القائمة الرئيسية

الصفحات

رسالة من رسائل الامام الحسن العسكري عليه السلام الى المنتظرين

 






الرسالة الثانية

لولا كرامتك على الله وعلى حججه


الحديث

عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) وأنا أُريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئاً: يا أحمد بن إسحاق، إنَّ الله تبارك وتعالى لم يُخلِ الأرض منذ خلق آدم، ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه يُنزِل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض.

قال: فقلت له: يا ابن رسول الله، فمَن الخليفة والإمام بعدك؟ فنهض (عليه السلام) مسرعاً فدخل البيت ثمَّ خرج وعلى عاتقه غلام، كأنَّ وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء ثلاث سنين، وقال: يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنَّ سمّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنّيه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً ([1]).

 

من هو احمد بن إسحاق

الحديث عن الشخصيات المشخصة في التاريخ تعتبر من القواعد العلمية والعملية في سلوك العلمي والعملي ولهذا سنشير اجمالا لسيرته.

أدرك أربعة من الأئمة

  الشيخ أحمد بن إسحاق الأشعري القمي رضي الله عنه الذي کان قد أدرک من الأئمة عليهم السلام الامام الجواد، والامام الهادي، والامام والعسكري - صلوات اللّه عليهم -، وتشرَّف بلقاء وزيارة إمام العصر والزمان الحجة ابن الحسن العسكري سلام اللّه عليه في صغره، وکان من جمله وکلائه عجَّل اللّه فرجه وممّن تصدّر التوقيعات له من ناحيته.

شيخ القمّيين

کان أحمد بن إسحاق کبير القدر  صالحاً  صدوقاً  ثقهً  مرضيّاً  مشهوراً  وشيخ القمّيّين  ووافدهم ، إذ کان علماء قمّ ومحدّثوهم في منزلهٍ عظيمهٍ من الورع والإتقان في الحديث والرواية والمعرفة بآل محمّدٍ عليهم السلام، ولا يکون رسول قومٍ إلي الأمير أو السلطان أو الإمام إلّاأوجههم وأوثقهم وأرفعهم شأناً وأسرعهم انتقالاً وأنصبهم إذناً وأسبقهم خيراً وأشرفهم نبلاً؛ فإذا اختار مشايخ القمّيّين وأعاظمهم أحمد بن إسحاق وافداً لهم علي إمام زمانهم - صلوات اللّه عليه - ظهر أنّه کان مقدّمهم وشيخهم وکبيرهم وأوثقهم في صفاته وأحواله وأفعاله عندهم وكان يعرف باسم: «شيخ القمّيين».

 

الأقرب لقرابته والوليّ لولايته،

حدّثنا أبوالعبّاس أحمد بن الحسين بن عبداللّه بن مهران الآبي الأزدي العروضي بمرو قال: حدّثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق القميّ قال: لمّا ولد الخلف الصالح عليه السلام ورد من مولانا أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام إلي جدّي أحمد بن إسحاق کتاب فإذا فيه مكتوب بخطّ يده عليه السلام الّذي کان ترد به التوقيعات عليه، وفيه: ولد لنا مولود فليکن عندک مستورا وعن جميع الناس مکتوما، فإنّا لا نظهر عليه إلاّ الأقرب لقرابته والوليّ لولايته، أحببنا إعلامک ليسرّک اللّه به، مثل ما سرّنا به، والسلام ([2]).

أقول تجد الامام × يبن علة اظهار الامام # للبعض دون البعض بقوله (فإنّا لا نظهر عليه إلاّ الأقرب لقرابته والوليّ لولايته،) اذن احدى العلل القرب والولاية في ظهور الامام # .

والامر الثاني الذي ينبغي التنبه اليه هو حينما يكون الانسان قريبا من اهل الولاية الكمال ياتيه من دون طلب واكتساب أي حقق المقدمات تأتيك النتائج كما في نص الرواية (ورد ..مكتوب بخطّ يده عليه السلام )

والامر الثالث وهو اعجبها حينما كتب الامام العسكري × وذكر في اخر الكتاب (أحببنا إعلامک ليسرّک اللّه به، مثل ما سرّنا به) وفي هذا النص (احببنا _ ليسرك _ مثل ماسرنا) وكل كلمة تعبر عن منح وعطايا جزيلة لاينالها الا الاوحدي فكلمة (احببنا) فيها معاني عقائدية عميقة منها ان الامام ×  لم يقل أحببت وانما قال احببنا بصيغة الجمع فهو معبر عن إرادة الله عزوجل وإرادة اهل بيته ^ وهذا يكشف مرتبة شريفة وعالية جدا وصل اليها احمد بن إسحاق القمي رضوان الله عليه. 

 

ثم ذكر الامام × (ليسرك مثل ما سرنا) وهو تعبير عميق ودقيق أولا معنى السرور في عناية خاصة وثانية قرن الامام × سروره بسرور الائمة ^ وهذه درجة رفيعة جدا .

 

الكرامة موجبة للكرمات

(يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا)

"الكرامة" تعبير قرآني لطيف يختلف عن معنى التكريم، وقد وصف الله عز وجل الملائكة بهذه الصفة وقال في حقهم إنهم كرام كاتبون وملائكة مكرمون.

قد جعل الله التقوى مدار كرامة الإنسان، فأكثر الناس تقوى أكثرهم كرامة،( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ).

ليست الكرامة هي العظمة والكبرياء، بل هي صفة متميزة وبارزة، نريد أن نوضحها، فنجد أنفسنا مضطرين لاستخدام عدة كلمات لتأدية المعنى.

الكرامة مخصوصة بالملائكة، وفي القرآن الكريم خطاب لنا، أن صوموا لتكونوا كراماً يعني حتى تكونوا أتقياء، إذ التقوى محور الكرامة، فالإنسان الكريم لا يرتكب الذنوب، ليس من أجل أن لا يذهب إلى النار، أو من أجل أن يدخل الجنة، بل لأنه إنسان لا يرتكب الذنوب، ولأن الكرامة لا تتناسب مع المعصية.

 

 

 

 

 

 

نحوين من الكرامة:

الأولى: الكرامه الظاهرية: وهي للبدن ولا يستثنى منها إنسان، فكرامة بدن الإنسان في نحو تركيبه وهيأته ومن كرامته أن لا يحمل بل يحمَل، ويأكل الطيبات دون الخبائث.

الثانية: الكرامة الروحية: وهي الأصل، وتعبّر عنها الآية بـ {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} فهناك تفاوت في الكرامة الروحية بين بني البشر.

أما معيار الكرامة بين الناس وتفضيل بعضهم على بعض فتبينه الآية التي تليها مباشرة {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} ([3]).

فعلّة كرامة غير المعصوم هي اتباع المعصوم، وبمقدار ما يتبع الإنسان إمامه يكون كريماً. ( ... فَاَسْأَلُ اللهَ الَّذي أكْرَمَني بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ اَوْلِيائِكُمْ) [زيارة عاشوراء] وعليه: فالله كريم بالذات والإمام كريم بولاية الله والمأموم كريم بالاتباع.

 

ماذا يستفاد

(إنّ من أمارات المدح ومن موجبات الاطمئنان بل مما يفيد علو الرتبة وكمال الوثاقة كون الراوي ممن تشّرف وفاز برؤية الطالع الأزهر للإمام المنتظر أرواحنا فداه فإنه لا تحصل هذه المكرمة إلا للأوحدي من الصالحين كما يستفاد من حديث أحمد بن إسحاق القمي الذي جاء فيه: (لولا كرامتك على الله عز وجل وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا) فكل من أحرز جداً فوزه بهذه السعادة العظمى فهو ممن يحصل به الطمأنينة الوثقى .. وهم ثلة خيّرة وجماعة كثيرة نالوا هذه المرتبة في زمان الإمام العسكري (× ) ثم في أيام الغيبة الكبرى ... أما الذين تشرّفوا في أيام الغيبة الكبرى فهم كثيرون جداً ... جمع ذكرهم بعض الأعلام في كتب مستقلة كالبحراني في "تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي" والمحدّث النوري في "النجم الثاقب" و"جنة المأوى" والشيخ الميثمي العراقي في "تذكرة الطالب فيمن رأى الإمام الغائب" والجمال الطباطبائي في "بدائع الكلام فيمن اجتمع بالإمام" والميرزا الألماسي في "البهجة فيمن فاز بلقاء الحجة" والشيخ النهاوندي في "العبقري الحسان في تواريخ صاحب الزمان").

 

 

 

رسالة الامام ×

ماذا نستنتج من هذه الرواية التي ينقلها خاتم المحدِّثين الحاج الشيخ عباس القمي + في كتابه الشريف منتهى الآمال؟

نستنتج أن الطريق إلى الإمام صاحب الزمان × ليس مسدوداً، الطريق مفتوح، لأنه لو كان الطريق مسدوداً، لم يصل أحمد بن إسحاق + إلى المحضر النوراني للإمام صاحب الزمان ×.

إذاً الطريق لأجل البعض مفتوح، لأجل أولئك الذين يعرفون ويعملون بشرائط وطرق الوصول، وإلا فإن حضرة الإمام الحسن العسكري × سيقول:

يا أحمد بن إسحاق! أصلاً ليس من الممكن أن يُرى شخص الإمام صاحب الزمان × إلا في زمان الظهور، لم يقل هكذا، هذا الحكم دليله عام، يعني كل شخص وكل إنسان عند الله مكرّم وعزيز، وحصل على هذا الكرامة، يستطيع أن يرى حضرته ويزوره.



[1] / كمال الدين 2: 384 الباب 38 الحديث1.

[2] / کمال الدين: 433 ح 16.

[3] / الإسراء: 71.

تعليقات