قال شيخنا المفيد &: ومرض أبو محمّد × في أول شهر ربيع الأول سنة ستين
ومائتين ومات في يوم الجمعة لثمان ليال خلون من هذا الشهر في السنة المذكورة، وله
يوم وفاته ثمان وعشـرون سنة، ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه من دارهما بسرّ من
رأى([1]).
كان قد أراد قتله الملوك الثلاثة
قال السيد بن طاوس: إعلم أنّ مولانا الحسن بن علي
العسكري × كان قد أراد قتله الملوك الثلاثة ملوك الذين كانوا في
زمانه حيث بلغهم أنّ مولانا المهدي × يكون من ظهره صلوات الله عليه، وحبسوه عدّة
دفعات، واضطربت الشيعة وأقلقهم ذلك، فدعا عليهم فهلكوا في سريع من الأوقات، ولمّا
ولد الحجة # قال أبو محمّد العسكري ×: زعمت الظلمة أنّهم يقتلونني ليقطعوا هذا
النسل، كيف رأوا قدرة القادر ﮋ ﮄ ﮅ
ﮆ ﮇ ﮈ
ﮉ ﮊ ﮋ
ﮌ ﮍ ﮎﮊ([2]).
وجرى عليه منهم ما لم نقدر على بيان
كان مقامه مع أبيه ثلاثاً وعشرين سنة وأشهراً، وبعد أبيه خمس سنين وثمانية
أشهر وثلاثة عشر يوماً، وكانت في سني إمامته بقية ملك المعتزّ، وفي رواية
المستعين، ثمّ المعتزّ أشهراً، ثمّ المهتدي بالله أحد عشـر شهراً، ثمّ ملك أحمد
الملقّب بالمعتمد على الله ابن جعفر المتوكل، وبعد مضي أربع سنين من ملك المعتمد
قبض العسكري مسموماً.
ولقد تحمّل × مع قصر عمره من هؤلاء الخلفاء الثلاثة أو الأربعة ما لم
يتحمّله أحد، وجرى عليه منهم ما لم نقدر على بيانه، منهم المستعين بالله همّ الرجل
بقتله وتقدّم إلى سعيد الحاجب وقال: أخرج أبا محمّد العسكري إلى الكوفة واضرب عنقه
في الطريق، انتشر الخبر بذلك وبلغ الشيعة وأقلقهم، وكان × فيالحبس، فكتبوا إليه:
بلغنا جعلنا الله فداك خبراً أقلقنا وغمّنا وبلغ منّا. فكتب ×: بعد ثلاث يأتيكم
الفرج. فخلع المستعين في اليوم الثالث وأقعد المعتزّ ونجا الإمام وخرج من الحبس،
فما مضت إلاّ أيام قلائل حتى أمر المعتزّ بقبض أبي محمّد العسكري × مع عدّة من
الطالبيين وحبسهم في السجن وضيّق عليهم الأمر بحيث لا يدخل عليهم أحد ولا يخرج
منهم أحد([3]).
ولمّا سقي السمّ مرض مرضاً شديداً
كان
المعتمد يؤذيه كثيراً حتى سقاه السمّ، ولمّا سقي السمّ مرض مرضاً شديداً، فبلغ ذلك
المعتمد في مرضه قيل له: إنّ ابن الرضا قد اعتلّ ومرض، فأمرالرجل نفراً من
المتطبّبين بالإختلاف إليه، وتعاهده صباحاً ومساءاً، وبعث خمسة نفر كلّهم من ثقاته
وخاصّته وأمرهم بلزوم دار أبي محمّد العسكري وتعرّف خبره وحاله، فلّما كان بعد ذلك
بيومين جاء من أخبره بأنّ العسكري قد ضعف، فركب المعتمد حتى بكر إليه، ثمّ أمر
المتطبّبين بلزومه وبعث إلى قاضي القضاة وعشـرة من أصحابه ممّن يثق به، وأرسلهم
إلى الحسن العسكري × وأمرهم بلزومه ليلاً ونهاراً، فلم يزالوا هناك حتى كانت
الليلة التي قبض فيها، فرأوه وقد اشتدّ به المرض يغشي عليه ساعة بعد ساعة، علموا
أنّه قد قرب به الموت، تفرّقوا عنه، فلم يكن عنده في تلك الليلة إلاّ جاريته صيقل
وعقيد الخادم وولده الحجة #، وقد مضـى من عمر الحجة في ذلك الوقت خمس سنين([4]).
وأخذ القدح ليشرب، فأقبل القدح يضرب ثناياه
قال عقيد: فدعا × بماء قد أغلي بالمصطكي، فجئنا به إليه، فقال ×: أبدأ بالصلاة، فجيئوني بماء لأتوضّأ
به، فجئنا به وبسط في حجره المنديل وتوضّأ ثمّ صلّى صلاة الغداة في فراشه، وأخذ
القدح ليشـرب، فأقبل القدح يضرب ثناياه ويده ترتعد، فشـرب منه جرعة وأخذت صيقل
القدح من يده، ثمّ أخذ ولده الحجة وضمّه إلى صدره الشـريف وجعل يقبّله ويودّعه
ويبكي ويوصيه بوصاياه وسلّمه ودائع الإمامة، ثمّ سكن أنينه وعرق جبينه وغمّض عينيه
ومدّ يديه ورجليه، ومضـى من ساعته وهو يوم الجمعة مع صلاة الغداة.
قال
الراوي: فما طلعت الشمس حتى سمعنا المنادي ينادي: ألا مات العسكري، فصارت سرّ من
رأى ضجّة واحدة، وكانت شبيهة بالقيامة، وعطّلت الأسواق وحضر السلطان والأشراف وبنو
هاشم إلى جنازته، وأخذوا في تجهيزه، فلمّا غسّلوه وحنّطوه وكفّنوه بعث المعتمد إلى
قاضي القضاة وهو أبو عيسى المتوكل، فأمره بالصلاة عليه، فلمّا وضعت الجنازة للصلاة
دنا أبو عيسى فكشف عن وجههفعرضه على بني هاشم والعلويين والأشراف وقال: هذا الحسن
بن علي بن محمّد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه، حضره من خدم أميرالمؤمنين ومن
ثقاته فلان وفلان ومن الأطباء فلان وفلان ومن القضاة فلان وفلان، ثمّ غطّى وجهه
وقام وصلّى عليه([5]).
حملوه من وسط داره ودفنوه في البيت
فلمّا
فرغوا من الصلاة على سيدنا أبي محمّد العسكري حملوه من وسط داره ودفنوه في البيت
الذي دفن فيه أبوه عليّ الهادي ×، هذا هو المرسوم، يدفن المرء في مكان دفن فيه
أقاربه وإن لم يوص به، ولاسيّما إذا كانت القرابة قريبة كالوالد والولد، وما
أشبههما أما ترى أنّ زين العابدين لمّا وارى أباه وبني هاشم خصّ من بينهم شبيه
رسول الله عليّ الأكبر × وجاء به ودفنه عند رجلي الحسين × إذاً ساعد الله قلب
الحسين × وهو ينظر في كلّ حين إلى ولده فيراه مشقوق الرأس مقطّعاً بالسيوف إرباً
إرباً الخ([6]).
فلمّا راى ولده الحسن العسكري × بكى
وفي البحار: قال إسماعيل النوبختي: دخلت على أبي محمّد الحسن بن علي في
المرضة التي مات فيها، وأنا عنده إذ قال لخادمه عقيد، وكان الخادم أسود نوبيّاً قد
خدم من قبله عليّ بن محمّد وهو ربيّ الحسن ×، فقال له: يا عقيد! أغل لي ماء بمصطكي،
فأغلى له، ثمّ جاءت به صيقل الجارية أمّ الخلف، فلمّا صار القدح في يديه وهمّ
بشربه جعلت يده ترتعد حتى ضرب القدح ثنايا الحسن، فتركه من يده. وقال لعقيد: أدخل
البيت فإنّك ترى صبيّا ساجداً فأتني به. قال أبو سهيل: قال عقيد: فدخلت أتحرى،
فإذا أنا بصبي ساجد رافع سبابته نحو السماء فسلّمت عليه فأوجز في صلاته، فقلت: إنّ
سيدي يأمرك بالخروج إليه، إذ جاءت أمّه صيقل فأخذت بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن ×.
قال أبو سهيل: فلمّا مثلّ الصبي بين يديه، سلّم وإذا هو درّيّ اللون، وفي
شعر رأسه قطط، مفلج الأسنان، فلمّا رآه الحسن بكى وقال: يا سيد أهل بيته! إسقني
الماء، فإنّي ذاهب إلى ربّي، وأخذ الصبي القدح المغلى بالمصطكي بيده وحرّك شفتيه
بيده الأخرى ثمّ سقاه، فلمّا شربه قال: هيّئوني للصلاة، فطرح في حجره منديل،
فوضّأه الصبي واحدة واحدة، ومسح على رأسه وقدميه، فقال له أبو محمّد: إبشر يا بني
فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجة الله على أرضه، وأنت ولدي ووصيّي، وأنا ولدتك وأنت م ح م د بن الحسن بن علي بن
محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ^ ولدك رسول الله وأنت خاتم الأئمّة الطاهرين،
وبّر بك رسول الله وسمّاك وكنّاك بذلك ; عهد إليّ أبي عن آبائك الطاهرين صلّى الله
على أهل البيت ربّنا إنّه حميد مجيد([7]).
قال أبو
الحسن علي بن محمد بن حباب: حدثنا أبو الأديان قال: كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد
بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ^ وأحمل كتبه
إلى الامصار، فدخلت إليه في علته التي توفي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتبا
وقال: تمضي بها إلى المدائن فانك ستغيب خمسة عشر يوما فتدخل إلى سر من رأى يوم
الخامس عشـر وتسمع الواعية في داري، وتجدني على المغتسل. قال أبو الأديان: فقلت:
يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال: من طالبك بجوابات كتبي، فهو القائم بعدي؟ فقلت:
زدني، فقال من يصلي علي فهو القائم بعدي، فقلت: زدني، فقال: من أخبر بما في
الهميان فهو القائم بعدي. ثم منعتني هيبته أن أسأله ما في الهميان؟ وخرجت بالكتب
إلى المدائن وأخذت جواباتها، ودخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما قال لي × فإذا
أنا بالواعية في داره وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار، والشيعة حوله يعزونه
ويهنؤنه. فقلت في نفسي: إن يكن هذا الامام فقد حالت الامامة، لاني كنت أعرفه بشـرب
النبيذ، ويقامر في الجوسق، ويلعب بالطنبور، فتقدمت فعزيت وهنيت فلم يسألني عن شئ
ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد كفن أخوك فقم للصلاة عليه فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن علي قتيل
المعتصم المعروف بسلمة. فلما صرنا بالدار إذا نحن بالحسن بن علي × على نعشه
مكفنا، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة،
بشعره قطط بأسنانه تفليج، فجبذ رداء جعفر بن على وقال: تأخر يا عم فأنا أحق
بالصلاة على أبي فتأخر جعفر، وقد اربد وجهه، فتقدم الصبي فصلى عليه، ودفن إلى جانب
قبر أبيه. ثم قال: يا بصري هات جوابات الكتب التي معك، فدفعتها إليه، وقلت في
نفسي: هذه اثنتان بقي الهميان، ثم خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر فقال له حاجز
الوشاء: يا سيدي من الصبي؟ ليقيم عليه الحجة فقال: والله ما رأيت قط ولاعرفته.
فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم، فسألوا عن الحسن بن علي فعرفوا موته فقالوا: فمن؟
فأشار الناس إلى جعفر بن علي فسلموا عليه وعزوه وهنؤوه، وقالوا معنا كتب ومال،
فتقول: ممن الكتب؟ وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: يريدون منا أن نعلم الغيب.
قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان، وهميان فيه ألف دينار، عشرة دنانير
منها مطلية فدفعوا الكتب والمال، وقالوا: الذي وجه بك لاجل ذلك هو الامام. فدخل
جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك فوجه المعتمد خدمه فقبضوا على صقيل الجارية،
وطالبوها بالصبي فأنكرته وادعت حملا بها لتغطي على حال الصبي فسلمت إلى ابن أبي
الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان، فجاءة وخروج صاحب الزنج
بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم والحمد لله رب العالمين لا شريك
له([8]).
تم
بحمدالله تعالى وله المنة عليه ارجوا من الله عز وجل ان يتقبل هذا العمل وان
يشملني شفاعة ورعاية وعناية حبيبه النبي الأعظم | واله الاطيبين الاطهرين ^.
تعليقات
إرسال تعليق