المقامات العشرة
لصاحب الزمان في زيارة يوم الجمعة
المقام الاول
حُجَّةَ الله في أرضِهِ
السَّلامُ عَلَيكَ يا حُجَّةَ الله في أرضِهِ
أول تحية نوجهها للإمام في هذه
الزيارة هي وصفه بأنه حجة الله في الأرض فما معنى الحجة ومامعنى حجة الله وما الحُجّة
في التتشريع والتكوين
معنى
الحُجّة
الحُجّة في اللغة: ما يُحتجّ به
لإقامة البرهان على الغير. وفي العقيدة: الإمام هو البرهان القاطع لله على خلقه،
بحيث لا يبقى لأحدٍ عذرٌ في ترك الهدى. قال الإمام الصادق عليه السلام:«الحُجّة
قبل الخلق، ومع الخلق، وبعد الخلق» (الكافي، ج1، ص178).
«إن الحجّة لا تقوم للّه علي خلقه
إلاّ بإمام حتي يعرف» .
و عن الصادق عليه السّلام قال: «إن
الحجة قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق» .
و أيضا عن الصادق عليه السّلام قال :
«ما زالت الأرض إلاّ و للّه فيها الحجّة يعرف الحلال و الحرام و يدعو الناس إلي
سبيل اللّه» .
و عن أبي بصير، عن أحدهما، قال: «إن
اللّه لم يدع الأرض بغير عالم، و لو لا ذلک لم يعرف الحق من الباطل» .
و عن الباقر عليه السّلام قال: «و
اللّه ما ترک اللّه أرضا منذ قبض اللّه آدم عليه السّلام إلاّ و فيها إمام يهتدي
به إلي اللّه، و هو حجته علي عباده، و لا تبقي الأرض بغير حجّة للّه علي عباده» ،
عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «الأوصياء هم أبواب اللّه تعالي
التي يؤتي منها و لولاهم ما عرف اللّه تعالي، و بهم احتج اللّه علي خلقه» .
عن ابن أبي عمير عن رجاله عن أبي عبد
اللّه عليه السّلام يرفع الحديث إلي الحسن بن علي عليه السّلام أن قال: «إن للّه
مدينتين إحداهما بالمشرق و الأخري بالمغرب عليهما سوران من حديد، و علي کلّ مدينة
ألف ألف مصراع من ذهب، و فيها سبعون ألف ألف لغة يتکلم کل لغة بخلاف لغة صاحبه، و
أنا أعرف جميع اللغات، و ما فيهما و ما بينهما حجة غيري و الحسين أخي» .
عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد
اللّه عليه السّلام يقول: «ما من شيء و لا من آدمي و لا إنسي و لا جنّي و لا ملک
في السموات إلاّ و نحن الحجج عليهم، و ما خلق اللّه خلقا إلاّ و قد عرض ولايتنا
عليه و احتج بنا عليه، فمؤمن بنا و کافر و جاحد حتي السموات و الأرض و الجبال»
حديث الهروي قال : كان الرضا عليه
السلام يكلّم الناس بلغاتهم ، وكان والله أفصح الناس وأعلمهم بكلّ لسان ولغة.
فقلت له يوماً : يابن رسول الله إنّي
لأعجب من معرفتك بهذه اللغات على إختلافها؟ فقال : يا أبا الصلت «أنا حجّة الله
على خلقه ، وما كان ليتّخذ حجّة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم ، أو ما بلغك قول أمير
المؤمنين عليه السلام : اُوتينا فصل الخطاب؟ فهل فصل الخطاب إلاّ معرفة اللغات»
(بحار الأنوار : ج 26 ص 190 ب 14 ح 1.).
حُجّة
الله
لم يقل النص "حجّة على
الناس" بل قال "حُجّة الله"، للدلالة على أنّ الإمام ليس مجرّد
مبلّغ أو واعظ، بل هو المظهر الإلهي لبرهان الله، أي أنّ وجوده بحد ذاته دليلٌ على
الله، لا على نفسه فقط. فالإمام هو "الحُجّة لله على الخلق"، لا
"الحجّة من الخلق على الخلق".
«في أرضه» التقييد بـ"في أرضه" يفتح
معنى وجوديًّا عميقًا: فالإمام ليس فقط مرجعًا دينيًّا في التشريع، بل هو القطب
الذي تدور عليه الأرض. ورد عن الإمام الباقر عليه السلام:«لو بقيت الأرض بغير إمام
لساخت بأهلها» (الكافي، ج1، ص179).
إذن: وجود الإمام هو الضمان لبقاء
الأرض وارتباطها بالسماء.
الحُجّة:
تشريع وتكوين
الحُجّة ليست فقط بالبيان (تشريع)،
بل أيضًا بالفيض (تكوين). فالإمام كما يبيّن الشريعة، كذلك هو واسطة الفيض الإلهي.
من هنا قيل: الإمام "واسطة بين الغيب والشهود".
لا تخلو الأرض من حجّة
الزيارة تُشير ضمنًا إلى قاعدة
أساسية عند الإمامية: أنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله. فوجود الحجّة شرط لبقاء
الأرض. وغيبة الإمام لا تعني عدم وجوده، بل تعني احتجابه عن الأنظار، مع استمرار
دوره التكويني والبرهاني.
البُعد العملي في الإيمان بأنّ
الإمام هو "حُجّة الله" يعني أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش في دائرة
الإيمان الحق إلا بالرجوع إلى هديه، لأنه تجلّي الهداية الإلهية. وهذا يُلزم
المؤمن بتجديد العهد مع الإمام في كلّ يوم، وبأن يعيش حالة الانتظار الواعي: أي
بناء الذات والمجتمع على أساس أنّنا في حضرة الحُجّة، حتى لو غاب عن النظر.
حين تقول في الزيارة: «السلام عليك
يا حُجّة الله في أرضه» فأنت تُعلن اعترافك بأن الإمام هو البرهان القاطع لله على
خلقه، وهو الضامن لبقاء الأرض، وهو الواسطة بين السماء والأرض. هذه الجملة تلزمك
بأن لا ترى حياتك إلا من خلال نور الإمام، ولا تفهم الدين إلا بمرآته، ولا تعتبر
الوجود إلا قائمًا ببركته.
قصة قُلْ: اشهد انّك
حجّة اللّه
روى
لي هذه الواقعة رجل اثق به في مشهد، اسمه الحاج الميرزا علي الحيدري.. ولكني ما
دوّنت تفصيل ما روى لي. وكان حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمّد الرازي قد سمع هذه
الواقعة من هذا الرجل الثقة نفسه وسجّلها في كتابه (آثار الحجّة) في الصفحة
الثمانين. وها انذا اذكرها هنا بتصرّف، اعتمادًا على مصدرين:
الاوّل
ذاكرتي، والثاني كتاب (آثار الحجّة).
قال
الميرزا الحيدرىّ:
هذه
الواقعة سمعتها في طهران من حجة الاسلام والمسلمين الشيخ إ سحاق الرشتي ابن
المرحوم آية اللّه الشيخ حبيب اللّه الرّشتي. ولمّا وفّقت الى السفر الى الشام
لزيارة السيّدة زينب (سلام اللّه عليها).. التقيت بالمرحوم آية اللّه سيّد محسن
الامين العاملي، وروى لي هو نفسه هذه الواقعة التي وقعت له.
قال
سيّد محسن الامين:سافرت الى بيت اللّه الحرام حاجًّا في ايّام حكم الشريف علي في
مكّة. وقد سنح في بالي ان اوفّق الى لقاء الا مام صاحب الزمان (عليه السّلام) خلال
مناسك الحجّ.. وهذا جعلني -وانا اؤ دّي مناسك ذلك العام -كثير التفكير بالا مام
(عليه السّلام).. بَيْدَ انّي لم اءُفلح في لقائه (عليه السّلام).
وبعد
اداء الحجّ عزمت على العودة الى الوطن.. ولكنّي فكّرت في انّ المسافة ما بين مكة
ولبنان بعيدة جدًّا (بوسائل النقل المتوفرة آنذاك) ، فوجدت انّ الافضل لي ان ابقى
في مكة الى موسم الحجّ الاتي.. لعلّي اوفق الى رؤ ية الامام ولىّ العصر (ارواحنا
فداه). وهكذا مكثت عامي ذاك في مكة.. ولم افُزْ فيه ايضًا بما اردت. ومرّت علىٍّّ
في مكة سنة ثالثة ورابعة.. حتى اكتملت خمس سنوات او سبع لم ابلغ خلالها مُرادي
(الترديد بين خمس السنوات وسبع السنوات من راوي الواقعة الحاج الميرزا علي
الحيدري).
وخلال
إ قامتي في مكة تعرّفت على حاكم مكة (الشريف علي) ، وكنت ازوره احيانًا. وهو من
الشرفاء ومن سادات مكة، ولكنّه زيدىّ المذهب يعتقد بإ مامة اربعة من الائمة (عليهم
السّلام) ، آخرهم الامام علىّ بن الحسين السجّاد (عليه السّلام). وقد ازدادت صلتي
به متانةً في اواخر مدّة إ قامتي في مكة.
ادّيت
مناسك حجّ سَنَتي الاخيرة في مكة المكرّمة، ولم اظفر -كسابق السنوات -بِلُقْيا
الامام بقيّة اللّه (صلوات اللّه عليه) ، فاشتملتْ علىّ -بسبب ذلك -الاحزان
والاشجان. وابتغاءً للتخفيف عمّا بي من الغمّ.. قصدت جبلا في طرف من اطراف مكة،
وصعدته. ولمّا وصلت الى اعلى الجبل شاهدت ثمّة مَرْجًا فسيحًا لم اشاهد نظيرًا له
من قبل.. فقلت في نفسي:
قضيت
في مكة عدّة سنوات.. فلماذا لم آتِ هذا المرج واتنزّه فيه؟! مضيت من مكاني في اعلى
الجبل الى هذا المرج الفسيح. وهناك وجدت خيمة قائمة في وسطه، قد جلس في داخلها عدد
من الرجال، يتوسّطهم رجل عليه سيماء العظمة والعلم.. وكاءنّما كان يلقي عليهم
درسًا. ولم اسمع من كلامه إ لاّ انّه كان يقول:
اولاد
وذراري جدّتنا الزهراء (سلام اللّه عليها) يُلَقَّنون الا يمان والولاية ساعة
الاحتضار.
وما
من احدٍ منهم يموت إ لاّعلى مذهب الحقّ وكامل الا يمان.
وفي
هذه الاثناء.. قدِم شخص من مكّة، وقال لهذا السيّد الجليل: -تعالَوا
الى الشريف ؛ فإ نّه يحتضر.
امّا
انا.. فحينما سمعت هذه العبارة، قصدت مكّة، ودخلت من فوري قصر الحاكم، فوجدته في
حالة احتضار. وكان حوله العلماء والقضاة من اهل السنّة.. وهم يلقّنونه وفق مذهبهم،
ولكنّه لم يكن ينطق بحرف. وكان ولده الى جواره محزونًا.
وحانت
منّي التفاتة.. فرايت ذلك السيّد الذي كان يُلْقي درسًا في الخيمة قد دخل الباب،
وجلس عند راس الشريف. وادركت انني انا وحدي الذي كنت اراه، إ ذ كنت وحدي انظر إ
ليه.. والا خرون في غفلة عنه. بَيْدَ انّه قد تصرّف في قدرتي، وحبسني حتّى عن
السلام عليه، اوعن الحركة والقيام بين يَدَيْه. فنظر الى الشريف، وقال له:
قل:اشهد
انْ لا إله إلاّ اللّه.
فقال
الشريف:اشهد ان لا إله إلاّ اللّه.
ثمّ
قال له:قل:اشهد انّ محمّدًا رسول اللّه.
فردّد
الشريف:اشهد انّ محمّدًا رسول اللّه.
وقال
له:قل:اشهد انّ عليًّا حجّة اللّه.
فقال:اشهد
انّ عليًّا حجّة اللّه.
وهكذا..
عدّد الائمة الاطهار واحدًا واحدًا، ولقّنَ الشريف الا قرار بهم (عليهم السّلام).
والشريف
ينطق إ قرارًا بالائمة على الترتيب. حتّى إ ذا بلغ الاسمَ المقدّس للا مام بقيّة
اللّه (ارواحنا فداه).. قال للشريف:يا شريف.. قُلْ:اشهد انّك حجّة اللّه.
فقال
الشريف:اشهد انّك حجّة اللّه.
قال
سيّد محسن الامين:وهنا فطنت الى انّي قد وُفِّقتُ مرّتين الى رؤية الا مام صاحب
الزمان (عليه السّلام). ولكنّي اسفت إذ انّه (عليه السّلام) سلبني القدرة على
الكلام معه، والخضوع بين يَدَيْه.
توفّي
المرحوم آية اللّه سيّد محسن الامين العاملىّ سنة (1371 ه -) في الشام. ودُفن في
غرفة على يمين الداخل الى صحن السيّدة زينب (سلام اللّه عليها).. رحمة اللّه عليه.( (آثار
الحجّة) ص 80)

تعليقات
إرسال تعليق