القائمة الرئيسية

الصفحات

من كتاب اعظم الحجج في عظمة وشرح دعاء الفرج

 




الباب الحديدي الذي يحجب دعاء الفرج


الأبواب المؤدية إلى الانحراف كثيرة، بعدد حبائل الشياطين التي تمنع الإنسان من الوصول إلى الكمال، لكنّ أخطرها وأشدّها استحكامًا هو باب الغفلة، ذلك الباب الحديدي الذي يغلّف القلب والعقل فيحجبهما عن النور الإلهي.
ومن خلال تتبّع الآيات والروايات، ومن قصّة الإنسان مع الشيطان، إلى نهايته على يدي صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف)، يظهر أن الغفلة هي أخطر أسلحته وأقواها أثرًا.
وسنحاول هنا أن نشير إلى بشاعة هذا الباب الحديدي، وأسبابه ونتائجه، وما يحطمه.


 المحور الأول: الغفلة سلاح الشيطان الأقوى

قال الإمام الصادق عليه السلام كما في الكافي الشريف، في حديث العابد الذي أراد إبليس إغواءه:
(ثم يروي القصة كاملة كما أوردتها أنت...)

والنتيجة: أن الشيطان يأتي كل إنسان من الباب الذي يناسبه، فيختار لكلٍّ سلاحًا يضعفه.
أمّا أقوى أسلحته فهو الغفلة، إذ تجعل العابد يغفل عن حقيقة عمله، والعالم يغفل عن إخلاصه، فتُهلكه من حيث لا يشعر.

وهنا تتجلّى عظمة قول أمير المؤمنين عليه السلام:

«الغفلة أضرّ الأعداء».


 المحور الثاني: آيات بينات في ذمّ الغفلة

 الآية الأولى

﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾
(الأعراف: 179)

 الدلالات:

  1. الغافلون وصفهم الله بنفسه، فجعل الغفلة عنوان الضلال.

  2. الغفلة تهبط بالإنسان إلى ما دون الحيوان.

  3. الغفلة تعمي القلب والبصر والسمع.

  4. الغفلة تمسخ الإنسانية، وتجعل الإنسان فاقد الحسّ الروحي.

  5. ما دامت الغفلة، فباب جهنم مفتوح لهم.

❖ فما أبشعها من صورة، وأخطرها من نتيجة!


 الآية الثانية

﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ... أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾
(النحل: 107-109)

 الدلالات:

  1. الغفلة قلبت الموازين، فاستُحبّ الزائل على الباقي.

  2. استحكمت الغفلة حتى طُبع على القلوب والأسماع والأبصار.

  3. الغفلة تولّد الخسارة الكبرى، لأنّها تُميت البصيرة.

  4. ومع الغفلة لا تهتدي القلوب، ولا تصل إليها الهداية.

❖ فالغفلة جذر الكفر، ومصدر كلّ ضلال.


 الآية الثالثة

﴿قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾
(يوسف: 13)

 الإشارات:

  • الغفلة كانت سببًا في فراق الولي، وسقوطه في غياهب البئر.

  • يحزن الأنبياء على غياب الولي، كما حزن يعقوب على يوسف حتى ابيضّت عيناه.

  • الغفلة عن وليّ الله الأعظم (عج) تؤدي إلى الحرمان من لقائه، كما قال الإمام الحسين عليه السلام في دعاء عرفة:

    «وماذا وجد من فقدك؟»

❖ الغفلة إذًا تفريطٌ بوليّ الله، وضياع أعظم الأمانة.


 المحور الثالث: كلمات المعصومين في الغفلة

من أقوال أمير المؤمنين عليه السلام:

  • «الغفلة أضر الأعداء»

  • «الغفلة فقد»

  • «الغفلة ضلالة»

  • «دوام الغفلة يعمي البصيرة»

  • «من طالت غفلته تعجلت هلكته»

  • «انتباه العيون لا ينفع مع غفلة القلوب»

وفي حديث المعراج:

«من غفل عني لا أبالي بأي وادٍ هلك»

❖ الغفلة إذًا موتٌ معنويّ، يُميت البصيرة ويُهلك القلب.


 المحور الرابع: الشيطان وعداوته المستمرة

قال الله تعالى:

  • ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾

  • ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾

وقال الإمام الصادق عليه السلام:

«إن كان الشيطان عدوًّا، فالغفلة لماذا؟»

وقال أمير المؤمنين عليه السلام:

«ما دمت لا ترى الشيطان ميتًا، فلا تأمن مكره».

❖ فالغفلة عن عداوته أعظم نصرٍ له، واليقظة منه أول خطوة نحو النجاة.


 الخاتمة

الغفلة باب حديديّ يغلق طريق الكمال، وأشدّ سلاح للشيطان ضد الإنسان.
ولا يُحطّم هذا الباب إلا بـ:

  • الذكر الدائم لله تعالى،

  • ومحاسبة النفس،

  • والتوجه الصادق لوليّ الله الأعظم (عج)، الذي به يُكشف غطاء الغفلة وتُستعاد البصيرة.

 فمن أراد الفتح، فليطرق باب اليقظة، فإنّ وراءه وجه الحبيب.

تعليقات