه أم صفة ذاتية له باعتباره رسولاً؟
 
الجواب:
وصف النبي بأنه "إمام الرحمة" يشير إلى كونه المظهر الأكمل لرحمة الله، مصداقًا لقوله تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين». الرحمة الإلهية ذات مراتب: رحمة عامة تشمل الوجود كله، ورحمة خاصة بالمهتدين، ورحمة أخصّ بالأولياء. النبي صلى الله عليه وآله هو واسطة الفيض، أي أن الرحمة الإلهية تصل إلى الخلق عبره، فكان إمامًا لها، يقود الخلق إلى ظلالها. إذن، الرحمة ليست صفة ذاتية بشرية فقط، بل هي تجلٍّ للصفة الإلهية في شخصه، وهو دليل أن الرسول مظهر أسمى لأسماء الله.
 
 
كيف نفهم مفهوم "قائد الخير" في سياق مهمّة النبي، وهل القيادة هنا تشريعية فقط أم تكوينية أيضاً؟
 
الجواب:
"قائد الخير" يعني أن النبي لم يكن مبلّغًا فحسب، بل قائدًا يوجّه حركة الإنسان نحو الخير المطلق. القيادة هنا على مستويين:
 
تشريعي: بتشريع القوانين الإلهية التي ترسم طريق الخير.
 
تكويني: لأنه إمام منصوص من الله، له ولاية على القلوب والأرواح، فيقودها بالهداية الباطنية كما يقودها بالهداية الظاهرية.
وعليه، قيادة الخير ليست مجرد تعليم، بل اصطفاء وولاية، حيث يفتح للإنسان أبواب الخير ويجنّبه مسالك الشر.
 
 
السؤال الثالث
 
ما سرّ التعبير بـ"مفتاح البركة"، ولماذا لم يقل "مصدر البركة"؟
 
الجواب:
التعبير بـ"مفتاح" يرمز إلى أن البركة من حيث الأصل هي لله وحده، لكنه جعل للنبي بابًا ومفتاحًا للوصول إليها. فالنبي مفتاح يفتح للخلق أبواب الفيض الإلهي، والبركة لا تُنال إلا عبره. هذا يشبه قوله تعالى: «وابتغوا إليه الوسيلة». المفتاح يدل على الواسطة والتمهيد، أي أن وجوده الشريف يفتح للناس خزائن الرحمة والزيادة والنماء، في كل شيء من العلم إلى الرزق إلى الروح. وهذا تعبير عرفاني عميق، يُبرز وساطته فيضًا وولايةً.
 
السؤال الرابع (عرفاني وجودي):
 
ما العلاقة الباطنية بين "إمام الرحمة، قائد الخير، مفتاح البركة"؟ هل هي صفات منفصلة أم مترابطة في حقيقة واحدة؟
 
الجواب:
هذه الصفات في ظاهرها متعددة، لكن في باطنها حقيقة واحدة هي مقام الولاية المحمدية:
 
الرحمة = البعد الوجودي للفيض الإلهي.
 
الخير = الاتجاه السلوكي الذي يقود الناس إليه.
 
البركة = ثمرة الاتصال به ونتيجة الهداية.
إذن، النبي صلى الله عليه وآله هو قطب الوجود الذي تتشعّب منه الرحمة والخير والبركة، وهذه ليست صفات متجاورة، بل مراتب لحقيقة واحدة: الرحمة أصل، الخير مسار، البركة أثر.
 
 
مقطع من الصحيفة السجادية
 
قال الإمام زين العابدين عليه السلام في الدعاء الثاني:
«إمام الرحمة، وقائد الخير، ومفتاح البركة»
 
السؤال الأول: ما الدلالة العقائدية لكون النبي "إمام الرحمة"؟
 
إن وصف النبي صلى الله عليه وآله بـ"إمام الرحمة" يعني أنه المظهر الأكمل للرحمة الإلهية. فالرحمة أصلها من الله، لكن مظهرها وسبيلها الأعظم هو رسول الله. الرحمة هنا ليست مجرد صفة بشرية عاطفية، بل هي تجلٍّ للاسم الإلهي "الرحمن" في شخصه الشريف، حتى صار واسطة الفيض، وباب الرحمة للعالمين، كما قال تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».
 
السؤال الثاني: كيف نفهم كونه "قائد الخير"؟
 
القيادة هنا ليست تعليمية فقط، بل ذات بعدين:
 
تشريعي: حيث يرسم الطريق إلى الخير بالأحكام والشرائع.
 
تكويني: حيث يمتلك ولايةً روحية على القلوب، فيجذبها إلى الخير جذبًا.
وبذلك يكون النبي صلى الله عليه وآله قائد الخير مطلقًا، ليس مبلّغًا فقط، بل إمامًا يقود الوجود كله نحو كماله.
 
السؤال الثالث: لماذا وُصف بـ"مفتاح البركة" ولم يُقل "مصدر البركة"؟
 
التعبير بـ"مفتاح" يكشف أن البركة أصلها من الله تعالى، لكن النبي هو الباب الذي يُفتح به كنز البركات. هو الواسطة التي جعلها الله طريقًا للوصول إلى الزيادة والنماء والخير الدائم. وبهذا، صار وجوده الشريف مفتاحًا يفتح للخلق أبواب الفيض الإلهي، تمامًا كما قال تعالى: «وابتغوا إليه الوسيلة».
 
السؤال الرابع: ما العلاقة الباطنية بين "إمام الرحمة، قائد الخير، مفتاح البركة"؟
 
هذه الصفات في ظاهرها متعددة، لكنها في الحقيقة تتحد في مقام الولاية المحمدية:
 
الرحمة: أصل الفيض.
 
الخير: مسار الهداية.
 
البركة: ثمرة الاتصال.
 
فالنبي صلى الله عليه وآله قطب الوجود، تتنزل عبره الرحمة، ويقود بها إلى الخير، ثم يفيض على القلوب بركات لا تنقطع.
النبي صلى الله عليه وآله في الصحيفة السجادية يتجلّى كـ:
 
إمام الرحمة = المظهر الأكمل للفيض الإلهي.
 
قائد الخير = الموجه للسلوك والولاية.
 
مفتاح البركة = الواسطة التي بها تُفتح خزائن الفيوضات.
 
وهذه الأوصاف الثلاثة ليست منفصلة، بل هي أبعاد لحقيقة واحدة، هي الحقيقة المحمدية الجامعة.
أيها الأحبة، إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو:
 
إمام الرحمة: رحمة الله للعالمين،
 
وقائد الخير: الذي أخذ بأيدي البشرية إلى الصراط المستقيم،
 
ومفتاح البركة: الذي تُفتح به أبواب الفيض الإلهي،
 
فإن هذه الصفات العظمى لم تنقطع بغيابه الجسدي، بل هي باقية جارية في خلفه وحجته على الخلق: الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
🔹 فالمهدي هو إمام الرحمة في هذا العصر؛ به يُرحم الوجود، ولولاه لساخت الأرض بأهلها، كما ورد في الحديث الشريف.
🔹 وهو قائد الخير؛ يقود المؤمنين إلى العدل والحق، ويوجه الإنسانية نحو النور، كما قال جده أمير المؤمنين: «لابد للناس من إمام هادٍ أو إمام مضل»، فالمهدي هو الإمام الهادي في هذا الزمان.
🔹 وهو مفتاح البركة؛ فببركته يفيض الرزق، وبوجوده تُحفظ الأمة، وبظهوره الموعود تعم البركات الأرض كلها: «تُخرج الأرض بركاتها، وتنزل السماء قطرها».

[1] / بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ٢٤.
[2] / بحار الأنوار: ج 23 ص 102.

تعليقات