لماذا يُعتبر الإِمَامُ المهدي عجل الله فرجه أَكبَرَ مَظلُومٍ؟
أولا:
لانه f
مبخوس ونحن باخسون له
قال الله تعالى Pوَ لا
تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْO([1]).
باخس بمعنى ظالم، Pوَ لا
تَبْخَسُوا النَّاسَO: لا تظلموهم، و البخس من الظلم أن تبخس أخاك حقّه فتنقصه كما يبخس
الكيّال مكياله فينقصه، فَلا يَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً: لاينقص من ثواب عمله،
وَ لا رَهَقاً أى ظلما. قال ابن السكّيت: يقال بخصت عينه بالصاد، و لا تقل بخستها،
إنّما البخس نقصان الحقّ.
قال العلامة المصطفوي )دامت بركاته( :أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو نقصان الحقّ لا مطلق النقص،
و أمّا الظلم و العيب: فمن لوازم الأصل و آثاره.
وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ - أى
ثمن ناقص لا يعادله و لا يوافى حقّه.
فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا
يَخافُ بَخْساً.اي القصور و التفريط في حقّه و فيه.
نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ
فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ.لا يفرّط في جزاء أعمالهم.
وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ
الْحَقُّ وَ لْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَ لا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً.أى لا يفرّط
في تأدية حقّه و إيفاء ما يجب عليه له.
وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ
أَشْياءَهُمْ أى وافوهم فيما يتعلّق بهم و يشاءونه.([2]).
وقفة عند الاية (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ)
لِمَ باعوا يوسف j بثمن
قليل
هذا أمر مألوف فإنّ السُراق أو
أُولئك الذين تأتيهم بضاعة مهمّة دون أي تعب ونصب يبيعونها سريعاً لئلا يطلع
الآخرون.
ومن الطبيعي أنّهم لا يستطيعون بهذه
الفورية أن يبيعوه بسعر غال.
وكذلك كانوا يتقون أن يظهر حقيقة
الحال فينتزع هو من أيديهم
او إِنّهم كانوا يخافون أن يفتضح
سرّهم.
وكذلك الزهد فيه وتقول الآية: Pوَكَانُوا
فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَO.
وفي الحقيقة إِنّ هذه الجملة في حكم
بيان العلة للجملة المتقدمة، وهي إِشارة الى أنّهم باعوا يوسف بثمن بخس، لأنّهم لم
يرغبوا في هذه المعاملة ولم يعتنوا بها.
ثمّ إنّ هناك اختلافاً آخر بين
المفسّرين في الثمن الذي بيع به يوسف، وكيف قُسّم بينهم؟ فقال البعض: عشرون
درهماً، وقالت طائفة: اثنان وعشرون، ومع ملاحظة أنّ الباعة كانوا عشرين يتّضح سهم
كل منهم، وكم هو زهيد!
في مجمع البيان وكانت الدراهم عشرين
درهما وهو المروى عن علي
ابن الحسين j، قال: وكانوا عشرة اقتسموها درهمين درهمين.
لقد اهتمّت الكتب السماوية -وعلى
رأسها القرآن الكريم- اهتمامًا بالغًا بلغة المظلومية، فهي ليست لغة ابتدعتها
المنابر والخطباء، بل هي لغة وحيانية أسّسها الوحي وأكّد عليها القرآن الكريم،
فإنَّ القرآن عندما تحدّث عن الأنبياء والأولياء والصالحين لم يركّز على مظاهر
الصلابة والصمود عندهم فحسب، بل ركّز أيضًا على جانب المظلومية، فأبرز مظلوميتهم
بتفاصيلها، وتبعته الروايات الشريفة.
Pوَشَرَوْهُ
بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَO، فوصل بهم الحال أن جعلوه بضاعةً تباع وتشرى، بل شروه بثمن بخس،
وهكذا وثّق القرآن جميع هذه التفاصيل، وتكلّم بلغة المظلومية.
الزهد
في اللغة بمعنى عدم الرغبة في الشيء، قال اللّه سبحانه وتعالى: Pوَشَرَوْهُ بِثَمَنِ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا
فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَO، أي: إنهم لم يكونوا يرغبون
فيه، فإذا كانت عندك بضاعة لا ترغب فيها فإنك تبيعها بأي ثمن، ويمكن أن تعطيها دون
أخذ مال، لكن إذا عندك رغبة فيها فقد لا تكون مستعداً لأن تبيعها حتى بثمن غالٍ.
إن يوسف j هو نبي ابن أنبياء b،
والله يريد
في هذه الآية أن يبين لنا أن الدنيا لا قيمة لها،
فهذا نبي ابن أنبياء يُباع بثمن بخس، بدراهم معدودة، بحيث إن عدّها يكون سهلاً: Pوَكَانُوا
فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَO، و (الزهد) في الأصل اللغوي هو عدم الرغبة في الشيء، والقليل لا
رغبة فيه لذا يقال: (مالٌ زهيد)، أي قليل.
انظروا نبي الله يوسف j بكم
بِيْعَ!
Pشَرَوْهُ
بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَO.
في بعض الروايات أن الأطفال تجمعوا حول الرسول الأكرم «وقالوا لن ندعك تذهب
إلى المسجد! الرسول الأعظم» أرسل بلالاً لكي يأتي ببعض القطع من الجوز، وجاء
بالجوز، وأعطاها للأطفال، وتركوا الرسول الأعظم، في هذا الوقت قال الرسول الأعظم:
{رحم الله أخي يوسف باعوه بثمن بخس دراهم معدودة، وباعوني
بثماني جوزات}.
نحن تعاملنا مع الله تعالى والإسلام
والقرآن بهذه المعاملة، في بعض الأحيان لأجل بعض التومانات نُقْسِمُ كذباً.
Pأُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى
فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَO.
ثانيا:
لان الخلق أقل معرفة بمُنجيهم
لأنَّ البشر وصلوا إلى أعلى درجة في
التقدم العلمي والمادي، لكنهم أقل معرفة بمُنجيهم، وهو أكثر شخص منسي في الوجود،
والمفترض أن يكون أكبر معروف في الوجود، وأعظم وأحب وأعزَّ شخص عند أهل العالم.
جعل الله الإمام صاحب الزمان f قائد البشر، لكنْ سُلِبَ حقُّه مئات السنوات وهو حاكم العالم.
الظلم تارة يقع على إنسان جاهل ضعيف،
لا يعرف كيفيّة تدبير أموره، حينها لا يكون هذا المظلوم ممدوحا -وإن كان الظلم في
حدّ نفسه قبيح- لكن لا شكّ أيضا أنّ المظلوم الذي يعين الظالم على نفسه بسوء
تصرفاته ليس ممدوحا. المظلوم الممدوح هو الإنسان الذي إذا وقعت عليه الظلامة تبيّن
أنّه صاحب مقام رفيع، وكانت هذه الظلامة كاشفة عن رفعة مقامه. فكيف لو كان في حال
ظلمه يطلب صلاح واستقامة ومنفعة ظالميه بإرشادهم وهدايتهم؟!
المظلوم الممدوح هو الذي امتزج علمه
ومعرفته بحلمه، ومحبّته وإرادته للخير، وقدرته على التأثير والهداية واجتذاب
النفوس، وإنما وقع عليه الظلم بسبب هذه الجاذبية وهذه الخصائص والمميزات.
تعليقات
إرسال تعليق