مقام النور الإلهيّ الهادي والمفرِّج
المقام الثالث
مقام النور الإلهيّ الهادي والمفرِّج
السَّلامُ عَلَيكَ يا نورَ الله الَّذي يَهتَدي بِهِ المُهتَدونَ ويُفَرَّجُ بِهِ عَنِ المُؤمِنينَ.
جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت إلى مسجد الكوفة وأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه يكتب بإصبعيه ويتبسم، فقلت له: يا أمير المؤمنين ما الذي يضحكك؟ فقال: " عجبت لمن يقرأ هذه الآية ولم يعرفها حق معرفتها " فقلت له: أي آية يا أمير المؤمنين؟ فقال: " قوله تعالى * (الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح) * المشكاة محمد (صلى الله عليه وآله) * (فيها مصباح) * أنا * (المصباح في زجاجة الزجاجة) * الحسن والحسين * (كأنها كوكب دري) * وهو علي بن الحسين * (يوقد من شجرة مباركة) * محمد بن علي * (مباركة زيتونة) * جعفر بن محمد * (لا شرقية) * موسى بن جعفر * (ولا غربية) * علي بن موسى الرضا * (يكاد زيتها يضئ) * محمد بن علي * (ولو لم تمسسه نار) * علي بن محمد * (نور على نور) * الحسن بن علي * (يهدي الله لنوره من يشاء) * القائم المهدي * (ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم) * "( غاية المرام - السيد هاشم البحراني - ج ٣ - الصفحة ٢٦٤).
نور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس
الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن علي بن مرداس قال: حدثنا صفوان بن يحيى والحسن بن محبوب عن أبي أيوب، عن أبي خالد الكابلي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا) فقال: يا أبا خالد النور والله الأئمة من آل محمد (عليهم السلام) إلى يوم القيامة وهم والله نور الله الذي أنزل، وهم والله نور الله في السماوات وفي الأرض والله يا أبا خالد! لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم والله ينورون قلوب المؤمنين ويحجب الله عز وجل نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم، والله يا أبا خالد! لا يحبنا عبد يتولانا حتى يطهر الله قلبه ولا يطهر الله قلب عبد حتى يسلم لنا ويكون سلما لنا، فإذا كان سلما لنا سلمه الله من شديد الحساب وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر.( البحار ج 23 ص 308.)
يقول مولي محمد صالح المازندراني قوله: (النور والله الأئمة) إطلاق النور عليهم من باب الحقيقة لأنهم أنوار إلهيون مستورون بجلابيب الأبدان قد انعكست أشعة أنوارهم في قلوب المؤمنين من وراء الحجاب ولو رفع الحجاب وكشف الغطاء لتحير الخلائق بأنوارهم، ويحتمل أن يكون من باب الاستعارة باعتبار الاهتداء بهم إلى المقاصد الحقيقية في سلوك سبيل الله وكما أنهم أنوار في الدنيا بنورهم يهتدي الناس إلى سبيل الحق كذلك أنوار في الآخرة بنورهم يمضون على الصراط ويهتدون إلى سبيل الجنة. وليس إطلاق النور على الموجود الكامل بعيدا، وقد صرح القاضي وغيره في آية النور أن الملائكة والأنبياء يسمون أنوارا.
قوله: (أنور من الشمس المضيئة) لأن عالم القلوب وظلمته أوسع وأشد من عالم الظاهر، وظلمته، والنسبة بينهما كالنسبة بين الباصرة والبصيرة، بل بين الدنيا والآخرة، فالنور الرافع لظلمة الأول أشد وأقوى من النور الرافع لظلمة الثاني.
قوله: (ينورون قلوب المؤمنين) ليس هذا التنوير على نحو واحد بل مقول على الشدة والضعف بحسب تفاوت مرآة القلوب في الجلاء وأدنى مراتب الضعف ما يوجب زواله الدخول في زمرة الشياطين، وأقوى مراتب الشدة ما يوجب كمال التشبه بالأئمة الطاهرين.
قوله: (ويحجب الله) أي ويحجب الله تعالى نورهم عمن يشاء من عباده لإبطال استعداده الفطري وكماله الأصلي فتظلم قلوبهم وتعمى بصيرتهم فيتبعون نداء الشيطان ويسعون في هاوية الخذلان إلى أن يدخلوا جهنم وبئس المصير.
قوله: (حتى يطهر الله قلبه) عن الأخباث والعقائد الفاسدة والظاهر أن التطهير والتسليم والسلم من توابع المحبة دون العكس وإن كان «حتى» يحتمل الأمرين.
قوله: (حتى يسلم لنا) التسليم لهم هو متابعتهم في العقائد والأعمال والأقوال وقبول جميع ذلك وإن لم تظهر له الحكمة.
قوله: (ويكون سلما لنا) السلم بكسر السين وفتحها، وهما لغتان في الصلح يذكر ويؤنث وقال الخطابي: السلم بفتح السين واللام: الاستسلام وهو الإذعان والانقياد كقوله تعالى (وألقوا إليكم السلم) أي الانقياد وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجمع، يقال: رجل سلم ورجلان سلم وقوم سلم، قال الجوهري: السلم يعني بكسر السين وسكون اللام السالم يعني ترك الحرب يقال: أنا سلم لمن سالمني، وهذه المعاني قريبة من التسليم فالعطف للتفسير.( شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٥ - الصفحة ١٧٧)
النور أصل لكلّ المواهب والبركات
أنّ النّور ألطف الموجودات الماديّة في العالم، وسرعة مسيره أعلى سرعة، وبركته من أكبر البركات، ويمكن أن يقال أنّه أصل لكلّ المواهب والبركات، فإنّه يتّضح إلى أي مدى يشتمل النّور على معنىً كبير بحيث أنّ القرآن شبّه الإيمان والسير في طريق الله بالنّور.
النّور أصل التجمّع بينما الظلمة عامل للتفرّق، النّور علامة الحياة والظلمة علامة الموت.
ولهذا السبب شبّه القرآن الكريم كثيراً من الأُمور القيّمة بالنّور، ومن جملتها العمل الصالح (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم)( الحديد، 12.).
وكذلك الإيمان والتوحيد، قال تعالى: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور)( البقرة، 257.).
وقد شبّه القرآن الكريم بالنّور في قوله تعالى: (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتّبعوا النّور الذي اُنزل معه أُولئك هم المفلحون)( الأعراف، 157.).
وكذلك الدين (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم).( التوبة، 32.)
بل أكثر من ذلك عبّر عن ذاته المقدّسة التي هي أفضل وأسمى ما في الوجود بالنّور (الله نور السّماوات والأرض).( النّور، 35.)
خصائص النور وميزانه
1 ـ النور أجمل وألطف ما في العالم، وهو مصدر لكلّ جمال ولطف!
2 ـ النور أسرع الأشياء، كما ثبت لمشهوري العلماء الكبار في العالم، إذ تبلغ سرعته ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثّانية. وبإمكانه الدوران حول الكرة الأرضية سبع مرات في طرفة عين (أقلّ من ثانية واحدة).
ولهذا السبب تقاس المسافات الهائلة بين النجوم فقط بسرعة الضوء، والوحدة المستعملة في هذا المجال هي السنة الضوئية، أي: المسافة التي يقطعها الضوء وهو بتلك السرعة الهائلة ـ في سنة واحدة.
3 ـ بالنور يمكن مشاهدة الأشياء في العالم، ومن دونه يستحيل رؤية أيّ شيء، فالنور ظاهر بنفسه ومظهر لغيره.
4 ـ إنّ ضوء الشمس يُعدّ من أهم أنواع النور في عالمنا، فهو ينمي الأزهار والنباتات وبه تستمرّ الحياة، بل هو رمز بقاء المخلوقات الحيّة، ولا يمكن لموجود حيّ أن يستمرّ في الحياة دون أن يستفيد من نور الشمس بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
5 ـ ثبت اليوم أن جميع الألوان يمكن مشاهدتها بنور الشمس أو الأنوار الأُخرى، وَلولاها لعاشت المخلوقات في عتمة قاتمة.
6 ـ إنّ جميع أنواع الطاقة الموجودة في محيطنا (باستثناء الطاقة النووية) مصدرها الشمس من قبيل حركة الرياح، سقوط المطر، وحركة الأنهر والوسائط فيها والشلالات ولو دققنا في حركة جميع المخلوقات الحية لوجدناها ترتبط بنور الشمس.
مصدر الحرارة وتدفئة الأحياء كلها هو الشمس، حتى أن حرارة النار المتولدة من الخشب أو الفحم أو الفحم الحجري أو النفط ومشتقاته مصدرها حرارة الشمس. لأنّ هذه الأشياء بِحسب الدراسات العلمية تعود إلى النباتات أو الحيوانات، وهذه بدورها قد استفادت من نور الشمس وحرارتها، فخزنت الفائض منها في جسمها، لهذا فإنّ حركة المحركات والمكائن أيضاً من بركات الشمس.
7 ـ نور الشمس قاتل الميكروبات والمخلوقات المضرّة، وبفقدان هذا النور تتبدّل الأرض إلى مستشفىً كبير قد ابتلي سكانها بأنواع الأمراض ويصارعون الموت بين لحظة وأُخرى!
وكلما دققنا في عالم النور الذي يشكل ظاهرة فريدة، يتّضح لنا أثرهُ البالغ الأهمية وبركاته العظيمة.
أنّ كل مخلوق يرتبط بالله بمقدار معين يكتسب من النور بنفس ذلك المقدار:
القرآن نور لأنّه كلام الله.
والدين الإسلامي نور لأنّه دينه.
الأنبياء أنوار لأنّهم رسله.
والأئمّة المعصومون(^ ) أنوار إلهية، لأنّهم حفظة دينه بعد النّبي(صلى الله عليه واله).
والإيمان نور، لأنّه رمز الإلتحام به سبحانه وتعالى.
والعلم نور، لأنّه السبيل إلى معرفته ـ عزَّوجلَّ ـ .
ولهذا: اللّه نور السموات والأرض.
في معنى النور
اعلم أن النور اسم لكل ما هو ظاهر مظهر لغيره سواء كان ظهوره بنفسه أم بغيره وإلى هذا المعنى يرجع ما قيل في تعريفه: إن النور ما به تظهر الأشياء لأن ظهور الغير به فرع ظهوره في نفسه، فإن فاقد الشيء لا يكون معطيه، وأما ما قيل في تعريفه من أنه الظاهر بنفسه المظهر لغيره، فهو حق إن أريد به ما ذكرناه، وإن أريد به أن النور ما يكون ظهوره غير مستند إلى غيره، ويكون ظهور غيره مستندا إليه كما هو مقتضي باء السببية نفيه منع، إذ يلزم منه أن لا يصح إطلاقه على غير الله تعالى حقيقة، فلا ينعكس التعريف. وبالجملة، فالنور على كل من هذه التعاريف كلي مشكك يتفاوت أفراده فأعلاه الذات المقدس الظاهر بنفسه، المظهر لغيره، الخارج عن حدود الممكنات الخالق لجميع الأنوار وهو الله تعالى شأنه ونعم ما قيل:يا من هو اختفى لفرط نوره * الظاهر الباطن في ظهوره
وأما الأخبار فكثيرة جدا:
- منها ما ورد في وصف نور النبي (صلى الله عليه واله) كما روي في البحار في المجلد السادس عن الصادق (× ) قال: إن محمدا وعليا (^ ) كانا نورا بين يدي الله جل جلاله قبل خلق الخلق بألفي عام، وإن الملائكة لما رأت ذلك النور، رأت له أصلا وقد انشعب منه شعاع لامع فقالت: إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله عز وجل إليهم هذا نور من نوري، أصله نبوة وفرعه إمامة، فأما النبوة فلمحمد (صلى الله عليه واله) عبدي ورسولي، وأما الإمامة فلعلي حجتي ووليي، ولولاهما ما خلقت خلقي، الخبر.
لماذا عبّر النص بـ «المهتدون» لا «الطالبون للهداية»؟
لفظ المهتدون يوحي أن الإمام ليس وسيلة عرضية للهداية، بل هو الشرط الكوني لاستمرار هداية المهتدين.
فالمهتدي بالمعنى القرآني هو من سبقت له عناية إلهية: {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ}. هذا الاستعداد المودَع في القلب يجد مرآته ومكمّله في الإمام.
إذن: الإمام ليس "موصلًا للهداية لمن طلبها فحسب"، بل هو مظهر تحقق الهداية في واقع من جعل قلبه محلًا لنور الله.
التعبير بـ «المهتدون» يدل على أن الهداية ليست مجرد طلب خارجي، بل هي قابلية داخلية تتحقق بفعل نور الإمام.
«الطالب» قد يضل، أما «المهتدي» فهو من ثبت على الطريق لأن الإمام صار مرآته الكاشفة.
والنص يريد أن يقول الإمام ليس مجرد دليل يُلجأ إليه عند الحاجة، بل هو النظام النوري المستمر الذي تتغذى به هداية من هُيّئ قلبه أصلًا.
وهذا يوجّه الإنسان إلى أن يهيّئ قلبه ليكون من «المهتدين»، لا أن يكتفي بمجرد دعوى الطلب.
فالطلب قد يكون مشوبًا بالهوى أو العجز، أما الهداية فهي ثمرة صدق القلب وصفاء النية.
هنا يتجلى معنى الاستعداد الأصيل: من يملك النقاء الداخلي يرى الإمام نورًا ومرآة، أما من لا يملك ذلك الاستعداد فوجود الإمام لا يزيده إلا عمى (كما في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً}).
النص عبّر بـ «المهتدون» لأن الإمام هو مرآة النور الإلهي التي لا تعكس إلا لمن عنده استعداد أصيل.
ما العلاقة بين «الهداية» و«الفرج»
النور في القرآن هو المخرج من الظلمات {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}. فإذا كان الإمام نور الله، فالهداية به هي خروج من ظلمات الجهل والتيه، وهذا الخروج نفسه هو فرجٌ للمؤمن.
النور في الوجود له فاعليات متعددة، منها: الهداية (في البُعد المعرفي)، والفرج (في البُعد الوجودي والواقعي).
الهداية تتعلق بـ العقل والقلب: انكشاف الحق وتمييز السبيل.
الفرج يتعلق بـ الحياة الواقعية: دفع البلاء وكشف الغمّة وتبديل الحال.
النور هنا أشبه بالفيض الإلهي الجامع: من جهته يُنتج الهداية للمهتدين، ومن جهته الأخرى يُنتج الفرج للمؤمنين.
يمكن القول إن النص يقدّم "الهداية" و"الفرج" كتجلّيين مختلفين للحقيقة النورية للإمام عجل الله فرجه.
الهداية فرجٌ باطنيّ معرفيّ والفرج هدايةٌ خارجية عملية
فالنتيجة أن الهداية والفرج متداخلان: كل فرج هو هداية، وكل هداية هي فرج، لكن النص أبرز الوجهين لبيان شمولية فاعلية نور الإمام.
الفرج ليس شيئًا منفصلًا عن الهداية، بل هو حالتها الوجودية المتحققة. فالهداية تنير الطريق، والفرج هو انكشاف الغمّة وانفتاح السبيل بعد أن كان مظلمًا.
قصة رأيت نوراً يسطع من أحد البيوت القريبة
يقول المرحوم آية الله السيد محمد باقر مجتهد السستاني رحمه الله الذي كان في مدينة مشهد المقدسة: إنه بدأ ذات مرة ب (ختم عاشوراء) لغرض التشرف بلقاء إمام الزمان (عليه السلام)ن حيث يتعبد ويقرأ زيارة عاشوراء لمدة أربعين جمعة، ويختار لهذا الغرض مسجداً من المساجد في كل مرة يقول: في إحدى الجمع الأخيرة رأيت - فجأة - نوراً يسطع من أحد البيوت القريبة إلى المسجد الذي كنت أقرأ فيه زيارة عاشوراء، فتملكتني حالة عجيبة، فتهضت من مكاني وتتبعت مصدر النور حتى وصلت إلى ذلك البيت الذي كان صغيراً وبسيطاً. وحينما قرعت الباب وفتحوه لي، شاهدت إمام الزمان (عليه السلام) في إحدى غرف البيت، كما رأيت جثة مغطاة بقماش أبيض.
وحينما تقدمت بالسلام باكياً، قال لي الإمام: لماذا تتبعني بهذه الطريقة وتتحمل المتاعب كن مثل هذه - وأشار إلى الجثة الممدة - حتى آتيك أنا بنفسي.
ثم اضاف (عليه السلام) قائلاً: إن هذه السيدة الميتة لم تخرج من بيتها مدة سبع سنين لئلا يراها غير محرم أنثاء قضية الإجبار على السفور في عهد رضا بهلوي!(لقاءات النساء السيد بحر العلوم ص119 – 120)

تعليقات
إرسال تعليق