أهمية معرفة علامات الظهور
-
وسيلة لمعرفة زمان الظهور الشريف.
-
فضح الكذّابين والمدّعين الباطل.
-
تأكيد وجود الإمام المهدي عليه السلام وربط الأمة به.
-
الإعداد والاستعداد لنصرته.
أهداف دراسة العلامات (بحسب الشيخ العاملي وغيرِه)
-
بيان المخطط الإلهي لانتصار الإسلام بقيادة الإمام المهدي.
-
تعميق الإيمان وتجذير اليقين العقائدي والعملي.
-
تعزيز الالتزام الفردي والاجتماعي بالإسلام استعداداً لاستقبال الإمام.
-
الوقاية من الانجراف وراء رايات الضلال والحركات المنحرفة.
-
تنبيه الأمة من الانحرافات.
-
إيقاظ العالم إلى حقيقة المنقذ الإلهي.
العلامات المحتومة
-
المشهور خمس: (اليماني، السفياني، الصيحة، قتل النفس الزكية، الخسف بالبيداء).
-
الروايات تذكر أكثر من ذلك (كخروج القائم، اختلاف بني العباس، الفتن العامة).
-
إذن العدد ليس محصورًا بخمسة.
تكاليف زمن الغيبة قبل تحقق العلامات
-
التمسك بالأمر الأول: الثبات على أصول الدين وعقائد أهل البيت.
-
كونوا أحلاس بيوتكم: الصبر، عدم الاستعجال، اجتناب الانخداع بالتيارات المنحرفة، مع حفظ النفس لنصرة الإمام.
-
الحذر من المستعجلين (المحاضير).
-
التمسك بثوابت العقيدة الشيعية (العصمة، عدد الأئمة، انقطاع النيابة الخاصة).
تكاليف عند تحقق العلامات
-
مع اليماني:
-
وجوب النهوض إليه ونصرته.
-
حرمة الالتواء عليه أو العمل المضاد له.
-
حرمة بيع السلاح حينها (دليل على قداسة معركته).
-
-
مع السفياني:
-
التوجه إلى مكة المكرمة.
-
جعل مكة مجمع المنتظرين والأنصار.
-
الصبر حتى يقضي السفياني على خصومه قبل التوجه إلى الإمام.
-
خلاصة معاني "أحلاس البيوت"
-
الاستقامة والثبات.
-
السرية والكتمان.
-
التمركز في جماعة المؤمنين.
-
اجتناب الفتن والتيارات الضالة.
-
عدم الاستعجال في الحركات غير المأمونة.
الأول: من أهمّ طرق معرفة
زمان ظهور مولانا صاحب الزمان j.
الثاني: من اهم طرق فضيحة مَن يدّعي مقامه من الكذّابين، هو معرفة
علائم ظهوره، فإنها مما تطمئنّ به قلوب المؤمنين حيث يجدونها مطابقة لما ورد عن
المعصومين b.
الثالث:
تأكيد وجود الامام المهدي f من
خلال ذكر علاماته والتذكير به والانشداد اليه.
الرابع: من اجل الاعداد
والاستعداد والمشاركة في نصرته وقيامه .
ذكر الشيخ محمد جميل حمود العاملي في
كتاب ميزاب الرحمة .
(اهدف الأول): إن علامات
الظهور الشريف تعكس معالم المخطط الإلهي لانتصار الإسلام المتمثل ببقية الله
الإمام المهدي (صلوات الله عليه) على جميع أعدائه، وتكون العلامة الأخيرة من
العلامات الحتمية هي الرابط بالإمام المهدي f، فيؤدي هذا الرابط إلى تعميق الإيمان بالإمام الحجة القائم المهدي
(صلوات الله عليه) وتجذيره في ضمير الأمة المنتظرة لإمام زمانها...
(الهدف الثاني): يولد
تحقق العلامات الدالة على الظهور الشريف حافزا قويا لزيادة اليقين بالإمام المهدي f إذ تتحول العقيدة بالإمام بقية الله الأعظم (أرواحنا له الفداء) من قضية إيمانية ذاتية تجريدية إلى قضية يقينية
عملية تقود المؤمنين المجاهدين
بالعلم والعمل في ساحة الصراع مع أعدائهم بأمالها الكبيرة التي تبثها في النفوس
لتبدد بنورهما وهداها ظلام اليأس والقنوط، حينما يخيم على نفوس بعض العاملين عند
اشتداد ضغوط الظلم والجور، وتكالب قوى الكفر والنفاق في ساحة الصراع ضدهم.
(الهدف الثالت(:إن ترقب وقوع علامات الظهور الشريف، وفتح القلب عليها قبل وقوعها،
والتعامل مع أحداثها التي تتحقق على أرض الواقع ،يجعل المسلم يتوجه إلى مزيد من
الالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة في حياته الفردية والاجتماعية، نتيجة لشعوره بقرب
تحقق اليوم الإلهي الحاسم، ويستعد لاستقبال ولي الله الأعظم f لا مجال لمهادنة الكافرين
والمنافقين والمشركين ولا لمصانعة الفاسقين والمنحرفين.. فمن لم يكن مستعدا -
روحيا وجهاديا لاستقبال بقية الله الحجة القائم f قبل ظهوره المبارك، لا يملك
المقدمات الذاتية والسلوكية الـتي تؤهله للالتحاق برايته المباركة، بل يخشى عليه
من خطر الانحراف الذي غطى الأرض بالظلم والجور والضلال والفساد.
(الهدف الرابع): إن الانكباب على دراسة علامات الظهور
الشريف واستيعابها بوعي، يرسم في التصور الإسلامي صورا واضحة المعالم لحركة رايات
الضلال وراية الهدى التي تخرج على ساحة الصراع والتنافس السياسي قبل الظهور
المبارك، الأمر الذي يعصم المسلم الواعي لها والمطلع عليها من الانجراف في ركب
التيارات السياسية المنحرفة، ويمنعه من الإنزلاق في رايات الضلال المتسترة بالإمام
المهدي f وبالإسلام في عصر الظهور الشريف، وقد أشارت إلى ذلك رواية بريد عن
الإمام أبي جعفر الباقر بقوله الشريف (صلوات الله عليه): يا بريد اتق جمع الأصهب واتق
السفياني واتق الشريدين من ولد فلان يأتيان مكة يقسمان بها الأموال يتشبهان
بالقائم، واتق الشداذ من أل محمد.
فإن اتقاء السقوط في شبك هذه الحركات
والقيادات السياسية المنحرفة التي تتستر بالإسلام، وتتشبه بالإمام المهدي، غير
ممكن من دون معرفة مسبقة لأوصافها، وتحديد دقيق لهويتها السياسية وخصائصها
الأخلاقية والفكرية، وهو ما يتطلب مزيدا من الانكباب على الثقافة المهدوية
المباركة من خلال العلامات التي اعتنت وحدها بعرض أوصاف جميع القيادات والرايات
السياسية الضالة والمنحرفة النتي تخرج قبل ظهور المصلح الغيبي في اخر الزمان.
الأهداف الخاصة بعلامات
الظهور المبارك:
إن كل علامة من علامات الظهور الشريف
لها أهداف متعمددة وجوانب متشعبة، لكتنا سنشير إلى أبرز هذه الأهداف وهي على نحو
الإجمال تتمثل ببعدين مهمين: (أحدهما): تنبيه الأمة من الانحراف والمنحرفين الذين
يستغلون شعارات الدين لمصالحهم الشخصية ونزواتهم الرخيصة.
«ثانيهما): إيقاظ العالم - لا سيما
المسلمين - إلى منقذ البشرية، وإلى أن الخلاص لا يتم إلا من خلال بقية الله الأعظم
الحجة القائم f المؤيد بقدرة الله تعالى: Pسَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي
الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّO فالغاية من إظهاره للآية - العلامة - هو الاستهداء بها إلى الحق وتبليغ
الحجة للخلق (أو لم يكف بربك أنه على كل شهيد)([1]).
المشهور أن العلامات المحتومة خمس،
ولكنّ الصحيح اكثر من ذلك فنجد الروايات ذكرت بعنوان (المحتومة) اكثر من خمسة
وذكرت بعنوان (لابد ان يكون) منها وذكرت
بعنوان (لا والله لا يكون) وهذا يدلنا على ان الخمسة المذكورة انما ذكرت من الذكر لا الاستقصاء.
فعن عبدالله بن سنان، عن أبي عبداللهj أنه قال: " النداء من المحتوم، والسفياني من المحتوم،
واليماني من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وكف يطلع من السماء من
المحتوم، قال: وفزعة في شهر رمضان توقظ النائم، وتفزع اليقظان، وتخرج الفتاة من
خدرها "([2]).
عن أبي جميلة، عن محمد بن علي الحلبي
قال: سمعت أبا عبد الله j
يقول: اختلاف بني العباس من المحتوم والنداء من المحتوم وخروج القائم من المحتوم،
قلت: وكيف النداء؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن عليا وشيعته هم
الفائزون، قال: وينادي مناد [في] آخر النهار: ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون ([3]).
عن أبي بصير، قال:" قال أبو عبد
الله j: لا
بد أن يكون قدام القائم سنة (فتنة) يجوع فيها الناس، ويصيبهم خوف شديد من القتل،
ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، فإن ذلك في كتاب الله لبين، ثم تلا هذه الآية: Pوَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ
وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَO([4]).
عن محمد بن منصور عن أبيه قال: كنا
عند أبي عبد الله جماعة نتحدث، فالتفت إلينا فقال: في أي شئ أنتم؟ أيهات أيهات
أيهات لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تغربلوا، لا والله لا يكون ما
تمدون إليه أعينكم حتى تميزوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم إلا بعد
إياس، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى يشقى من شقى، ويسعد من سعد([5]).
قال الرضا j لا بد من فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل بطانة ووليجة وذلك عند فقد
الشيعة الثالث من ولدي تبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض وكم من مؤمن متأسف حيران
حزين عند فقدان الماء المعين كأني بهم شر ما يكونون وقد نودوا نداء يسمع من بعد
كما يسمع من قرب يكون رحمة للمؤمنين وعذابا على الكافرين([6]).
فتجد انت العلامات المحتومة منها اليماني،
والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء، وطلوع الشمس من المغرب
من المحتوم، وأشياء كان يقولها من المحتوم منها اختلاف بني العباس ومنها الابتلاء
الشديد والفتنة وغيرها اذن العلامات الحتمية لاتنحصر بالعدد المشهور نعم لعله يقال
ان ذكر هذا العدد لاعلى سبيل الاستقصاء او لقرب الظهور وما شابه .
تمسكوا بالأمر الأول حتى يستيقن
عن ابن محبوب، عن يونس بن يعقوب، عمن
أثبته عن أبي عبد الله j أنه
قال: كيف أنتم إذا بقيتم دهرا من عمركم لا تعرفون إمامكم؟
قيل له: فإذا كان ذلك كيف نصنع؟
قال j: تمسكوا بالأمر الأول حتى يستيقن([7]).
وفي صحيح عبد الله بن سنان، قال:
«دخلت أنا وأبي على أبي عبد الله j،
فقال: كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى، ولا علما يرى، فلا ينجو من
تلك الحيرة إلا من دعا بدعاء الغريق.
فقال أبي: هذا والله البلاء، فكيف
نصنع - جعلت فداك - حينئذ؟
قال:
إذا كان ذلك - ولن تدركه - فتمسكوا بما في أيديكم حتى يتضح لكم الأمر» ([8]).
يقول المجلسي في البحار - بيان:
المقصود من هذه الاخبار عدم التزلزل في الدين والتحيّر في العمل أي تمسّكوا في
اصول دينكم وفروعه بما وصل إليكم من أئمّتكم، ولا تتركوا العمل ولا ترتدّوا حتى
يظهر امامكم، ويحتمل أن يكون المعنى لاتؤمنوا من يدّعى أنّه القائم حتّى يتبيّن
لكم بالمعجزات.
يقول السيد ضياء الخباز:وجوب التمسك
بثوابت المنظومة العقدية الشيعية.
وبيانه: أنَّ هذه المنظومة المقدّسة
تتكون من جزئين:
الجزء الأول: الثوابت،
والضرورات.
الجزء الثاني: المتغيرات.
فالثاني من قبيل الفتاوى الفقهية، إذ
ربما يفتي الفقيه بمسألة، ثم يتبدّل رأيه - تبعاً للدليل - بعد سنوات، أو أنّه
يفتي بشيء ولكن غيره من الفقهاء يفتي بخلافه.
والأول: على قسمين أيضاً،
فإنّه تارةً تكون الضرورة فقهية كوجوب الصلاة والصوم والخمس وبعض تفاصيلها
الضرورية، وتارة أخرى تكون عقديةً كحصر العصمة الواجبة في الأنبياء والمعصومين
الأربعة عشر، وحصر الإمامة في إثني عشر إماماً صلوات الله وسلامه عليهم، ومن جاءنا
بغير ذلك فهو خارج عن مذهبنا لإنكاره ضروريا من ضرورياته، ومن جملة هذه الثوابت،
ما تقدّم برهانه وبيانه من ضرورة انقطاع السفارة والنيابة الخاصة بعد النائب
الرابع قدس سره الشريف، وقد مرّ كلام ابن قولويه قدّس سره وإقرار الأساطين به.
الزم الأرض ولا تحرك يدا ولا
رجلا
عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال
أبو جعفر محمد بن علي الباقر j: يا
جابر، الزم الأرض ولا تحرك يدا ولا رجلا حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها:
أولها اختلاف بني العباس، وما أراك
تدرك ذلك، ولكن حدث به من بعدي عني، ومناد ينادي من السماء، ويجيئكم صوت من ناحية
دمشق بالفتح، وتخسف قرية من قرى الشام تسمى الجابية وتسقط طائفة من مسجد دمشق
الأيمن، ومارقة تمرق من ناحية الترك، ويعقبها هرج الروم، وسيقبل إخوان الترك حتى
ينزلوا الجزيرة، وسيقبل مارقة الروم حتى ينزلوا الرملة، فتلك السنة - يا جابر -
فيها اختلاف كثير في كل أرض من ناحية المغرب، فأول أرض تخرب أرض الشام ثم يختلفون
عند ذلك على ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني، فيلتقي
السفياني بالأبقع فيقتتلون فيقتله السفياني ومن تبعه، ثم يقتل الأصهب، ثم لا يكون
له همة إلا الإقبال نحو العراق، ويمر جيشه بقرقيسياء فيقتتلون بها فيقتل بها من
الجبارين مائة ألف، ويبعث السفياني جيشا إلى الكوفة وعدتهم سبعون ألفا، فيصيبون من
أهل الكوفة قتلا وصلبا وسبيا، فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من قبل خراسان وتطوي
المنازل طيا حثيثا ومعهم نفر من أصحاب القائم، ثم يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في
ضعفاء فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة، ويبعث السفياني بعثا إلى
المدينة فينفر المهدي منها إلى مكة، فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج إلى
مكة، فيبعث جيشا على أثره فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفا يترقب على سنة موسى بن
عمران j...([9]).
عن عبد
الرحمن بن أبي هاشم، عن الفضل الكاتب قال: كنت عند أبي عبد الله j
فأتاه كتاب أبي مسلم فقال ليس لكتابك جواب اخرج عنا فجعلنا يسار بعضنا بعضا، فقال:
أي شئ تسارون يا فضل إن الله ذكره
لا يعجل لعجلة العباد، ولإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك لم ينقص أجله ثم:
قال: إن فلان بن فلان حتى بلغ السابع من ولد فلان، قلت: فما العلامة فيما بيننا
وبينك جعلت فداك؟ قال: لا تبرح الأرض يا فضل حتى يخرج السفياني فإذا خرج السفياني
فأجيبوا إلينا - يقولها ثلاثا - وهو من المحتوم. ([10]).
صحيحة عن عمر بن حنظلة قال: سمعت أبا
عبد الله j
يقول: «خمس علامات قبل قيام القائم: الصيحة والسفياني والخسف وقتل النفس الزكية
واليماني، فقلت: جعلت فداك إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه؟
قال: لا.»
عن سدير قال: قال أبو عبد الله j: «يا سدير، الزم بيتك وكن
حلسا من أحلاسه واسكن ما سكن الليل والنهار فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل
إلينا ولو على رجلك»([11]).
وفي هذه الروايات تكليف بعناوين منها
(كونوا احلاس بيوتكم) (لاتبرح الأرض) وله تعابير كثيرة والاهم فيها هو عنوان احلاس
البيوت.
عن ابي عبدالله j قال: « ... فكونوا أحلاس
بيوتكم، والبدوا ما أَلبدنا فإذا تحرَّك مُتحركنا فاسعوا إليه ولو حبواً». وعن أبي الجارود، عَنْ أبي جعفر j، قال: «قال: قلتُ له j: أوصني؟ فقال: أوصيك بتقوى الله، وأنْ تلزم
بيتك وتقعد في دهماء هؤلاء الناس، وإياك والخوارج منا فإنَّهم ليسوا عَلَى شي ء
ولا إلى شي ء ... ». عَنْ أبي المرهف، قال: «قال أبو عبدالله j: هلكت المحاضير، قال: قلت وما المحاضير؟
قال: المُستعجلون، ونجا المقربون، وثبت الحصن عَلَى أوتادها، كونوا أحلاس بيوتكم
فإنَّ الغبرة عَلَى من أثارها، وإنَّهم لا يُريدونكم بجائحه إلّا أتاهم الله بشاغل
إلّا مِنْ تعرَّض لهم».
- كُنْ حلساً مِنْ أحلاس بيتك-
قَدْ احتمل عِدَّة احتمالات لمعنى
الحلس وللمعاني الَّتِي تأمر الفرد المؤمن- في زمن الغيبة الكُبرى- بالجلوس في
الدار:
1) أنْ يكون معنى ذلك أنْ يدّخر نفسه
لنصرة الإمام f
فينبغي أنْ يحافظ عَلَى نفسه، وهُنا نقول أنَّ معنى المحافظة مُغاير لمعنى الجلوس
في الدار، فقدْ يكون هُناك ادّخار للنفس بلا جلوس في الدار، وقدْ يكون هُناك جلوس
سلبي يُعرِّض المؤمن للخطر.
2) أنْ يكون
معنى أحلاس البيوت هُوَ اجتناب الاغترار بكُلِّ صيحة ونداء مِنْ هُنا وهُناك
وَمِنْ فئة وأُخرى مِنْ دون تثبّت وروية وتعقّل وفحص، مِنْ دون دراية؛ لئلا يؤدي
إلى قتل النفس بالضلال والانضواء تَحْتَ تيارات الانحراف، والانخداع بالزخرف
وبالبهرجة والإعلام بلْ اللازم أنْ يكون مُصداقاً لقول الإمام j: «كن في الفتنة كابن اللبون
لا ظهرٌ يُركب ولا ضرعٌ يُحلب»، وابن اللبون مِنْ
الإبل ما أتى عليه سنتان حيث لا يمكن استغلاله بالحلب، ولا بالركوب حيث لا يركب،
كذلك المؤمن خارج مِنْ الفتنة بانتصار، رغم إنَّه في الفتنة وليسَ هُوَ جليس
الدار، بلْ هُوَ في الفتنة وليسَ معها كما وَرَدَ «كن في الناس ولا تكن معهم»،
ونظير قوله j
أيضاً: «كونوا كالنحل في الطير
لَيسَ شي ء مِنْ الطير إلّا وَهُوَ يستضعفها ولو علمت الطير ما في أجوافها مِنْ
البركة لمْ تفعل بها ذلك، خالطوا الناس بألسنتكم وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم»، أيّ كُنْ في الفتنة ولا تكُن رقماً مِنْ أرقامها حتّى لا تخسر
عقيدتك، وكُنْ حلساً مِنْ أحلاس البيوت، أيّ: «لا تكن عبد غيرك وقدْ جعلك الله حراً»، ولا تكن حطباً لنيران الفتن،
وذلك يكون بالصبر والتثبّت وعدم الاستعجال، وَقَدْ وَرَدَ فِي الرواية «هلكت
المحاضير ونجا المقرِّبون»، والمحاضير أيّ
المستعجلون بلا تروي والاندفاعيون بسرعة استرسال بلا تثبّت وفطنة مِنْ دون مُلاحظة
عواقب الأُمور، وقوله «ونجا المقرِّبون» - بكسر الراء المشدّدة- تعني أنَّهم
يقولون بقرب الفرج وينتظرون في برمجة أعمالهم وجدولة تحرّكهم توخِّي الظهور،
فالانتظار مِنْ مادّة الناظر أيّ المتطلّع لشي ء آت، حيث يجعل مركز كُلّ برامجه
وتخطيطه وخطاه وخططه السعي لذلك الهدف والدوران حول تلك النقطة المركزية مِنْ دون
رسم هدف مغاير لذلكالفرج الحقيقي؛ وذلك بعدم الاغترار والفرح بالانفراج النسبي
الضئيل، وبذلك يكون السعي والعمل ولمزيد توضيح قول اللغويون في معنى الحلس أنَّه
البردع أو البردعة والبرذغ أو البرذعة فينبغي أنْ نوضِّح معنى البرذع، قال في لسان
العرب: «والبرذع هُوَ الحلس الذي يلقى تَحْتَ الرحل، والبرذعة مِنْ الأرض: لا جلد
ولا سهل وأبرنذع للأمر أبرنذاعاً: تهيأ واستعد. وابرنذع أصحابه: تقدمهم»، ويمكن
الحصول ممّا تقدَّم عَلَى نتائج عديدة:
1) بما أنَّ
معنى الحلس هُوَ البردع الذي هُوَ قماش أو شي ء آخر يوضع بين السرج وبين ظهر
الدابة كالحصان، والهدف منه زيادة في (ثبات) السرج عَلَى ظهر الحسان أو غيره،
وَمِنْ جهة أُخرى هُوَ (حماية) ظهر الدابة مِنْ قساوة السرج، وهكذا المؤمن الحلس
هُوَ كالبردع يحمي ظهور المؤمنين ويكون حصناً منيعاً ثابتاً لهم.
2) وقوله
والبرذعة مِنْ الأرض: (لا جلد ولا سهل)، هَذا يعني أنَّ البرذع الذي هُوَ الحلس
دائماً يسير عَلَى الطريقة الوسطى، فلا يكون ليناً فيعصر، ولا يكون يابساً فيكسر،
أي يكون وسطاً مِنْ باب وجعلناكم أُمَّة وسطاً، أو يكون وسطاً أيّ لا إلى اليمين
ولا إلى الشمال أيّ هُوَ عَلَى
3) نستشعر
مِنْ معنى البردع الذي هُوَ ما يوضع بين الرحل أو السرج وبين ظهر الدابة، أنَّه
بطانة داخلية غَير ظاهرة وَهُوَ بطانة نافعة، فيكون الحلس هُوَ معنى البطانية
الإيمانية الصالحة الَّتِي يأمر القُرآن بالركون إليها وعدم اتخاذ غيرها، قال
تعالى: Pيا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ
خَبالًاO.
فالعمدة في
هذهِ الوصية المُسْتفيضة في رواياتهم جملة مِنْ النُّقاط:
الأُولى:
الاستقامة والثبات عَلَى الإيمان.
الثَّانية:
التزام السِّرية والخفاء.
الثَّالثة:
التمركز في بيت الإيمان وجماعة المؤمنين، وعدم اتخاذ ولائج وانتماءات خارجة عنهم.
والتمركز لا
يعني التقوقع الجغرافي بقدر ما هُوَ تمركز الاستراتيجية ومنظومة الولاء والتحالف
مَعَ المؤمنين.
وأين هَذا
المعنى البديع مِنْ المعنى المغلوط المشتهر تقليدياً في الأذهان مِنْ معنى الجمود
وترك الحبل عَلَى الغارب والتفرّج مِنْ بعيد، والتخلّي عَنْ جملة مِنْ المسؤوليات الخطيرة، كما أنَّ المعنى الصحيح المتقدّم لا يعني
الصخب في العلانية والجهار في إذاعة الأسرار والصراخ والضجيج في كُلّ الأُمور،
فالنشاط وتحمّل المسؤولية لا يعني الضجيج والصخب وإعلان الأسرار للأعداء في
العلانية، وكذلك الخفاء والكتمان لا يعني الجمود والانعزال والتفرج مِنْ بعيد،
ولنا في الإمام المهدي f القدوة البالغة، فإنَّه f في قمة الخفاء مَعَ قمة تحمّل كافة
المسؤوليات في كُلّ الساحات والميادين الساخنة والباردة.
في الغيبة :قال j: إذا اختلف بنو فلان فيما بينهم فعند ذلك فانتظروا الفرج، وليس
فرجكم إلا في اختلاف بني فلان، فإذا اختلفوا فتوقعوا الصيحة في شهر رمضان وخروج
القائم، إن الله يفعل ما يشاء، ولن يخرج القائم ولا ترون ما تحبون حتى يختلف بنو
فلان فيما بينهم، فإذا كان كذلك طمع الناس فيهم واختلفت الكلمة وخرج السفياني.
وقال: لا بد لبني فلان من أن يملكوا،
فإذا ملكوا ثم اختلفوا تفرق ملكهم، وتشتت أمرهم، حتى يخرج عليهم الخراساني
والسفياني، هذا من المشرق، وهذا من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان، هذا من
هنا، وهذا من هنا، حتى يكون هلاك بني فلان على أيديهما، أما إنهم لا يبقون منهم
أحدا.
ثم قال j: خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد،
في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضا فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن
ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى، لأنه يدعو إلى
صاحبكم فإذا، خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني
فانهض إليه فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من
أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
ثم قال لي: إن ذهاب ملك بني فلان
كقصع الفخار، وكرجل كانت في يده فخارة وهو يمشي إذ سقطت من يده وهو ساه عنها
فانكسرت، فقال حين سقطت: هاه - شبه الفزع - فذهاب ملكهم هكذا أغفل ما كانوا عن
ذهابه([12]).
هنا مجموعة تكاليف تكليف تأكد الانتظار وتكليف توقع
الصيحة وتكليف ويل لمن ناواهم وتكليف وحرم بيع السلاح وتكليف ولا يحل أن يلتوي
عليه وهنا اشير لبعضها
حرمة العمل
المضادّ لحركته لإفشالها، ففرق بين التعبير بالإلتواء عليه والالتواء عنه، فكلمة
(عليه) تفيد السعي المضاد لحركته لا صرف المتاركة لحركته بخلاف كلمة (عنه)، فإنّها
تفيد الانصراف والابتعاد عن حركته.
نعم الأمر
بالنهوض إليه يفيد المناصرة، والظاهر أنّ مورده لمن كان في معرض اللقاء به
والمصادفة لمسيره.
وردت في رواية الإمام الباقر j قال: فإذا خرج اليماني حرم بيع
السلاح على الناس وكل مسلم. وكلمة التحريم الواردة في الرواية الشريفة تحمل على
وجهين، فإن جاءت بصفة التشديد (أي تأتي بصيغة: حرّم) يكون ضمير القائل عائد
لليماني، وإن جاءت مبنية على المجهول فالكلام لغيره، وأغلب الظن أن الكلمة جاءت
بصيغة المبني للمجهول وبالتالي فإن الحكم يصدر من غيره، لأن التشديد لا يلمس في
لفظ الرواية، ولو كان الامر بهذه الطريقة فإن من الواضح انه ليس فقيهاً بالمعنى
الذي يصدر فيه مثل هذا الحكم، وإن كان اصدار مثل هذا التحريم قد لا يكون في مجال
التشريع مما يستلزم فقيهاً، وإنما قد يأتي في المجال الأمني والقانوني وفي حاله
سيكون اليماني هو الذي يصدر هذا الحكم باعتباره هو المهيمن على هذا المجال في
مناطقه، والذي نعتمده ان ظاهر الرواية يحمل على التشريع الفقهي، خاصة مع وجود
لفظة: وعلى كل مسلم، مما يمكن ان يعمّ كل المناطق سواء كانت تحت قبضة اليماني او
تلك التي لم تصل سلطته لها.
على أن
الحكم بحرمة بيع السلاح يراد به وصف معارك هذا العبد الصالح، إذ ان هذا التحريم لا
يصدر إلا في المعارك المتعلقة بأهل البيت b، لوضوح جواز بيع السلاح في حال الأمن على شيعة أهل البيت b من الضرر، مما يعني تزكية هذه المعارك من الناحية الإيمانية، وهو
ما يضيف مدحاً ضمنياً لهذا العبد الصالح على ما تم مدحه في روايات أخرى.
تكاليف بعد تحقق علامة
السفياني
عن الفضل بن سليمان الكاتب قال: كنت عند
أبي عبداللّه j فأتاه
كتاب أبي مسلم، فقال: ليس لكتابك جواب، اخرج عنّا... ـ إلى أن قال ـ: إنّ اللّه لا
يعجل لعجلة العباد، ولإَزالة جبل عن موضعه أهون من إزالة ملك لم ينقضِ أجله... ـ إلى
أن قال ـ: قلت: فما العلامة فيما بيننا و بينك جعلت فداك؟ قال: لا تبرح الأرضيا فضل
حتى يخرج السفياني فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا ـ يقولها ثلاثاً ـ وهو من المحتوم
([13]).
في البحار:فأبشروا ثم أبشروا! ما
الذي تريدون؟ ألستم ترون أعداءكم يقتلون في معاصي الله، ويقتل بعضهم بعضا على
الدنيا دونكم، وأنتم في بيوتكم آمنين في عزلة عنهم، وكفى بالسفياني نقمة لكم من
عدوكم، وهو من العلامات لكم، مع أن الفاسق لو قد خرج لمكثتم شهرا أو شهرين بعد
خروجه لم يكن عليكم منه بأس حتى يقتل خلقا كثيرا دونكم.
فقال
له بعض أصحابه: فكيف نصنع بالعيال إذا كان ذلك؟ قال: يتغيب الرجال منكم [عنه] فان
خيفته وشرته فإنما هي على شيعتنا فأما النساء فليس عليهن بأس إنشاء الله تعالى.
قيل: إلى أين يخرج الرجال ويهربون منه؟ فقال: من أراد أن يخرج منهم إلى
المدينة أو إلى مكة أو إلى بعض البلدان ثم قال: ما تصنعون بالمدينة وإنما يقصد جيش
الفاسق إليها، ولكن عليكم بمكة فإنها مجمعكم وإنما فتنته حمل امرأة تسعة أشهر ولا
يجوزها إنشاء الله ([14]).
وقريب
منها ما رواها الطبري الإمامي عن ابن مسعود، قال: كنا جلوسا عند النبي d ذات يوم، إذ أقبل فتية من بني عبد
المطلب، فلمّا نظر إليهم رسول اللّه d اغرورقت عيناه، فقلنا: يا رسول اللّه! لا نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه!
قال: إنا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي
بلاءً وتطريداً وتشريداً ... ولا يزالون كذلك حتى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي،
فيملأها قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، فمن أدركه منكم فليأته ولو حبواً
على الثلج. ([15])
محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم،
عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن عيص بن القاسم قال: سمعت أبا عبدالله j يقول: عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له وانظروا لانفسكم، فوالله
إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي، فاذا وجد رجلا هو أعلم بغنمه من الذي هو
فيها يخرجه ويجيء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها، والله لو كانت لاحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها ثم كانت
الاخرى باقية تعمل على ما قد استبان لها، ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت فقد والله
ذهبت التوبة فأنتم أحق أن تختاروا لانفسكم، إن أتاكم آت منا فانظروا على اي شيء
تخرجون، ولا تقولوا: خرج زيد، فإنّ زيداً كان عالما وكان صدوقا ولم يدعكم إلى
نفسه، وإنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد d ولو ظهر لوفى بما
دعاكم إليه إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه، فالخارج منا اليوم إلى اي شيء يدعوكم
إلى الرضا من آل محمد j فنحن
نشهدكم انا لسنا نرضى به وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد، وهو إذا كانت الرايات
والالوية أجدر أن لا يسمع منا إلا من اجتمعت بنو فاطمة معه، فوالله ما صاحبكم إلا
من اجتمعوا عليه إذا كان رجب فاقبلوا على اسم الله، وإن أحببتم أن تتأخروا إلى
شعبان فلا ضير، وإن أحببتم أن تصوموا في أهاليكم فلعل ذلك يكون أقوى لكم، وكفاكم
بالسفياني علامة([16]).
المازندراني: أي فأقبلوا إلينا مع
اسم الله أو
متبركين به فعلى للمصاحبة كمع أو بمعنى الباء ولم يرد أن ظهوره j في رجب بل أراد أن فيه بعض علامات ظهوره كخروج السفياني ونحوه من
الأمور الغريبة الدالة على قرب ظهوره.
وعلى هذا الاقبال اليهم أي الى
اليماني المتوجه الى مكة لانه الامام الى الان لم يظهر فيكون التوجه الى مايوصل
اليه.
قبول المشاهدة أي السفارة
التوقيع الصادر "بِسْمِ اللهِ
الرَّحمنِ الرَّحيم، يا عليَّ بن محمّدٍ السِّمَّريّ، أعظمَ اللهُ أجرَ إخوانِكَ
فيكَ، فإنّكَ ميِّتٌ ما بينكَ وبينَ ستّةِ أيّامٍ، فاجمع أمرَكَ ولا توصِ إلى أحدٍ
يقومُ مقامَكَ بعدَ وفاتكَ، فقدْ وقعتْ الغيبةُ الثّانية، فلا ظهورَ إلّا بعد إذن
الله f وذلك
بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتِي مَنْ يَدَّعي
المشاهدةَ، ألا فَمَن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السّفيانيِّ والصّيحة، فهُوَ
كذَّابٌ مفترٍ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلّا باللهِ العليِّ العظيمِ([17])".
أقول وقد بينا في هذا الكتاب رسالة
كاملة في هذا التوقيع المبارك وهنا اردنا الإشارة ان تكليف قبول السفارة عن الامام
f من التكاليف الذي يتعين علينا بعد علامة السفياني والصيحة.
الخصوصية الأولى: اسمه ونسبه
وصفاته
قال: أمير المؤمنين j: يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس وهو رجل ربعة، وحش
الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر جدري إذا رأيته حسبته أعور، اسمه عثمان وأبوه عنبسة،
وهو من ولد أبي سفيان حتى يأتي أرضا ذات قرار ومعين فيستوي على منبرها([18]).
الخصوصية الثانية: وقت حركته
ومدّتها
عن أبي عبد الله j أنه قال: «السفياني من المحتوم، وخروجه في رجب، ومن أول خروجه إلى
آخره خمسة عشر شهرا، ستة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر،
ولم يزد عليها يوما»([19]).
الخصوصية الثالثة: موقف
السفياني من الشيعة
عن الإمام الصادق j: «كأني بالسفياني أو لصاحب
السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة، فنادى مناديه: من جاء برأس رجل من شيعة
علي فله ألف درهم، فيثب الجار على جاره يقول: هذا منهم، فيضرب عنقه ويأخذ ألف درهم» ([20]).
العلامة الثانية: الصيحة
السماوية
أبي حمزة الثمالي أنه سأل الإمام
الباقر j قال:
«فقلت له: كيف يكون ذلك النداء؟ قال:
ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن الحق في علي وشيعته، ثم ينادي إبليس لعنه
الله في آخر النهار: ألا إن الحق في السفياني وشيعته، فيرتاب عند ذلك المبطلون» ([21]).
وفي الخبر عن الإمام الباقر j: «وعلامة ذلك أنه ينادي باسم
القائم واسم أبيه c حتى تسمعه العذراء في خدرها فتحرض أباها وأخاها على الخروج»([22]).
روى عن
الإمام الباقر j: «الصيحة
لا تكون إلا في شهر رمضان، لأن شهر رمضان شهر الله، والصيحة فيه هي صيحة جبرائيل
إلى هذا الخلق، ثم قال: ينادي مناد من السماء باسم القائم j فيسمع من بالمشرق
ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلا استيقظ، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على
رجليه فزعا من ذلك الصوت، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب، فإن الصوت الأول
هو صوت جبرئيل الروح الأمين j» ([23]).
وُيستفاد من صحيحة الحارث بن المغيرة
أنه في ليلة القدر المباركة في شهر رمضان المبارك، فعنه عن أبي عبد الله الصادق j: «الصيحة التي في شهر رمضان
تكون ليلة الجمعة لثلاث وعشرين مضين من شهر رمضان»
([24]).
الخصوصية الرابعة: لسان
الصيحة ولغتها
ففي صحيحة زرارة عن أبي عبد الله j: «ينادي مناد باسم القائم j، قلت: خاص أو عام؟ قال: عام يسمع كل قوم
بلسانهم، قلت: فمن يخالف القائم j وقد نودي باسمه؟ قال: لا يدعهم إبليس حتى
ينادي في آخر الليل ويشكك الناس» ([25]).
الخصوصية الخامسة: الاختبار
بالصيحة
فقد تقدّم في الأخبار السابقة وجود
نداءين، النداء الأول سماوي ينادى فيه باسم القائم وأن الحق مع علي وشيعته،
والثاني أرضي إبليسي، وقد أمرنا باتّباع الأول للنجاة من هذه الفتنة، والظفر في
هذا الاختبار.
الخصوصية الأولى: منطلق
حركته من اليمن
عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر c وإن من علامات خروجه: «خروج
السفياني من الشام، وخروج اليماني (من اليمن) وصحية من السماء في شهر رمضان، ومناد
ينادي من السماء باسمه و اسم أبيه. » ([26]).
وفي خبر عبيد بن زرارة، قال: «ذكر عند أبي عبد الله j السفياني فقال: أنى يخرج ذلك؟ ولما يخرج
كاسر عينيه بصنعاء؟!» ([27]).
الخصوصية الثانية: اقتران
حركته بحركة السفياني.
ففي صحيح الأزدي عن الإمام الصادق j: «خروج الثلاثة: الخراساني
والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، وليس فيها راية بأهدى
من راية اليماني يهدي إلى الحق.» ([28])
الخصوصية
الثالثة: راية اليماني أهدى الرايات
وقد أشارت روايات متعددة إلى أن راية اليماني هي
أهدى الرايات، كصحيحة الأزدي - المتقدمة - عن الصادق j: «وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني يهدي إلى
الحق». ([29])
العلامة
الرابعة: قتل النفس الزكية
عن الإمام
الباقر j: «وقتل غلام من آل محمد d بين الركن والمقام، اسمه محمد بن الحسن
النفس الزكية»([30]).
والظاهر
بحسب بعض الروايات الشريفة أن هذه العلامة هي آخر علامات الظهور المبارك، ففي
رواية صالح مولى بني العذراء عن الإمام الصادق j: «ليس بين قيام قائم آل محمد
وبين قتل النفس الزكية إلا خمسة عشر ليلة» ([31]).
الخسف
بالبيداء وطلوع الشمس من المغرب
وهاتان
العلامتان تكوينيتان لا تقبلان التلبيس أبداً، ولا يجوز الإذعان لأحد ولا مبايعته
قبل تحققهما، فقد جاء ففي معتبرة جابر بن يزيد الجعفي عن الإمام الباقر j: «فينزل أمير جيش السفياني
البيداء فينادي مناد من السماء: يا بيداء، بيدي القوم، فيخسف بهم، فلا يفلت منهم
إلا ثلاثة نفر، يحول الله وجوههم إلى أقفيتهم» ([32])
وفي معتبرة
أبي حمزة الثمالي - المتقدم ذكرها - قال: قلت لأبي عبد الله j: إن أبا جعفر j كان
يقول: «خروج السفياني من المحتوم،
والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من المغرب من المحتوم، وأشياء كان يقولها من
المحتوم»([33]).
امتناع وقوع اللبس في
العلامات الحتمية
مما يجدر الالتفات إليه في نهاية هذا
البحث هو أنَّ العلامات الحتمية غير قابلة للتلبيس، ووجه الامتناع يقوم على أربع
ركائز:
الركيزة الأولى: أن بعض العلامات
المحتومة تكوينيةٌ، كخروج الشمس من المغرب والتكويني لا يُلَبَّس به.
فإنَّ الذي جرى عليه المخطط الإلهي
لهذه العلامات أن تكون أحداثاً عالميةً لا أحداثاً جزئية، وهذا هو مقتضى كونها
علامةً لجميع أهل العالم المكلفين بالإيمان بإمامة الإمام المهدي f، إذ أن خصوصية العلامة هو قابليتها لهداية جميع المعنيين بها، لا
أنها تكون لقسم خاص منهم، وإلا فلا معنى لجعلها علامة.
أن العلامات المحتومة لا
تقبل تلبيساً ولا إيهاماً.
أولاً: لكون بعضها تكوينياً.
وثانياً: لاشتراط الجامعية فيها.
وثالثاً: لكونها أحداثاً عالمية.
ورابعاً: لذكر دقائقها المانعة من
تطبيقها على كل أحد.
وفيه عن أبي بصير، عن أبي عبد الله j قال: سألته عن القائم j،
فقال: كذب الوقَّاتون، إنا أهل بيت لا نوقِّت ([34]).
وفي ما رواه النعمانيّ -بسند معتبر-
عن محمَّد بن مسلم، قال: قال أبو عبد الله j يا محمَّد، من أخبرك عنَّا توقيتا فلا تهابنّ أن تُكذِّبه، فإنِّا لا
نوقِّت لأحدٍ وقتاً ([35]).
عن الصَّادق j: «أبى الله إلاّ أن يخالف
وقت الموقّتين»([36]).
هل تحديد الظهور منحصر بالعلامات
الحتميَّة للظُّهور
يقول
الشيخ السند :صريح الرِّوايات المستفيضة بأنَّ عدم التَّوقيت لظهور المهديّ f من
الأمور الثَّابتة في مذهب أهل البيت b، وأنَّ
تحديد الظُّهور منحصر بالعلامات الحتميَّة للظُّهور فقط، وأبرزها الصَّيحة
السَّماويّة، وخروج السفيانيّ في الشام"([37]).
ويضاف عليه ان لم يكن البداء فهو
الطريق المنحصر والا
عدم لزوم كون تقارن كل علامة على ظهوره f
اعلم أن هذه العلامات لا يلزم كونها
مقارنة لظهوره j إذ
الغرض بيان أن قبل ظهوره j يكون
هذه الحوادث كما أن كثيرا من أشراط الساعة التي روتها العامة والخاصة ظهرت قبل ذلك
بدهور وأعوام وقصة صاحب الزنج كانت مقارنة لولادته j ومن هذا الوقت ابتدأت علاماته إلى أن يظهر j. على أنه يحتمل أن يكون الغرض علامات ولادته j لكنه بعيد([38]).
عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر j قال: «إن من الأمور
أموراً موقوفة، وأموراً محتومة، وأن السفياني من المحتوم الذي لابد منه»([39]).
عن زرارة، عن حمران بن أعين، عن أبي
جعفر محمد بن علي j في
قوله تعالى: Pثُمَّ قَضَى
أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُO
فقال:"إنهما أجلان: أجل محتوم، وأجل موقوف. فقال له حمران: ما المحتوم؟
قال: الذي لله فيه مشيئة.
قال حمران: إني لأرجو أن يكون أجل
السفياني من الموقوف.
فقال أبو جعفر: لا والله، إنه لمن
المحتوم"([40]).
عن داود بن القاسم:"كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا j، فجرى ذكر السفياني، وما جاء في
الرواية من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر: هل يبدو لله في المحتوم؟.
قال: نعم.
قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في
القائم.
قال: إن القائم من الميعاد، والله لا
يخلف الميعاد"([41]).
المجلسي: والبداء في المحتوم:
قال المجلسي e: يُحتمل أن يكون المراد بالبداء في المحتوم: البداء في خصوصياته،
لا في أصل وجوده، كخروج السفياني قبل ذهاب بني العباس ونحو ذلك([42]).
ولكننا لا نوافق العلامة المجلسي e على جوابه هذا، فإن سياق الرواية التي تتحدث عن حتمية نفس الحدث،
وعروض البداء فيه نفسه، يأبى عن صرف البداء إلى الخصوصيات. ولا أقل من أنه خلاف
الظاهر.. فلابد من البحث عن إجابة أخرى تكون أوضح، وأتم.
ونحن نجمل رأينا في هذه الرواية فيما
يلي:
رأينا: البداء في المحتوم!!:
إن أساس الإشكال الذي أثار تعجب
السائل، وحاول العلامة المجلسي الإجابة عليه هو:
أن البداء في المحتوم ينافي حتميته،
لأن معنى البداء في شيء هو العدول عنه، فحتمي الوجود يصبح ـ بواسطة البداء ـ غير
حتمي، وكذلك العكس.
وعلى هذا.. فلا يبقى ثمة فرق بين
المحتوم وغيره، فلا معنى لهذا التقسيم.
ولعل الجواب الأتم والأوفى هو:
أن هناك أمور ثلاثة يمكن استفادتها
من الروايات:
الأول:ما قدمناه، من أن الإخبار يكون
عن تحقّق المقتضيات للأحداث والوقائع من دون تعرض لشرائطها وموانعها. فقد تتحقق
تلك، وتفقد هذه، فيوجد الحدث وقد لا فلا.
وقد قدمنا الحديث عن هذا القسم
ونعزّزه هنا بالمثال التقريبي.
فنقول:أما بالنسبة للمانع، فهو نظير
بيت بُنِيَ على ساحل البحر، وكان البناء من القوة بحيث يستطيع البقاء مئة سنة.
ولكن إذا ضربته مياه البحر، أو تعّرض
لعاصفة عاتية، أو لزلزال، فلسوف ينتهي عمره في أقل من نصف هذه المدة فيصحّ الإخبار
عن المدة الأولى من دون تعرض لذلك المانع المعارض، أو الذي يعرض له.
وكذلك الحال لو كان للإنسان حقل زرعه
قمحاً، وقد استحصد، فإنه يصح له أن يقول: إن لدي مقدار ألف كيلو من القمح، ولكنه
لا يدري: أن طفلاً سيلقي فيه عود ثقاب فيحرق، أو سوف يأتي سيل فيقضي عليه.
وأما بالنسبة إلى الشرط، فهو نظير
شجرة خضراء غرست في الموقع وفي المكان المناسب، ولكنّ شرْطَ نموّها وحياتها هو
إيصال الماء إليها، فإذا لم يتحقق هذا الشرط، امتنعت عليها الحياة. فيخبر عن حياة
الشجرة، وعن عمرها، من دون الأخذ بنظر الاعتبار عدم تحقق ذلك الشرط كما قلنا.
ومن الأمثلة التي وردت في القرآن وفي
السنة، على لسان الرسول الأكرم d، والأئمة الأطهار b
نذكر:
٢ـ ما روي من أن إذاعة الناس، وعدم
كتمانهم قد أوجب تأخُّر ظهور ذلك الرجل الذي سوف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، إلى وقت
آخر([43]).
٣ـ لقد استشهدت بعض الروايات على
حصول البداء في وقت ظهور القائم f بأن
موسى قد واعد قومه ثلاثين يوماً، وكان في علم الله زيادة عشرة أيام، لم يخبر موسى قومه بها فكفروا بعد مرور
الثّلاثين، وعبدوا العجلَ.
٤ـ واستشهدت على ذلك أيضاً بأن يونس
قد أوعد قومه بالعذاب، "وكان في علم الله أن يعفو عنهم، وكان من أمر الله ما
قد علمت"([44]).
وقد عبرت الروايات عن هذا القسم تارة
بـ "الموقوف" وأخرى بـ "ما ليس بمحتوم" كما سبق..
الثاني: ما يكون الإخبار فيه عن تحقق العلة التامة، بجميع
أجزائها وشرائطها، وفقد الموانع، بحيث يصبح وجود المعلول ـالحدث ـ أمراً حتمياً،
لا يغيّره سوى تدخّل الإرادة الإلهية.
وذلك.. لأن تمامية العلة، لا يلغي
قدرة الله سبحانه، وحاكميته المطلقة ولا حقه في التدخل، حينما لا يصطدم ذلك التدخل
بأي مانع آخر سوى ذلك، فهو لا ينافي عدله سبحانه، ولا حكمته، ولا رحمته، ولا غير
ذلك من صفاته الربوبية جل وعلا..
ولا ينافي هذا: أنه قد جرت عادته
تعالى، فيما نشاهده ونعيشه على عدم التدخل للحيلولة بين العلل ومعلوماتها، وعلى
تسيير أمور الكون والحياة وِفْقَ طريقة معينة، وقانون عام، ونظام تام.
فمثلاً قد اعتدنا: أن يسير توالد
الناس، والموت، والحياة، على وتيرة واحدة، ويتم بالأسباب المعروفة.
كما أن ثبات الأرض والجبال،
وتماسكها، وثقلها، واستقرارها هو السنّة التي ألفناها وعرفناها في جميع مقاطع
حياتنا.
ولكن مشيئة الله سبحانه، قد تلغي ذلك
كما في قضية ولادة عيسى ـ بل هي سوف تلغي حتماً ـ هذه الحالة عند انتهاء أمد
الدنيا ـ وبذلك تكون نفس مشيئته، وليس فقد الشرط، ولا وجود الموانع سبباً في وقف
التوالد، وفي صيرورة الجبال كالعهن المنفوش. كما أنها لسوف تمّر مرّ السحاب، ولسوف
يموت الناس بنفخ الصور. ثم تكون نفخة أخرى، فإذا هم قيام ينظرون.
نعم، إن ذلك كله سيكون، من دون أن
يحدث أي خلل أو نقص في العلة التامة.
وقد سمّي هذا القسم بـ
"المحتوم" وعبّر عن تدخل المشيئة الإلهية فيه بـ "البداء" كما
تقدم في الرواية. وقد صرحت الرواية الثالثة المتقدمة بهذا حيث قالت:
(فقال له حمران: ما المحتوم؟
قال: الذي لله فيه المشيئة".
أما الرواية الرابعة التي هي موضع
البحث فقد أشارت إلى هذا القسم وإلى القسم الثالث الآتي بيانه وهي تفسر المراد من
الرواية الثالثة.
الثالث: ما يكون الإخبار فيه عن أمور
حتمية الوقوع، ولا يتدخل الله سبحانه للتغيير فيها، مع قدرته على ذلك، إذ إن ذلك يتنافى
مع صفاته الربوبية.
فمثلاً: الله قادر على فعل القبيح،
وعلى الظلم، ولكن يستحيل صدورها منه:
Pوَلا يَظْلِمُ
رَبُّكَ أَحَدًاO، لأن ذلك يتنافى مع عدل الله سبحانه، ومع كونه لا يفعل القبيح.
وكذا الحال بالنسبة إلى كل ما يتنافى
مع حكمته ورحمته.
وخلف
الوعد أيضاً من هذا القبيل، فيستحيل منه تعالى، وقد صرحت الرواية السابقة بأن قيام
القائم f من هذا القبيل، أي من الميعاد، والله سبحانه لا يخلف الميعاد.
ومما تقدم نعرف:
١ـ أن البداء في علامات الظهور إنما
هو من القسم الأول.
٢ـ أن البداء في العلامات التي هي من
المحتوم، إنما هو من القسم الثاني.
وأما البداء في قيام القائم f فهو من القسم الثالث.
المتحصل من ذلك ان البداء في المحتوم
وقع محلا للخلاف بين من يقول باستحالته وبين من يقول بامكانه ولا يوجد رأي يقول
بضرورة وقوع البداء في المحتوم وعلى فرض وقوعه فانه ممكن ان يقع في بعض العلامات
الحتمية دون جميعها لان وقوعها بجميعها يستلزم لغوية وضع تلك العلائم.
بحسب المتابعة الميدانية، نجد الكثير
من المؤمنين يتساءل عن العلامات، ويحاول من هنا وهناك أن يجد تطابقاً بين بعض
الأحداث وبين روايات العلامات، وتجد شغله الشاغل هو البحث في هذا الجانب، فهل هذا
الأمر منطقي في القضيَّة المهدوية!؟
ينبغي أن يكون واضحاً أنَّ الله
تعالى لم يجعل علامات الظهور بمحض الصدفة أو العبثية، وإنَّما جعلها لأهداف تربوية
ونفسية، وتكمن فائدتها في أنَّها تُمثِّل منبِّهاً للغافلين على قرب الظهور
المبارك، ليُكمِل المنتظرون استعداداتهم العملية ليوم الظهور الموعود، فضلاً عن
أنَّ معرفتها قبل الظهور يُمثِّل حافزاً مهمّاً للتدارك إذا ما حصلت، فهي بمثابة
المنبِّهات من الخطر..
والخطر
يكمن في أن يعيش المرء حالة الفساد والانحراف إلى أن يظهر الإمام، وحينئذٍ Pلا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ
كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراًO ([45])، إذ لعلَّ المنحرف لا يُوفَّق للتدارك
زمن الظهور، خصوصاً مع سرعة عمليات التطهير من براثن الانحراف، ممَّا نسمعه في
الروايات الشريفة.
إذن، لمعرفة العلامات فوائد عديدة،
وقد عبَّرت الروايات عنها بعدَّة تعبيرات، فعن هشام بن سالم، قال: سمعت أبا عبد
الله j
يقول: «هماصيحتان: صيحة في أوَّل الليل، وصيحة في آخر الليلة الثانية»، قال: فقلت:
كيف ذلك؟ قال: فقال: «واحدة من السماء، وواحدة من إبليس»، فقلت: وكيف تُعرَف هذه
من هذه؟ فقال: «يعرفها من كان سمع بها قبل أن تكون».
وفي رواية أُخرى قال j لعبد الرحمن بن مسلمة الجريري حينما قال له: إنَّ الناس
يُوبِّخونا ويقولون: من أين يعرف المحقّ من المبطل إذا كانتا؟ فقال j: «ما تردّون عليهم؟»، قلت: فما نردُّ عليهم شيئاً. قال: فقال: «قولوا لهم: يُصدِّق بها إذا كانت من كان مؤمناً يؤمن بها قبل أن تكون»، قال: «إنَّ الله f
يقول: Pأَفَمَنْ
يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ
يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَO ([46])».
ولكن هذا لا يعني ضرورة التعمّق
الكبير والغور في أعماق معرفة العلامات، فالمهمُّ هو البحث عن عوامل الظهور والعمل
على تطبيقها، بحيث يكون الفرد المؤمن شعلة في طريق التمهيد، ولا يكون حجر عثرة
فيه، وأمَّا علامات الظهور فهي واضحة جدّاً بحيث لا تقبل التشكيك، فإنَّها إمَّا
قائمة على الإعجاز كالخسف والصيحة، وإمَّا على كونها ظواهر اجتماعية أو سياسية
غريبة ملفتة للأنظار بشكل كبير كتحرّك ثلاث قوى ومن ثلاثة محاور إلى مركز واحد:
السفياني من الشام، واليماني من اليمن، والخراساني من بلاد المشرق (إيران)، في يوم
واحد باتِّجاه الكوفة أو العراق عموماً، وكقتل النفس الزكيَّة في حرم الله الآمن
بين الركن والمقام.
إذن..المطلوب هو انتظار الإمام
والتمهيد لظهوره، لا انتظار العلامات.
كيف
يتمُّ التوفيق بين علامية العلامات ووضوحها وبين فجائية الظهور؟
الجواب الأوَّل: أنَّ المباغتة إنَّما تكون للعدوِّ، أمَّا الموالي، فلا ضرورة لتحقّق
المباغتة معه، بل الاستراتيجية الحربية تقتضي أن يكون الصديق والموالي على علم
مسبق بساعة الصفر، حتَّى يكون له يد في إحداث المباغتة للعدوِّ. بل تؤكّد الروايات
على وضوح أمر أهل البيت b
كوضوح الشمس.
ولذلك قال الإمام الصادق j للمفضَّل بن عمر عندما بكى من
اختلاف الرايات واشتباهها وخوفه من عدم معرفة الحقِّ: «أهذه الشمس مضيئة؟»، قال المفضَّل: نعم، فقال j: «والله لأمرنا أضوء منها».
الجواب الثاني: أنَّ الروايات وإن أشارت إلى علامات الظهور، إلَّا أنَّها في الوقت
ذاته أكَّدت على أنَّ العلامات إنَّما تكون علامات ملفتة للنظر لمن كانت عنده
معرفة مسبقة وإيمان مستقرّ بقضيَّة الإمام المهدي j، وإلَّا، فمن دون معرفة مسبقة وإيمان مستقرّ، قد تحدث العلامات،
وتحدث معها ردّات فعل لكنَّها مؤقَّتة، لا تدوم طويلاً، وما تفتؤ تحدث حتَّى
تُنسى، وبالتالي، سيكون عنصر المباغتة محفوظاً من جهة الأعداء والجهّال بالقضيَّة
المهدوية.
عن زرارة بن
أعين، قال: سمعت أبا عبد الله j
يقول: «ينادي منادٍ من السماء:
إنَّ فلاناً هو الأمير، وينادي منادٍ: إنَّ عليّاً وشيعته هم الفائزون»، قلت: فمَنْ يقاتل المهدي بعد هذا؟ فقال: «إنَّ الشيطان ينادي: إنَّ فلاناً وشيعته هم الفائزون - لرجل من بني
أُميَّة -»، قلت: فمَنْ يعرف الصادق من الكاذب؟
قال: «يعرفه الذين كانوا يروون
حديثنا، ويقولون: إنَّه يكون قبل أن يكون، ويعلمون أنَّهم هم المحقّون الصادقون».
الجواب الثالث: أنَّ العلامات وإن كانت ملفتة للنظر، ولكن عنصر المباغتة سيبقى
محافظاً على وجوده، باعتبار أنَّ هناك ظروفاً
موضوعية
ستؤدّي إلى اختلال أفكار الناس، بحيث يحارون في أمرهم، وقد يصل الأمر بهم إلى
تناسي تلك العلامات والانشغال بتلك الظروف.
وتلك الظروف
تتمثَّل في كثرة الفتن والاختبارات والمحن، إلى الحدِّ الذي يصل الأمر بالحكيم إلى
أن يتيه فكره ويحار لبُّه، بالإضافة إلى تتابع دعاوى المهدوية الباطلة، ممَّا
يُقلِّل من أثر تلك العلامات لانشغال الناس بتلك الظروف.
قال
أبوعبدالله j: «لا
يخرج القائم حتَّى يخرج اثنا عشر من بنيهاشم كلّهم يدعو إلى نفسه».
وقال
رسول الله d: «لا
تقوم الساعة حتَّى يخرج نحو من ستّين كذّاباً، كلّهم يقول: أنا نبيٌّ».
التعرف
على العلامات تشكل ثقافة مهدوية وتنم عن محبة المنتظر لامام زمانه f والاحتراز من المدعين والكذابين والعمل
بالواجبات سواء قبل تحقق العلامات المحتومة وبعد تحققها والكشف عن خارطة الطريق
وازدياد الايمان بالغيب .
تعليقات
إرسال تعليق